كيف كَبرُتْ عشرة أعوامٍ في سنَه؟
جميلة شحادة | فلسطين
قبلَ سنَه،
كانتْ ورودُ حديقتي تغفُو في حضنِ أُمِّها
ترضَعُ قطراتِ الندَى على مهلها،
تسْتحمُّ بنورِ الشمسِ،
وتتمايلُ بغنجٍ على غصنها.
أَمُرُّ بها، أمسحُ بكَفِّ يدِي رأسَها،
أُوَشوشُها.. وأَتركُها للنسيمِ يعانقُ عطرَها.
واليومَ؛ أَمُرُّ بها، لا أَنتبهُ الى جمرِ خدِّها
لا يسكرُني سحرُ عِطرِها
ولا أكحِّلُ عينيَّ بحسنِها.
لقد رحلتْ في المساءِ أطيارُها،
وتركتْ صورَها معلقةً على جدرانِ قلبِها.
°°°
قبل سنَه،
كنتُ أبحثُ في المجلاتِ عن صورِ سندريلا الشَّاشَه،
واستمعُ الى أغاني فيْروز وخوليو،
وأُتابعُ رقْصَ الفراشَه.
كانت أغاني خوليو تدخِلُني الى الفردوسْ،
وصورُ أختِ القمرْ، تضيءُ وجهي بالبشاشَه.
لقد نزفَ قلبي ورداً أحمرَ على سعادَ أختَ القمرْ.
وحرقتْ قصصُ الصَّلاحِ مخدتي فكُلّها
قهرٌ ومرٌ وعارٌ منْ نصرِ زائفٍ
محسوب على البَشرْ.
واليومَ؛ لا أفتحُ الجريدَه،
لا أقلِّبُ صفحاتِها،
أخشى أنْ تقفزَ أمامي صوَرُ الطيور المهاجرَة
مكسورٌ جناحُها،
وبموْجِ البحرِ، قد عقدَتْ أذيالَها
وبجناحٍ واحدٍ تدفعُ الريحَ أمامَها،
وبعينين دامعتين تنظرُ خلفَها،
مُشيعةً أعشاشَها وصَفصافَها
وموطِناً كانَ بالأمسِ لها
°°°
اليومَ؛ لا أفتحُ الجريدَه،
لا أقلِّبُ صفحاتِها،
لا استمعُ الى نشراتِ الأخبار،
لا أشاهدُ الشاشات.
أخشى أن أستفيق ذات صباح فأَسمع مذيعَ النشرَه
يعلنُ عن مقتلِ ورده،
أو وأد فِكرَه
أو حرْقِ شجرَه.
أخشى أنْ أستفيقَ ذاتَ صباحٍ فتقفزُ أمامي صورةٌ،
لأفواهٍ مفتوحة للهواءْ،
أو لثاكلٍ جفَّ عودُها منْ كثرةِ البكاءْ.
أخشى أنْ أستفيقَ ذاتَ صباحٍ فتقفزُ أمامي صورةٌ،
لسلطانٍ يجلسُ على عرشه،
ويشير بالبنانِ إلى جندِهِ،
أن اضربوا بالسيفِ رقابَ البؤساءْ.
أخشى أن أستفيقَ ذاتَ صباحٍ
فأرى صورتي تظهر على الشاشَه
ينظر إليها المذيعُ.. ويعلّقُ بفجاجَه:
صورتُها في سَنَةِ الألفيْن وعشرين،
كيف تشيخُ الجميلةُ على غفلَه؟
كيف كَبرُتْ عشرة أعوامٍ في سنَه؟
هلِ العلةُ في جسمِها؟
أم في قلبها؟
أم في عقلها العاجز عن استيعابِ ملامح زمنٍ
فقدَ الناسُ فيه البوصَلَه؟