المرأة والتراث الشعبي العربي بالمجلس الأعلي للثقافة

صبري الموجي/ رئيس التحرير التنفيذى لجريدة ( عالم الثقافة)

في صباحٍ أردني، بحرينيٍ تشادي تونسيٍ جزائري، سعوديٍ سوداني، سوريٍ يمني، عراقيٍ فلسطيني، كويتيٍ لبناني، ليبيٍ مغربي في مصر أمِّ الدنيا، وبمشاركة أكثر من 70 باحثا ومُتخصصا في التراث الشعبي من 16 دولة عربية وإفريقية،  نظَّم المجلس الأعلي للثقافة – بأمانة د. هشام عزمي، ورعاية د. إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، بالتعاون مع جامعة المنصورة برعاية د. خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وإشراف د. أشرف عبد الباسط رئيس الجامعة –  فعالياتِ الدورة الثانية  من الملتقي العربي ” الثقافة الشعبية .. رؤي وتحولات “، والتي حملت عنوان ” المرأة والتراث الشعبي العربي ” وامتدت من 3: 5 مارس، بدأت فعالياتُ الافتتاح بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية بالسلام الوطني لجمهورية مصر العربية – الذي خفف من احتقان الحضور من سلبيات بسيطة كانت أشبه ببقعٍ شوهت نصاعة بياض الحفل، تمثلت في صعوبة الحصول علي أوراق المؤتمر، إضافة إلي تأخر بدء الاحتفال أكثر من نصف الساعة، أضيفت إلي نصف ساعة أخري سبقت الحفل لتسجيل الأسماء – ثم بكلمة د. محمد غنيم مُقرر الملتقي، الذي أكد أن اهتمام جامعة المنصورة بالثقافة الشعبية يمتدُ لسنوات، حيث أقامت كليةُ الآداب بجامعة المنصورة في مايو 1998م مُؤتمرها الأول عن الثقافة الشعبية وكان بعنوان ” الثقافة الشعبية بين الأصالة والحداثة”، وفي أكتوبر من عام 99 أقامت مؤتمرها الثاني بعنوان ” الثقافة الشعبية العربية والتنمية”، بينما حمل مؤتمرُها الثالث – كما أضاف د. غنيم عنوان ” الثقافة الشعبية العربية .. الهوية والمستقبل”، ومثَّل المؤتمر الرابع باكورة التعاون مع المجلس الأعلي للثقافة وكان عنوانه”  الثقافة الشعبية.. رؤي وتحولات” الدورة الأولي، ويأتي التعاون الثاني في هذا الملتقي ويحمل عنوان” المرأة والتراث الشعبي”؛ وذلك لما للمرأة من أهمية فاعلة في الثقافة الشعبية، وأكد غنيم : وتأتي أهمية المؤتمر أنه جاء مواكبا لاهتمام مصر بالمرأة وقضاياها، ومواكبا أيضا للاحتفال بعام المرأة العالمي .

وقال غنيم إن الملتقى تضمن 13 جلسة بحثية لأكثر من 70 باحثا وعالما وأستاذا في الثقافة الشعبية والموروث الثقافي الشعبي من 16 دولة عربية، كما تضمن عددا من الموائد المستديرة.

وفي ختام كلمته ناشد د.غنيم  وزيرة الثقافة، بأن تتبنى مشروعا مستقبليا تحت عنوان “المرأة حافظة التراث وواضعة المستقبل” بالاشتراك مع جامعة المنصورة؛ للاعتراف بدور المرأة في حفظ التراث وتناقله على مرِّ العصور.

فيما حملت كلمة د. إلهام كلَّاب عنوان : نساء في الأمثال الشعبية .. أدوار وصفات، أكدت فيها أن صورة النساء تحتلُ حيزا كبيرا في الأمثال الشعبية التي تُعبر عن الوجدان الاجتماعي، ولفتت د. كلاب إلي أنه إذا كانت صورة الأم تنعم بنوع من التكريم، فإن ملامح الفتاة والابنة والزوجة والحماة تبدو سلبية في صفاتها الأخلاقية، وقدراتها الفكرية وأدوارها التقليدية، كما تبدو مُتعارضة أحيانا فهي غاوية إن كانت جميلة وغادرة إن كانت ذكية ومستهترة إن كانت حرة، ومُتسلطة إن كانت قادرة، وعورة إن كانت شريفة، وتشير هذه التصنيفات إلي موقف صراعي مُضمر يتكرر في كل المجتمعات بين الرجل والمرأة لتكريس سلطة أو تفوق في المجتمع التقليدي، لدرجة انها تكاد تصبح إرثا “فلكلوريا” عند النساء والرجال في المجتمع المعاصر.

وفي كلمته تطلَّع د. رضا سيد أحمد عميد كلية الآداب جامعة المنصورة إلى عمل توأمة مع المجلس الأعلى للثقافة، وأن يقام ملتقى الثقافة الشعبية بشكل سنوى.

وأكد  د. سيد أحمد أن اختيار محور المرأة في التراث الشعبي يُعد خطوة إيجابية لإبراز دور المرأة، فعلى مرِّ العصور لعبت المرأةُ دورا كبيرا في الحياة اليومية، كما هو متوارثٌ منذ عصر المصري القديم، فالمرأة هي حافظة التراث وإحدى أهم وسائل تناقله عبر الأزمنة،  وهي الوعاء الذي حافظ على هذا التراث حتى وصل إلى يومنا هذا.

وتابع: “أتمنى أن يخرج هذا المؤتمر بعدد من التوصيات التي تهدف إلى حفظ التراث والموروث الثقافي المصري والعربي وذلك للحفاظ على هويتنا الثقافية”.

وفي كلمته أشار د. هشام عزمي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، إلي أن التراث الشعبى هو ما يُعبر عن حياة البشرية عبر مراحل تطورها، وهو يشمل كل ما خلَّفه الأجداد ليكون عبرةً من الماضى ونهجًا يستقى منه الأبناءُ الدروس ليعبُروا من الحاضر إلى المستقبل، وهو بهذه الكيفية يمثلُ الرصيد الحضارى الذى يُحدد معالم الثقافة الشعبية التي تُعد بطاقة التعريف الأصلية للشعوب والأمم، واستفسر عزمي مَن في مصر لم يعرف حكايات أبوزيد الهلالى، وعاشق المدَّاحين، والست خضرة، والأراجوز والسقا، وبهيَّة، والحكواتى وع الأصل دور، وغيرها كثير؟

ولفت د. عزمى، أنظار الحضور إلي دور المرأة باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه المجتمع، فهي مُربية الأجيال، وصاحبة الدور الأكبر في بناء المجتمع وتقدمه، حيث شاركت في بناء الحضارات منذ القدم وصنع المستقبل، فالمرأة هي نبراسُ الأمل وصانعة الإنجازات، وشريكة الرجل في صياغة المستقبل.

وعن علاقتها بالتراث الشعبي، أكد عزمي أن المرأة المصرية والعربية لعبت ومازالت تلعب دورًا حيويا ومهمًّا في التراث الشعبي كراوية للحكايات الشعبية، وخاصة ما يُصنف في إطار أجناس الحكاية الشعبية بـ”الحكايات العجيبة”، وهي لا تختصُ بذلك وحده بل تتعدى ذلك إلى الحفاظ على عدد من الخبرات التراثية وفنون القول الشعبي مثل الألغاز والأمثال والأغنيات الشعبية والأدب الشعبي والأساطير

وأضاف د. عزمي أن مصر واحدةٌ من أعرق الحضارات البشرية التي عرفها التاريخ؛ ونظرًا إلى أن هذه الحضارة مدونة، فلقد تم توثيقُ الدور المهم والمحوري الذي لعبته المرأةُ في مجتمعها المصري منذ أقدم العصور،  فهي صاحبة حضور قوي طاغ تُظهره الرسومات الجدارية التي وجدت في المعابد والمقابر المصرية القديمة، وهو ما يظهر في تمثال الفنان العظيم مختار، فعندما أراد أن يعبر عن آماله في أن تنهض مصر من غفوتها لم يجد خيرًا من أن يجسد ذلك في صورة فلاحة مصرية بسيطة ترفع طرف طرحتها عن وجهها بيدها اليسرى بينما تستند بذراعها اليمنى على جسد الأسد القابع إلى جوارها، وعيناهما معا تنظران إلى المستقبل، إلى نهضة مصر، ولعل هذه الفلاحة هي ذاتها الفلاحة المصرية بهية التي تحدث عنها الأدباء والشعراء، كاتمة الأسرار وحاملة الجرة، أم الشهيد وأم البطل كرمز مُعبر عن مصرنا الحبيبة.

وفي كلمة د. محمد الجوهري عالم الاجتماع الكبير والتي كانت بعنوان ” المرأة المصرية حافظة التراث الشعبي ومجددته” وألقتها عنه د. علياء شكري، أكد أن الدراسة المقدمة في هذا الملتقي تنظر إلي المرأة باعتبارها نوعا اجتماعيا ذا سمات ثقافية واجتماعية وجسمانية، ولا نتطرق فيها إلي مناقشتها قدحا أو مدحا، مضيفا  إلي أنها تنظر إلي التراث علي أنه متكامل من العناصر التي تبدعها الجماعة الاجتماعية، وتحافظ عليها من جيل إلي جيل حية ومؤثرة.

وفي إجابته عن سؤال : لماذا المرأة ولماذا التراث؟

أجاب لأن المرأة عدديا هي نصف المجتمع، ولا يكتسب هذا النصف قوته من مجرد العدد بل من قوة التأثير وخطورة الدور الديموجرافي، والاقتصادي والثقافي الذي يلعبه في أي مجتمع، أما التراث بشقيه المادي والروحي، فهو ذخيرة كل مجتمع وثروته ومكمن قوته الحقيقية، لافتا إلي أن قوة المرأة في الواقع هي مصدر إسهامها في صنع التراث وحفظه ونقله إلي الأجيال الجديدة.

وعن محاور علاقة المرأة بالتراث لفت د. الجوهري أنها تشمل خمسة محاور: المعتقدات والمعارف الشعبية، العادات والتقاليد الشعبية، الدب الشعبي، الفنون الشعبية ، الثقافة المادية.

وتضمنت الجلسة الأولي والتي رأسها د. محمد غنيم عدة ورقات بحثية منها ورقة د. عاشور سرقمة من الجزائر بعنوان “صورة المرأة في الموروث الأدبي الشعبي بين الثابت والمتحول”، أكد فيها أنه ترتسم صورة المرأة في الموروث الأدبي الشعبي بمختلف أشكاله التعبيرية بصور مختلفة حسب رؤية المبدع والخلفيات التي ينطلق منها وتوجهاته الاجتماعية والثقافية والدينية، وتختلف هذه الرؤية من شكل تعبيري أدبي إلى آخر، ففي الشعر الشعبي أو الملحون وبخاصةٍ شعر الغزل تتضح لنا تفاصيل مختلفة عن صورة المرأة، ورؤية تكاد تجمع بين الواقعي والخيالي والفلسفي، تتضح فيها بشكل جلي عبقرية الشاعر من ناحية، والمكانة الحقيقية التي تحتلُّها المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية، ليست كجسد أيقوني فحسب، وإنما كروح وعاطفة وإحساس في المجتمعات العربية عامة وبخاصة في المناطق الصحراوية والجنوبية.

بينما حملت ورقة د. نایف البراق عنوان “الأدب الشعبي في المملكة العربیة السعودیة”، مؤكدا أن ثمة جدلا يثيره الولوج في عالم الأدب الشعبي السعودي، إذ يصطدم الوقوف على تمظهرات هذا الأدب وتشكّلاته بعدد من الإشكاليات، يأتي في مقدِّمتها توجُّس الباحثين والمنظَّرين من دراسة هذا الأدب على المستوى الأكاديمي على الرغم من رسوخه في الذاكرة الجمعية بوصفه تراثًا غير مادي يتسم بالديمومة والتنوع، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، وعليه فقد ظل هذا الأدب عصيًا على التجنيس، وعلى الرغم من اهتمام المملكة بهذا الأدب، وهو ما يتجلى في الحضور البارز لعدد من الفنون كالعرضة النجديّة في المناسبات الرسمية، وكذلك الاهتمام الخاص الذي توليه وزارة الثقافة بهذا الأدب من خلال الفعاليات والمسابقات، وعلى الرغم من بعض الجهود المخلصة التي حاولت على استحياء تسليط الضوء على هذا الأدب، فإننا لا نزال بحاجة إلى جهود أكاديمية توثق ما لهذا الأدب من أثرٍ في تشكيل الهوية السعودية، واختتمت الجلسة بعدد من الأسئلة حول المرأة والتراث الشعبي.

جدير بالذكر انه تضمنت فعاليات اليوم الأول جلستين أخريين رأسهما د. أحمد زايد، ود. سميح شعلان ، وتضمنتا العديد من الورقات البحثية التي تتثبت علاقة المرأة بالتراث الشعبي علي المستوي العربي والإفريقي، وعقب انتهاء الجلستين استقل المشاركون حافلة نقلهم لكلية الآداب بجامعة المنصورة لمواصلة فعاليات المؤتمر والتي تتضمن 5 جلسات أخري يعقبها حفل الختام وقراءة التوصيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى