قراءة في قصيدة الشاعر اليمني ” عبدالإله الشميري ” “كنت الوحيدة في دمي “

فائزة القادري | سوريا

غابة مدارية، رواها المطر ..ورواها القمر حكاية ..حياة الشاعر والشعر .

في سيرِِ ومسيرِِ يغامر بدمه ليتخطى الوعورةَ، يطبع الشاعر أثر خطواته على الخريف الذي ترتديه الأرض ثوباََ من ورق أصفر وأحمر وأخضر ..
مزيج الألوان الخرافي هذا سيلوّن القصيدة .
القصيدة ال حواء التي تتستر بالأحرف والأوراق والعطور المعتقة والمشاهدالراحلة المهجورة .
عبدالإله الشميري اسم شاعري رغماََ عن الطبيعة والزمان والأشجار الباسقة والٲغصان الملتفة الملتوية.
في عنوانه ;
” كنت الوحيدةَ في دمي” مقدرة غريبة وإيحاء يتسلل إلى الآخر ليرسم شتى الصور ..
في الصور :
إثبات ، عتاب ،شهادة لذكرى ، عمق ، وله، رحيل بلا ٲسف ٲو ربما مع ٲسف غير معلن .
جملة بل لافتة من عبارة تصف عريض الشعور وامتداده كجذور .

الوحيدة ..الوفاء الذي …..

يبتدئ باسم الفؤاد الصخري في محبته ويرفقه بسيل ..
يستخدم التضاد هنا ..ربما ليقول أنه من الصخر ينبع الماء أحيانا ..لكنه لن يأبه بذلك .
طرح جديد بديع ..
محبة صخرية وضمير يابس وهلال باهت ورحيل ناعم وعزاء مرّ .. بينما في قلب الشاعر الكبير سيل وخضرة وحسرة متنامية .

ويكاد كل بيت أن يكون معجزة، وصوره البيانية الشعرية مذهلة ودقيقة وفي الصميم .ومؤثرة ٲيضاََ
وحسب الشعر أن يكون مؤثراََ
والتأثير على قلب القارئ واضح في الأبيات ..
حيث يحنق القارئ على النكران هذا ويعظم عطاءات الشاعر .

وعند قافية فضّل الشاعر أن يقرأها مفتوحة وأفضّل أن تكون ساكنة حرة فالتاء لا تعطيها المدى الجمالي برأيي .

ثم يستأنف الشاعر حملته الهجومية الشاعرية الندية ..”لاشيء للإهداء أحمله معي ”
لاذكرى جميلة تصاغ هناك في الذاكرة ويتبعها بسبب مقنع تماماََ… إذ كيف تعامل المشاعر وتعاد إلى صاحبها كرصاصة لتغتاله ؟
مشهد مهول …
حرب ..
لكنها حرب يرفقها بحب ..
مقدرة شاعرية ومقصودة .
فالحب الوردة الحمراء التي تستحيل جمراََ في صورة مدهشة .
وهنا في القصيدة يختار الشاعر صوراََ غير مألوفة ..
فكيف يربّي الشاعر لب وألباب الثمار بعقل واع وإحاطة ليُتلَف اللب فيصبح قشرة لاوزن لها ..ترمى كأي قشرة ثمرة ..؟
وفي بيت رائع يربط فيه بين القراءة والتفسير أو بين القراءة الأولى والتهجئة كمحاولات الصغار للقراءة…
فكيف لبياض أن يفسر سمرة ..؟

نجد في القصيدة ترابطاََ عضوياََ معنويََا رغم اختلاف الصور لكن المعاني تتتالى وتنفرط كمسبحة وليّ .
الأبيض والأسمر يمتزجان بل يختلطان بل يتكوران ليخلقا مجرة وأية مجرة ؟
وأين مسكنها ؟
في مقل السراب ..
المقل فضاءات ..
أحسن الشاعر الوصف هنا .
وهذه المجرات محط تعجب وإعجاب وعجائبية للعشاق .
بكل سلاسة يكتب عبدالإله ..كعادته.
لايرهقه المعنى ولا الصياغة ولا معارك الشعر في كل بحوره .
يتابع…
“لو ما قطفتِ الوهم ”
عبارة تحيلنا إلى وجع كبير ..
كيف يُقطف الوهم ؟
كيف لجهد وتعب وحصاد أن يخرج بثمار وهمية ؟
كيف للمراوغة أن تضيّع الدرب إلى زهرة لتقطف الوهم ؟
ياللشاعرية !
ويتابع ..
“كنت الوحيدة في دمي ”
عنوان النص الأجمل ..
ودمي ندى ..صاف ..
يعرِفُ الشاعر نفسه ويصطفيها .
دمٌ يسكر في عطاءاته وجود كؤوسه ..ووجود خليلته خمر.
ثم يستخدم “ضرة ”
كلمة واقعية في بيئة شعرية
استثمرها بجمال جديد ..وأثبت خلوها من الحقيقة .
فالوحيدة في دمه لاضرة معها .
يعزف على الوتر الأكثر حساسية عند حبيبته ، غريمته .

ومن الإشارات الجميلة في القصيدة
ورود اسم أبي العلاء المعري والاستشهاد بانعزاله وصمته وإيمانه بالخواء من حوله.. وقد يثبت من خلال ذلك معرة الآخر ..
معرة ومعرة النعمان مدينة الشاعر المعري …
استثمار لغوي رائع .
فأسماء المدن دلالات وعناوين .
“تخصف نعلها بخطاي ”
“انتعلت رؤى مزورة ”
التزوير في الخطا ..
والنعل في طقس مشحون بالقهر .
كلها تخدم طقس المقصد .

ويتابع الشاعر ..
ٳنه بنى وطناََ من الكلمات ..
هو الشاعر ..لبنات بنائه الكلمات ومدنه المعاني ..وٲوطانه القصائد .
والبناء مهنته الرائعة ..
أما الهدم فهو مهمة الآخر الذي لا تعنيه القصور الجميلة والعمران الساحر ..
يتساءل ..كيف يصحّ هذا ؟
كيف يرتدي فكرة غير صالحة وليست على مقاس سخائه ؟
“سبل …ضيعتها ”
ترابط جميل
والعشرة كلمة حميمية مؤثرة .وهي التي تُجرح ..
وعلى هذه السبل ..حصان يفترض أنه بلا عقل لأن الكبوات لا يرتكبها العاقل .
والمسافة تتخير المهرة ..لا أدري ماذا يعني هنا ؟

ولابد لشعر الشميري أن يحتوي على الحكم التي تحفظ عن ظهر قلب ..
“هي سنة المشتاق ”
المشتاق يخفي التلهف ..
لكنه ينزف شهرة
أيضا صورة بديعة لم أتوصل إلى معناها الحقيقي ..
فالشعر الجميل أن يظل لدى الشاعر معان ومقاصد لا يصلها القارئ .
شهرة ..الشهرة ..مبتغى جميل للجميع وبالأخص الشاعر .

ويتابع الشاعر في البيت الذي يليه :
بقسوة غير مسبوقة ..
يقر رؤية التقزم ..ويقر النسيان ويعتق محبوبته ٳلى حرية للعيش فقط .
خذيها فأية حرية تأتي بعد تخريب وتقزيم ونسيان ؟
وببيت أقسى يقول :
لا تقتفي أثري …
لنوم هادئ …
لا أجر ولا أجرة ..
سيرة عقيمة ..
كثرت قيودك …
خسائري ..
عبرة ..
مفردات ضاربة بإيقاعها القوي على طبول الرحيل والوداع المصر على ظروفه وصروفه .

ينهي الشاعرتجربته الشعرية بنتائج لتجربة عام شائك لم يخلص إلا لهذه النتائج تجعل من الوحيدة خبراََ ل ” كنت “

الشميري يكتب الشعر بدمه ..
حبا وتقريعا وفرحا وحزنا .
ٲقتنع بتجربته الشعرية وٲهنئ اليمن به .
و ستظل تجربته خالدة ووشما على جبين الحياة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى