حكايا من القرايا.. “عاد سالماً غانماً”

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

يمّا يا حنوني عبّيلي الجرّة… عبّيلي الجرّا…

والكويت بعيدي واعطش بالصحرا… واعطش بالصحرا

ها هو عاد… عاد كالسندباد… من رحلة بعيدة، تذكر عندما فاتَحَ والده بالسفر إلى الكويت، بلد الرزق، قلّب والده يديه، لا حيلته ولا سيلته، ولما ألحّ على الوالد وألحّ، اضطر الوالد لبيع الفدّان بتراب المصاري، ورهن (الحبايل الشراقا) لتأمين قرشين للسفر… وسافر الولد يشق الصحاري، مع الدواليل، وكثير منهم من غدر بزبائنه، فقشّطهم وسرقهم ورماهم في صحاري الله…

ها هو عاد، سالماً غانماً… سلّمه الله، ووفّقه في العمل، غاب خمس سنوات… في أول سنة لم تكن تعرف أسرته، أهو في الأرض أم في السماء؟ ذرفت أمه الدموع كل لحظة، وتساءل الوالد في خشوع: يا درى أوصلت بالسلامة يابا يا محمود…؟ الله يرضى عليك… يا رب… وترفع الوالدة يديها، و(حَرْجها) إلى السماء تدعو… وبعد السنة الأولى أتت البشارة مع ابن البلد، وأتت السلامات، ودنانير يفكّ الأب بها رهن الحبايل من آكل الفايظ (المرابي)… وفنّت الأم زغرودة متواصلة عندما أعلمها خالد الخليل بسلامة ابنها، وأهداها سلاماته، ولوالده مبلغاً من المال… ورسالة تقول” سيشتري لوالده الفدّان، وفرساً يركبها”

ها هو عاد… سافر ماشياً على قدميه أياماً وليالي، جائعاً خائفاً يترقب… دخل (الدروازة) تهريباً… ها هو عاد بالطائرة إلى مطار قلنديا، وقدمت له وجبة ساخنة وهو طائر بين الأرض والسماء… عاد بسيارة أقلته من مطار قلنديا إلى قريته… عاد يحمل ثلاث شنط (متروسة) بالملابس والأغراض والهدايا…

ها هو عاد… في السيارةـ تذكر كيف خطب له والده بنت الجيران بتوكيل منه، في السنة الثالثة غربة… وها هو يعود بتوق وشوق، ولهفة، ومئتي دينار مهر العروس… وصل بيت الأهل بعد منتصف الليل، في ليلة شتوية يقص بردها المسمار، واستيقظ الجميع من نومهم، عندما صاح الوالد ببشرى قدومه المفاجىء قبل العناق الطويل، وزغردت الوالدة بعد منتصف الليل البارد قبل العناق والتقبيل، والتمّ الإخوة والأخوات عليه، والكل يلمسه، ويتحسسه، إنه الغالي… الغالي الغائب…

عاد الغالي… غاب وجاب… فتح الشنطة الكبيرة، وناول الوالدة زنّاراً شاميّاً عريضاً، وقطعتي قماش تكفي خياطة أكثر من ثوب، ولوالده قطعة (هيلد صوف إنجليزي) لخياطة (تشبر)، وملابس وهدايا للأخوات الثلاث، وملابس وهدايا للإخوة الثلاثة… وثلاث ساعات (جوفيال)، وأقلام حبر (باركر) ونظّارات (بيرسول)… ما شاء الله كأنه تاجر… وناول والده مبلغاً من المال… وبقيت حقيبة لم تفتح… قال: هذه هدية الخطيبة الغالية… ابتسموا، وقالوا: آه والله بتستاهل… الله يهنيكم……

عاد الغالي، حاملاً محمّلاً، أعاد الفدّان وانتزع الأرض من فم المُرابي، واشترى لوالده فرساً شهباء… وأشهر خطبته على ابنة الجيران… والتمام على خير..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى