أزمة رئيس أم ازمة نظام؟ العدول عن القرارات الترمبية وتطبيقاتها في فلسطين والمنطقة
سعيد مضية | مفكّر سياسي ومترجم | فلسطين
ما كان كيدا ولا تنفيس أحقاد ذاك الذي دفع نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، للاتصال برئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي والطلب منه “تقييد” الرئيس الأميركي، ترمب، وتجريده من “سلطة القيادة النووية” باعتباره “غير متزن” و”شخص شديد الخطورة”. فالنهايات تفضح الرئيس الأميركي عقليا ونفسيا. والمؤلفات كثيرة وكذلك الأبحاث تفشي سلوكا غير سوي للرئيس الأميركي منذ انتخابه. والنهج الذي اوصل الى اقتحام الكونغرس ابتدأ بإهداء القدس الى إسرائيل، تعبيرٌ عن عدم اتزان ورعونة سياسية خرقاء. حقا، تصرفت السياسات الامبريالية على مدى عقود بحق القوة في املاك الشعوب وقضاياها؛ ومثال وعد بلفور وقرارات دول الامبريالية و الكونغرس الأميركي يصدر القرارات المتعلقة بأقطار خارج المسئولية الإدارية والقضائية للولايات المتحدة، كل ذلك مظاهر تطاول على حق تقرير المصير للشعوب الضعيفة. قسمت قارة إفريقيا وفق شهوات النهب الضاري لثروات القارة، بحيث جرى تقسيم القوميات والقبائل بين دول واصلت فيما بينها الحروب البينية وحين نقل ترمب سفارته و اصدر صفقة القرن ووافق على ضم الجولان لدولة اسرائيل فقد انتهك مبادئ الشرعية الدولية ونصوصها ، وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 بشأن عدم شرعية الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. لم تعترض الصحافة الرئيسة في أميركا والعالم على القرار ، فواصل ترمب كرئيس للولايات المتحدة ينتهك القوانين والاتفاقات الدولية ويتحدى قوانين الولايات المتحدة ويتنكر للعلم وللحقائق المسندة بالبينات.
تصريحات ترمب المرتبكة ، من حيث الإطراء والتنديد تفشي حقدا مرضيا في ازدراء النقد وفي محاولاتها تقويض قيمة الوعي التاريخي. يعتبر ترمب الأبحاث التاريخية المتعلقة باضطهاد السود بالولايات المتحدة “دعاية مفرقة معادية لأميركا “، وهو ينكر وجود تمييز عرقي في أميركا. في نظر ترمب ملايين المتظاهرين بالشوارع ردا على عنف الشرطة العنصرية هم ” إرهابيون يساريون”؛ ورحب ترمب بالدعم من الفاشي المجنون كانون، دعا الى اغتيال الليبراليين واليساريين، واتهمهم بصورة سوقية بأكل الأطفال. ودافع ترمب عن المراهق كايلر يتينهاوس، عضو إحدى المجموعات الفاشية، اغتال بسلاحه اثنين من المتظاهرين في شوارع كينوشا هما جوزيف روزنباوم، وانثوني هوبر يوم 25 أغسطس / أب 2020، قتلهما ثم سار بجانب مركز الشرطة لم يعبأ بمساءلة،. ولما حاول مجرم آخر الاعتداء على المتظاهرين فتك به المتظاهرون قبل أن يفتك بهم، فغدا في نظر ترمب مع كايلر ييتينهاوس”أميركيان عظيمان”. حينئذ رأى ترمب عدم اللجوء الى المحاكم ونادي بالقصاص من القتلة حال العثور عليهم. رئيس يحرض على القتل دون محاكمة! بالطبع ما قصد ترمب ديرك تشوفين، الضابط الذي قتل جورج فلويد ولا الضابط الأبيض في ولاية ويسكونسين اطلق سبع طلقات في ظهر شاب أسود يدعى جاكوب بليك امام اطفاله بمدينة كينوشا بولاية ويسكونسين فأقعدته الطلقات مشلولا.
احضر ترم بالى داخل الولايات المتحدة الميزان المقلوب لتصرفات الامبريالية الأميركية على الصعيد الدولي؛ بنهجه أخذ يتوغل في أدغال الفاشية مستنكرا ومشككا ومؤيدا. في الصحافة الأميركية ندر عدد المفكرين الذين نبهوا من خطر الفاشية استظل بطيش ترمب وغروره . ورغم ان السياسات الأميركية شهدت فاشية المكارثية، ورغم انهماكها في الحروب العدوانية وتضخيم نفقاتها العسكرية باضطراد وتعاظم القوة المالية والسياسية والتأثير الثقافي للمجمع الصناعي – العسكري – الأمني، إلا أن الثقافة السياسية بالولايات المتحدة ندر أن بحثت جديا إرهاصات الفاشية ومخاطر تغلغلها في السياسات الأميركية ومجمل الحياة الاجتماعية . قلة من المعلقين والباحثين الأميركيين نبهوا من نزعات الفاشية تستغل المرض النفسي لترمب.
و حسب تعبير المحلل الأميركي رالف نادر، “رصدوا علامات مرض نفسي توظف خطاب العنف للتشجيع على سلوك غي مشروع”، وأعل كرر مرارا “الدستور الأميركي في مادته الثانية يمنحني حق العمل وفق مشيئتي كرئيس”. شجع التطرف داخل تياره، ممعنا في إشاعة الفاشية في الحياة الأميركية. سلم ترمب المقاعد بالمحكمة العليا لثلاثة من المحامين، كلهم ينتمون الى المسيحية الصهيونية، واُطلِق عليهم في أميركا المسيحيون الفاشيون، وفي المحاكم الفيدرالية عين المئات ممن خدموا الشركات الكبرى محامين أتقنوا التسلل بين شعاب القوانين الرأسمالية ، حمّالة الأوجه. أخذ ترمب يشكك سلفا وقبل شهرين من الانتخابات انه لن يقبلها باعتبارها مزورة. لم يجد بين اوساط نخب الكم من يردعه ، بحيث بات لا أحد بمقدوره التنبؤ بما سيعمله هذا الكلب المسعور” حسب صحيفة لوس أنجلوس تايمز . وجد ت كل من منابر فيسبوك وإيستنغر وتويتر نفسها مضطرة لحجب حساباته، وتنهار رئاسته بسبب الاستقالات الجماعيىة لوزراء وكبار المسئولين . اورد الصحفي الأميركي المشهور، بوب وودوارد، في كتابه الأخير “غضب”، ان ترمب كان على دراية تامة بخطورة وباء كوفيد 19 في شهر يناير / كانون ثاني الماضي. مات الآلاف إثر آلاف من الأميركيين بدون مبرر لأن ترمب أمضى أشهر شباط وآذار ونيسان يقول للأميركيين أن الفيروس لا يشكل خطرا قاتلا، ويرفض تقديم إجراءات مناسبة لمكافحة أسوأ وباء يفتك بالبلاد. انقضت ثمانية اشهر وإذا بالولايات المتحدة التي تشكل 5 بالمائة من سكان المعمورة تفقد25 بالمائة من وفيات العالم. كان ترمب مبتهجا لأن تقارير رفعت اليه تقول ان المرض يفتك بأحياء السود والمهاجرين وفقراء البيض.
أبدى ترمب عدم اكتراث نيروني حيال موت جماعي يضرب الأميركيين! كتب المعلق بصحيفة نيويورك تايمز،جاميلي بوييه “عادة في عام انتخابات رئاسية تكون الانتخابات هي القصة الرئيسة للسياسات الأميركية- ترتفع وتنخفض، تعوج وتستقيم. لكن في هذا العام القصة يصعب حملها. حظوظ ترمب شحيحة ويصعب ان يستعيد ما فاته من أصوات. يبدو ترمب وكأنه لا يخوض معركة إعادة انتخاب، او على الأقل لا يخوضها كالمعتاد”.لغز تكشف في مساء الأربعاء (6كانون ثاني 2001)؛ لدى المسيحيين الفاشيين حوالي ثلاثمائة ميليشيا مسلحة، كلهم لا يسألون إذا أمروا. والليبراليون في الحزب الديمقراطي يحملون أفكارا هم غير مستعدين للدفاع عنها؛ وفي تجارب الحركات الفاشية التي ساهم أصحاب الرساميل بالولايات المتحدة في تمويلها و إنجاحها كان الليبراليون ينتصرون للفاشية ويقنّعون مساعيها المبكرة بأهداف أخلاقية ريثما توطد مواقعها.
يعرف عن المدعي العام، بار، أنه اتهم حركة “حياة السود تهم” بالعنف والفاشية؛ وهوعلى استعداد لإلصاق تهمة” الفتنة” ، وتعني التآمر للإطاحة بالحكومة أو فرض الحرب على البلاد.
نوعام تشومسكي لا يرى إيديولوجيا لترمب، فهو ” اخطر إجرامي في تاريخ الجنس البشري”. هتلر هو المرشح لتلك الصفة؛ غيرأن هتلر لم يتعمد تدمير احتمالات الحياة البشرية المنظمة على وجه البسيطة في مستقبل غير بعيد( مع ملايين الأنواع الأخرى). ترمب عازم بكل حماس، وكل من يعتقد أنه لا يدري ما يقوم به لا يدققون النظر. نحن حيال رئيس بلغ به الجنون مدى أن يحظرعلى الوكالات الفيدرالية استخدام عبارة “تبدل المناخ”، يمزق ويجهض كل ترتيبات بيئية يصل اليها ويطلق على الطاقة المتجددة صفة ‘غيرأميركي’. ترمب يستهدف البشرية ذاتها في نهاية المطاف. هذا المهندس الفاشي يحاول حرفيا مسح الأنواع. واذا لم يستطع أن يقتلنا بالوباء ودمار البيئة؛ فلربما يلجأ الى الحرب النووية، التي اهتم بها ترمب خلال السنوات ألثلاث لأخيرة. وعندما أبلغ ترمب المسئولين في كاليفورنيا ان ‘ المناخ سوف يبرد سريعا، مجرد راقبوا’، فقد توجه ذهنيا الى الشتاء النووي وإلى تصريح ادلى به مؤخرا ان إدارته والبنتاغون قد طورا أسلحة نووية رهيبة يمكن ان تفجرعقولنا لوعلمنا بها. تلك هي اللغة التي ترسي نهاية لسباق التسلح النووي.هل ننتظر؟”
الرأسمالية الأميركية دعمت ترمب في جميع تجاوزاته؛ بل ان اختيار ترمب استند الى خصاله الذهنية والأخلاقية والسياسية. فهو على قدر من غلاظة الطبع والفجور المتنكر للقيم الأخلاقية ولمعطيات العلوم والمتعامي عن الرأي الآخر وحق الأخر في التعبير . لم يقبل من القيادة الفلسطينية رفض التخلي عن القدس ورفض صفقة القرن؛ فرض عقوبات عليها وهدد بمنع الدول الأخرى تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية. وحسنا أصرت القيادة الفلسطينية على موقفها الرافض ، ورفضت حتى التحادث هاتفيا معه، وأتبعتها إيران بخطوة أشد جرأة حين ردت على اغتيال رجلها ، قاسم سليماني، بضرب قاعدتها العسكرية بصواريخ. هي اول مرة بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فييتنام تلقى الولايات المتحدة ردا انتقاميا.
امبريالية شرسة تفرض لنفسها وللدول الملحقة بها امتياز الاستثنائية تعفيها من مسئوليات التمرد على الشرعية الدولية وشن الحروب حسب المزاج وافتعال مبرراتها، ثم تتسيد على الدول الأجنبية تفرض عليها مجاراتها في معاقبة دول لا ترضى الدبلوماسية الاميركية عن نهجها وتفرض الحصار عليها. امبريالية شرسة تحتاج الى شراسة ترمب وفجاجته وتنكره للمسلمات. سكتت الصحافة الرئيسة بالولايات المتحدة وكل عالم الرأسمال عن التعصب العرقي وثقافة الكراهية .
ثم اوغل ترمب في شراسته واتضح انه، في الداخل، يعد لانقلاب فاشي وفرض الحكم الشمولي، وفي الخارج يعزل الولايات المتحدة عن بقية العالم ويقف وحيدا مع دولة إسرائيل أثناء التصويت بالأمم المتحدة، واخرج بلاده من اليونيسكو ومن مجلس حقوق الإنسان ومن معاهدة باريس للمناخ ومن اتفاق مع ايران وخاصم منظمة الصحة العالمية بأسباب لم يقتنع بها أحد.. إن رئيسا من هذا القبيل بات كلبا عقورا لا يؤمن له؛ لذلك تنكرت له الدولة العميقة في الانتخابات، بعد ان كان واثقا من دعمها له. تحدى ترمب وتوهم ان بمقدوره تحدي الانتخابات ولا شك أن مستشاريه وكبيرهم زينوا له التمرد. وصل نتنياهو خط النهاية في رحلة التمرد على القوانين وعلى الحقيقة. كان خطابة الموجه الى انصاره المتظاهرين بالتوجه الى مبنى الكونغرس واقتحامه دعوة للإطاحة بالنظام الليبرالي، واستبداله بفاشية الليبرالية الجديدة لتعم الفاشية في بقاع المعمورة.
يدفع ترمب الفرق شبه العسكرية التابعة للمسيحيين الفاشيين ،” فرقةالعمليات” وكذلك وحدات الجيش والشرطة لسحق أي معارضة . ضباط الشرطة البيض، ومعظمهم من مشاهدي برامج فوكس نيوز ومعجبون بخطابات ترمب وتعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي المكشوفة بعنصريتها ، صرح ترمب:سوف نقمعهم بسرعة إن شئنا؛ ولنا الحق في ذلك. لدينا القوة للقيام بذلك. حتى نواب الكونغرس الجمهوريون حملوا خطاب ترمب الذي ألقاه قبيل اجتياح مبنى الكونغرس مسئولية ما جرى وطالبوه بانتقاد نفسه .
وشان كل الفاشيين ينقلب الى جبان متلعثم حين تنفض عزوته عنه وتفشل مخططاته، انقلب ترمب 180 درجة وأقر بنتيجة الانتخابات ووعد بتسهيل نقل السلطة
وعلى شاكلة ترمب مضى نتنياهو يتحدى الجماهير اليهودية؛ وقبل توجيه التهم ضده رسميا نادى بالتظاهر ضد المحاكم الإسرائيلية بمسوغ أنها تعيق عمل الكنيست. وشهد العالم نتنياهو حليفا لترمب، يحرص على التقاط الصور معه لترويج نفسه داخل المجتمع الإسرائيلي, استعار ترمب هيبة الولايات المتحدة لسوق الدول المتذيلة للولايات المتحدة كي تتبع إسرائيل نتنياهو وتغدو مناطق نفوذ سياسي واقتصادية وثقافي لإسرائيل وتكئة يصعد عليها حكام إسرائيل لفرض إسرائيل دولة إقليمية تفرض توجهاتها على دول الجوار. بلغت الثقة بالذات لدى نتنياهو ، وهو يستظل بحليفه ترمب، ان سعى لاختراق المجتمع الفلسطيني خلف الخط الأخضر. نتنياهو، المستظل بدعم ترمب المطلق، اشتط في فرض نظام أبارتهايد ضد الفلسطينيين ، ولم يوفرهم من القمع البوليسي، وأراضيهم من المصادرة والتحريض ضدهم بدعاياته العنصرية ويطلق عصابات المستوطنين ترهب وتقتل وتدمر. ترمب ونتنياهو شريكان في العنصرية وثقافة الكراهية وفي نزعة السيطرة المطلقة على الحكم.
العالم كله شهد الاندماج العضوي بين نهج ترمب ونهج نتنياهو في فلسطين. والدعوات الصادرة لعزل ترمب فورا او الحجرعليه تنديدا بسياساته المتبعة إنما يتوجب ان تنبه من خطورة حليفه نتنياهو. التنديد بقرارات ترمب غير المتزنة وشديدة الخطورة في منطقة الشرق الاوسط إنهاء الحياة السياسية لنتنياهو، والتراجع عن التوسع الاستيطاني بأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة. ينوي الرئيس القادم تجميد صفقة القرن والمطلوب إنهاء الاحتلال ونظام الأبارتهايد الملازم له.
الظرف مناسب لممارسة الضغوط على الصعيد الدولي ومن خلال تصعيد المقاومة الشعبية ضد الاستيطان ونهج العنصرية الذي مضى عليه نتنياهو وحكومته. يجب الخلاص من حكم الأبارتهيد الإسرائيلي. ألا يكفي 35 عاما من الأحكام العرفية وحرمان الشهب الفلسطيني من الحياة المدنية؟! .