قاعدة التكليف بالوسع “أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصا آخر”
د. حنا عيسى| فلسطين
الإسلام لا يكلف الإنسان بما لا يطيق ، وذلك بعض ما يشير إليه قول الله تعالى : (لا يُكلّفُ اللهُ نفساً إلا وسعها). {سورة البقرة : 286}. ففي ذلك توجيه إلى مراعاة قدرات الفرد واستعداداته عند اختياره للعمل ، وبذلك تصبح عملية الاختيار “أمانة ” في عنق المسئول.
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قلت: يا رسول الله ، ألا تستعملني ؟ [أي توليني عملاً عاماً]. قال : فضرب على منكبي ثم قال صلى الله عليه وسلم : “يا أبا ذر ، إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا مَن أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها “. رواه أحمد.
وعنه أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : “إذا ضُيّعت الأمانة فانتظر الساعة. قيل : يا رسول الله ، وما إضاعتها ؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة “. رواه البخاري).
شعار الشخص المناسب في المكان المناسب لم يأخذ طريقة للتنفيذ إلا بصورة نسبية رغم مناداة الجميع به والإجماع عليه من كافة القوى السياسية الحية في الساحة السياسية مثلاً يتحقق هذا الشعار عملياً في حساب الربح والخسارة في المشروع بحيث أن وجود الشخص غير المناسب لا يمكن أن يستمر ولو في مشروع خاص وصغير .
فالشخص المناسب في المكان المناسب مقولة من اهم مقولات النجاح في تاريخ البشرية ، وهي المقولة التي باتت اشبه بالحكمة القائلة “التناسب يحدد حجم التعامل ” “والتناسب لا يحدد حجم التعامل فحسب بل ويحدد الشخصية التي تجسد شخوصة المكان نفسه “. فالأعمال تتباين من حيث السهولة والتعقيد ، كذلك يختلف الأشخاص فيما بينهم من ناحية المؤهلات والقوى العقلية والبدنية و كيفية أو أسلوب الأداء ، حيث إن الأعمال متفاوتة فيما تحتاج إليه من قدرات وإمكانيات ومواهب ، وتتطلب عملية أداء الأعمال والوظائف بالشكل المنطقي والمناسب والعملي أن يكون المؤدي لها يملك القدرة التي تناسبها وتلاؤمها ، إضافة إلى امتلاكه مهارة التأثير بالآخرين من أجل تحقيق أهداف منظمته.
وعدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب يؤدي إلى فقدان أصحاب الموهبة والكفاءة ، والتبذير في الوقت والمال ، وإهدار في الإمكانيات والخبرات ، وسوء استغلال الطاقات ، وفقدان القدرة التنافسية للمنظمة و انخفاض الإنتاجية. أما حالة المحاباة والعلاقات الشخصية التي تتسبب في اختيار بعض الأشخاص ليشغلوا مسؤوليات أكبر من قدراتهم فقد سادت الكثير من مواقع العمل ، هي حالة تحطيم بطيء وتبديد لثروات وضياع لكفاءات كثيرة يمكن أن تكون سببا ً في التقدم والتطور خلال مدة أقصر بكثير من سنوات تضييع الإمكانيات بواسطة الأشخاص غير المناسبين في الأمكنة غير المناسبة .
إن تقدم المجتمعات وتطورها رهينة بالاختيار السليم لكوادرها وقياداتها وخاصة في القطاعات الاقتصادية الإنتاجية القادرين على الابتكار والإبداع وتطوير العمل بشكل مستمر مستفيدين من التطورات العلمية والتقنيات الحديثة التي تقدم الجديد كل لحظة والتي أصبحت في متناول الجميع بفضل التقدم التكنولوجي ، فاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب هو الطريق الصحيح والوسيلة الناجعة لتقدم وتطور علومنا واقتصادنا ومجتمعاتنا لنتمكن من منافسة البلدان المتقدمة والركب في قارب الحضارة التي ننشدها جميعا.