آخر الحكومات من صائب سلام إلى سعد الحريري؟
توفيق شومان | مفكر سياسي لبناني
كان ثمة تسوية سياسية، انعقدت روابطها بين الرئيسين سليمان فرنجية وصائب سلام في عام 1970، قبيل وبعيد إسقاط المرشح الشهابي الياس سركيس في الإنتخابات الرئاسية التي جرت آنذاك .
تلك التسوية قيل فيها ما قيل بتسوية العام 2016 بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ، يبقى الثاني رئيسا للحكومة ما فتىء الأول رئيسا للجمهورية .
ومثلما عاد صائب سلام بعد سنتين من التسوية ـ الصفقة إلى رئاسة الحكومة إثر الإنتخابات النيابية في عام 1972 ، عاد سعد الحريري بعد سنتين من التسوية ذاتها إلى الرئاسة عينها بعد الإنتخابات النيابية في عام 2018.
وكما تعقدت العلاقة بين فرنجية وسلام في السنة الثالثة من التسوية الرئاسية فاستقال صائب سلام من رئاسة الحكومة من غير رضا الرئيس فرنجية جراء اغتيال فرقة كوماندوس اسرائيلية لثلاثة قياديين من المقاومة الفلسطينية ( كمال ناصر ـ ابو يوسف النجار ـ كمال عدوان) في العاصمة اللبنانية بيروت في العاشر من نيسان / ابريل 1973 ، وما رافق ذلك من اشتعال الشارع اللبناني ، فإن العلاقة بين عون والحريري تعقدت هي الأخرى في السنة الثالثة من التسوية الثنائية ، فاستقال الحريري من رئاسة الحكومة على غير رغبة ورضا من الرئيس عون، تحت وطأة اشتعال الشارع والقضايا المطلبية في السابع عشر من تشرين الأول / اكتوبر 2019 .
كان الرئيس صائب سلام ـ كما يقال ويُروى ـ يعاني من الدور المتوسع الذي يؤديه نجل الرئيس سليمان فرنجية المرحوم طوني فرنجية ، ويقال (على ذمة الراوة ) إن الرئيس سعد الحريري يعاني من الدور المتضخم للوزير جبران باسيل .
كان صائب سلام يعاني ـ كما يقال ويُروى ـ من فائض قوة الرئيس سليمان فرنجية ، ويقال ويُروى إن الرئيس سعد الحريري يعاني من فائض قوة الرئيس ميشال عون .
انتظر الرئيس صائب سلام احتدام الشارع واشتعاله للخروج من رئاسة الحكومة، ومن دون “علم وخبر” يقدمه للرئيس فرنجية، ومثله فعل الرئيس سعد الحريري، فقد انتظر “خروج الشارع إلى الشارع” في تشرين الأول / اكتوبر 2019 ليخرج من الحكومة .
ما أشبه اليوم بالبارحة
ما أصعب التاريخ حين تعود عجلاته إلى الوراء .
يروي قطب الصحافة اللبنانية سليم اللوزي في عدد مجلة “الحوادث” الصادر بتاريخ 20ـ 4ـ 1973، أن الرئيس سليمان فرنجية سعى إلى ثني الرئيس صائب سلام عن استقالته ، فعمل على توسيط الوسطاء والأصدقاء ، ومن ضمنهم الرئيس كميل شمعون والوزراء كاظم الخليل وخليل أبو حمد وآخرون، وتجاوزت مساعي فرنجية حدود لبنان إلى أرض العرب عبر توسيط ممثل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حسن صبري الخولي، فكانت الحصيلة قبضة من ريح ويأس وفشل ، ولما عيل صبر الوسطاء قيل لصائب سلام: ليكن الرئيس المقبل للحكومة رجلا تسميه و تزكيه ، فقال: نديم دمشقية أو صائب جارودي .
لم يأت إلى رئاسة الحكومة لا دمشقية ولا جارودي .
خشي دمشقية و جارودي ثقل تلك المرحلة وخافا خطورة إدارة الحُكم وكيفية ابتداع واجتراح علاقة دقيقة بين اللبنانيين المختلفين على العمل الفدائي الفلسطيني .
جاء أمين الحافظ
سقط بعد أقل من ثلاثة أشهر
جاء تقي الدين الصلح بعد أمين الحافظ ، ثم رشيد الصلح، ثم نور الدين الرفاعي، أي خمس حكومات في سنتين انتهت بأن شرعت الحرب فوهاتها وفتحت شراستها على لبنان في نيسان / ابريل 1975.
حاولوا تغيير الأسماء وحافظوا على آليات الأداء
جربوا وجها وراء وجه وإسما وراء إسم
لم تأت التجارب أكلها فأكلتهم الحرب .
يقال إن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن في لبنان يعيدها ويكررها على شكل مأساة مثل مسرحيات بلاد الإغريق القديمة .
بعد استقالة الرئيس سعد الحريري في السابع عشر من تشرين الأول / اكتوبر 2019، تم استعراض أسماء عدة لتولي منصب رئاسة الحكومة ، من سمير الخطيب إلى بهيج طبارة ومن محمد الصفدي إلى أعضاء في “نادي رؤساء الحكومة السابقين” ، ومن وليد علم الدين إلى عصام بكداشي ونواف سلام وفؤاد مخزومي وجواد عدرا وغيرهم، وقيل لسعد الحريري إن أبواب السرايا الحكومية مفتوحة له كما قيل سابقا لصائب سلام ، إلى أن استقرت الأحوال على حسان دياب ، فكان أشبه بأمين الحافظ ، من حيث كونه جاء إلى رئاسة الحكومة من خارج المؤسسة التقليدية ، وحين سقطت حكومته جراء عدم نيلها ثقة مجلس النواب ، خرج على الملأ وقال :
ـ هزموني … ولكني خسرت بشرف .
شيء من هذا القبيل قاله حسان دياب إثر تقديمه استقالة حكومته في العاشر من آب / اغسطس 2020 حين قال إن ” منظومة الفساد أكبر من الدولة “، موازيا بذلك بين الإستقالة والهزيمة .
سبق القول إنه قيل للرئيس صائب سلام : ليكن الرئيس المقبل للحكومة رجلا تسميه و تزكيه، فأجاب ليكن : نديم دمشقية أو صائب جارودي، وحين قيل للرئيس سعد الحريري: ليكن الرئيس المقبل للحكومة رجلا تسميه و تزكيه ، قال مصطفى أديب ، وكما كان الحصاد المر رفيقا لنديم دمشقية و صائب جارودي ، كان الحصاد نفسه من نصيب مصطفى أديب.
في الثالث عشر من نيسان / ابريل 1973 ، نقلت صحيفة ” المحرر ” اللبنانية عن أوساط سياسية بيروتية مقربة من الرئيس صائب سلام قولها : ” إن الرئيس صائب سلام لو عاد عن استقالته سيخسر شارعه ” ، ولما استقال الرئيس سعد الحريري في خريف 2019 قيل : لوعاد الحريري إلى رئاسة الحكومة سيخسر شارعه .
الرئيس صائب سلام لم يعد إلى رئاسة الحكومة
الرئيس سعد الحريري سعى إلى العودة ك “مرشح طبيعي”، فقبض على التكليف، وبات من المستحيل تنحيته دستوريا ومن المستحيل تكليف شخصية بديلة عنه ، ومن المستحيل تعويم الحكومة المستقيلة .
وإذ يبدو من الصعب أن تُفتح ” أسوار عكا ” أمام الحريري ليدخل مجددا إلى السرايا الحكومية بعد الذي قاله الوزير السابق جبران باسيل وبعد تسريب الشريط المصور ل” الحديث التاريخي ” بين الرئيسين ميشال عون وحسان دياب ، إلا أن ذلك يعني: إما حكومة بشروط الرئيس الحريري وإما حكومة بشروط ” التيار الوطني الحر “، وهذا يعني بالإجمال : لا حكومة .
هل استعصاء التشكيل يكمن في الشروط والشروط المضادة ، أي في طريقة التشكيل ؟
هذا السؤال كان أجاب عليه سليم اللوزي فكتب في مجلة ” الحوادث ” قائلا : “بيت القصيد ليس في من سيُكلف بتأليف الحكومة المقبلة ، بل في الطريقة التي ستعتمدها الحكومة المقبلة في مواجهة الأزمة “.
هنا بيت القصيد: إذا توافقوا على طريقة تشكيل الحكومة المقبلة (على سبيل الإفتراض والتخيل) ما طريقة مواجهة الأزمة؟ الإنهيار العام؟ الإفلاس؟ فلتان الأمن؟ الإنحلال الذي ضرب الدولة؟ الجوع الذي يقف على الأبواب ؟.
وزير الخارجية الفرنسية قالها مرتين : في الأولى: لبنان مهدد بالزوال، وفي الثانية: لبنان يغرق مثل سفينة ” تيتانيك”.
لبنان يغرق؟ ما طريقة إنقاذه؟ يأتي الجواب من أهل السياسة : ما زلنا نبحث عن طريقة لتشكيل الحكومة .
في عام 1973 ظلوا يبحثون طوال سنتين عن طريقة لتشكيل الحكومة حتى انهار كل شيء ووقعت الحرب في عام 1975 وغدا لبنان أرض الجنازات .
الآن كل شي منهار … ماذا بعد انهيار كل شيء؟
الله أعلم .