مراجعة نقدية لرواية “حازم يعود هذا المساء” لنبيل عودة
رائد الحواري | أديب وناقد فلسطيني
يعدينا “نبيل عودة” في روايته “حازم يعود هذا المساء” إلى المأساة الفلسطينية’ فهو لا يقدم مأساة جمعية، بل يختزلها بمأساة “حازم وأمينة” العاشقين اللذان فرقتهما حرب 48، فهجروا يافا فضاعا وضاع حبيهما، وبعد سنين يأتي حازم إلى الناصرة، الذي بقى دون زواج، محافظا على حبه لأمينة، يشاهده صديقه “نبيل” فتتدفق مشاعر الحب والصداقة التي كانت بينهما، لكن يفاجأ “نبيل” بعادية” حازم الذي لا يعطه اهتمام كما كان متوقعا من صديق حميم ربطتهما سنوات طوال، وهنا يأخذ “نبيل” في التفكير بما آل إليه “حازم، ومفكرا لماذا يبدي هذا البرود تجاهه، إلى أن يقرر التقدم منه ومخاطبه، يتم كسر حاجز بينهما ويبدأ “حازم في الحديث عن حبه “لأمينة”، التي رفضت كل من تقدم لها، وعندما يحاول أبوها اجبارها على الزواج تقوم بحرق نفسها، لكن يتم انقاذها، حيث كانت تكون أصابتها خفيفة، يعود نبيل وحازم إلى الرملة ليبحثنا عن أمينة، يجدانها لكنها تتوفى بعد أسبوعين، ليعود حازم إلى المربع الأول دون حبه وحبيبته.
رغم أن الحدث قد يبدو عادي، لكن ما يميز ليس الحدث بقدر المشاعر التي تتدفق أولا من “نبيل” تجاه “حازم” وثم مشاعر “حازم” تجاه “أمينة”، نبيل يميل إلى حازم بشكل لافت، وحازم يميل إلى “أمينة” بطريقة غير عادية، تتح نبيل الحدث في الرواية مبدي اندهاشه وسعادته بمشاهده “حازم”:
“…يتركني مذهولا أمام حقيقة ظهوره. يتناثر المنطق ويفر مهزوما أمام تجليه الذي لا شك فيه. أواصل وقوفي مرتعشا ومتفرسا به.. بوجهه .. بقامته .. بحركاته..به كله” ويستمر “نبيل” في هذا المونولوج اكثر من ربع الرواية، وبعدها يبدأ الحوار بينه وبين “حازم” ويبدأ حازم في الحديث لنبيل عن مشاعره تجاه “أمينة” لكنه حيث أقرب إلى المونولوج، بدا نبيل كأنه غير موجود، أوأن وجوده كطيف وليس، لأن ما أبداه “حازم” من مشاعر تجاه “أمينة، تتماثلا بعاطفتها مع مشاعر نبيل تجاهه: “اتخيل جسدها البض النحاسي بين ذراعي والامواج تلطمنا .. تبرد حرارة اجسادنا . وصدرها مستكين فوق صدري . شعرها متناثر على وجهي .. تنعفه الريح رغم رطوبته فاخطف قبلة من شفتيها . اكاد اشعر بطعم قبلتها الان .. بحرارة عناقها . انا في كامل وعيي” إذن هناك تماثل وتشابه في مشاعرهما، لكن ليس مشكل متبادل، بين مشكل انتقالي، نبيل تجاه حازم وحازم تجاه امينة، وحازم ينظر إلى الوطن، إلى الحب بطريقة غير التي ينظر إليها نبيل، فحازم عائد إلى الوطن بعد غياب، ونبيل مقيم، فهناك ثلاثة أسئلة يطرحها نبيل في الرواية:
“ألا يكتمل الحب الا بوطن ؟!
وما هي علاقة الانثى بالوطن ؟!
ولماذا لا افهم الحب كما يفهمه حازم ؟!”
وهي تبين علاقة الغائب بالوطن وكيف ينظر إليه، وكان يمكن “لنبيل” أن يجيب هو نفسه عليها لو فكر بالطريقة التي تلقى فيها مشاهدة “حازم” ألم يكن بهذا الارتباك والاندفاع والتوتر:
“منذ متى لم أراه ؟!
منذ متى لم تجمعنا جلساتنا الممتدة حتى آخر الليل ؟!” واعتقد أن الغاية من الأسئلة الدعوة للقارئ ليتوقف عندها متأملا فيما آلت إليه أحول الفلسطيني، وكل من ترك وطنه مكرها وغصبا، إذن يمكننا القول ان الرواية رواية مشاعر إنسانية أكثر منها رواية أحداث، فالأحداث رغم أن حاضرة في الرواية إلا أهميتها تكمن في الأثر الذي تركته على “حازم وأمينة ونبيل، واللافت أن سارد الرواية يسمي نفسه بنفس أسم الكاتب: “ولكن حازم صديقي .. ودوافع ملعونة تصر على ابقاء الموضوع حيا في ذهني .. وتفقدني هدوء نفسي . حاولت التناسي فتوهجت حكاية حازم وأمينة في فكري . عبثا أحاول تناسي الموضوع . لكنه كان يحتل علي كل مسارب تفكيري . قلت لنفسي مهونا الامر : ” لعلها الطبيعة الحشرية للكاتب .. لا يستطيع ان يبقي حكاية بلا اكتمال وخبرا بلا تفصيل ورؤية بلا تأويل “. وهذا يأخذنا إلى معاني الأسماء في الرواية، ف”حازم” دائما كان يردد أن “أمينة ما زالت أمينة على حبنا” فهي أمينة حبها وعلى حبيبها، أما “حازم” فيعني الاصرار والحزم وقت الشدة، وفعلا كانت أرادة حازم هي التي قادته نحو “أميمة” بعد غياب، أما “نبيل” في الشخص الذي ما زال يحمل مشاعر الصداقة والود، وهنا تكون أسماء الشخصيات في الرواية لها مدول ومعنى يشير إلى أفكارأراد تقديمها السارد، وإذا تقمنا من المكان نجد التركيز على ثلاث مدن، الناصر، يافا، الرملة والتي ذكرها السارد من خلال “جيتو العربي” وهو المكان الذي عاشت فيه “أمينة”، وإذا ما ربطنا “الجيتو العربي في الرملة بحالة أمينة نجد التطابق والتشابه بينهما، وهذا أيضا خدم فكرة العزلة والحصار التي تعيشها “أمينة” في الرملة، أم الناصرة، مدينة نبيل فهي مدينة طبيعية، بينما “يافا” كانت تمثل الحب جازم الغائب، والوطن السليب: “بالطبع … وهل أنسى أمينه؟! عدت للناصرة لأخبر الأهل اني وصلت لمرامي، وسأعود لحبيبة يافا.. سأعود لحينا المهدوم وابنيه.. اعليه. اعيد يافا عروسا. أمسح دموعها المتجلدة. اقبلها. اراقصها. أحضنها في ليلة زفافي” وبهذا تكون المدن الثلاثة تتماثل مع حالة الشخصيات” حازم ويافا، نبيل والناصرة، أمينة والرملة.