في يوم المسرح العربي ودراما حياتنا
تحسين يقين | فلسطين
Ytahseen2001@yahoo.com
“وما المسرح إلا سؤال كبير مطروح على منصات حياتنا”!
تعبّر فعلا عبارة الكاتب إسماعيل عبد الله، من رسالة اليوم العربي للمسرح، عن الدور الحيوي الجمالي والنقدي للمسرح؛ فإن أغلقت أبواب المسارح مؤقتا، فلن تغلق نفوس مبدعيه، الذين واللواتي يكتنزون في فضاءاتهم أفكار ونصوصا مسرحية، ستكون دفعة جديدة للمسرح في العالم كله، نعم كما قال سعد الله ونوس: نحن مسكونون بالأمل في رسالته في يوم المسرح العالمي يوما، وكما قال درويش: نربي الأمل.
ما بين كانون الثاني وآذار، شباط، ودلات توطين الثقافة العربية، وعلى رأسها المسرح أبو الفنون بامتياز.
كان يمكن أن نكون هناك، نطل على المحيط الكبير، ونرنو لنهر ابي الرقراق الجميل، من الوذاية بمدينة الرباط. وكان يمكن ونحن في الطريق إلى المغرب، آخر الدنيا القديمة، أن نتذكر الدراما العربية الكبرى، للراحلين من الأندلس، أو المهجرين، وكان يمكن تأمل هذا التلاقي المغربي والأندلسي بما فيه من مشرق ومغرب؛ فللأماكن أزمانها وعبرها أيضا ودراما الحياة المتحولة.
هكذا سلمنا مهرجان المسرح العربي في عمان قبل عام، إلى الرباط، فكاد الأمل يتحقق، لولا جائحة الكورونا، التي إن صابت العالم في مجالات الحياة، فإنها أصابت المسرح إصابة قوية، أكان في قاعات المسرح، أو حتى في الفضاء العام، في مسرح الشارع.
ورغم ذلك، ظل مسرحيون في العالم، وفي بلادنا العربية، وفي فلسطين، يبدعون، فرصدنا وكتبنا عن بعض هذه الأعمال الإبداعية، فكانت تعيد لنا الروح، وإن كانت تتم بالتباعد في الجلوس والمشاهدة.
كان يبدأ مهرجان المسرح العربي في يوم المسرح العربي، العربي الجميل والمتنور، العربي العروبي والإنساني، العربي الآسيوي والأفريقي، فما إن نجتمع، نذوب مشارقة ومغاربة، نصيرا واحدا جميلا ومتعددا فكرا ولهجات. يلتقي الأساتذة بالتلاميذ، من مراحل عمرية متنوعة، وخبرات متعددة، فكل بما اكتسب من تجارب وفكر، وهنا يصير المهرجان مختبرا حقيقيا للفن المسرحي، ويصير معهدا متقدما، بندواته النوعية، ومنشوراته المميزة، والمجلة المتخصصة بالمسرح، حيث يقوده بمهنية عالية كوكبة من المسرحيين العرب، من الهيئة العربية للمسرح، برعاية كريمة من الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، فترى الفنان الإماراتي إسماعيل عبد الله يعانق الفنان الفلسطيني-الأردني غنام غنام، والفنان حسن النفالي والفنان عبد الجبار خمران من المغرب الشقيق، والمفكر الدكتور يوسف عايدابي من السودان، والإعلامي الجاد حسن التميمي من الإمارات العربية المتحدة، والزميلتين الشقيقتين ريما وأمل الغصين من فلسطين.
من الشارقة المشرقة المطلة على الخليج والثقافة، إلى الرباط المطل على المحيط، ولا أنسى نهر ابي الرقراق، على أمل أن نلتقي معا هناك، فنانين ومثقفين عربا، تجمعنا الثقافة، ولا تفرقنا السياسة، كي تكون فعلا الثقافة العامل الأقوى في الوحدة العربية المنشودة.
كان ذلك في عام 2008، حين انطلقت مسرة أول هيئة عربية دائمة للمسرح العربي من الشارقة، لما فهمه المؤسسون بكل نبل، بإن طرق التلاقي العربي لأجل الارتقاء كثيرة.
نشطت الهيئة العربية للمسرح بسرعة قياسية، في مجال المسرح بشكل عام والمسرح المدرسي، فكان المهرجان تتويجا لنشاطات العام، وتشجيعا لعام غني قادم، وقد شجعت الحراك المسرحي في عدد من بلادنا العربية، وصولا لموريتانيا، التي تم تشجيعها بشكل أساسي في مجال المسرح الصحراوي.
العاشر من كانون الثاني والسابع والعشرون من آذار، يومان نحبهما، يحضر فيهما فن المسرح، احتفال شتوي، وربيعي، واحتفال دائم، بما يؤسسان له من إنتاج إبداعات مسرحية عربية وعالمية.
كانت بداية فكرة الاحتفال باليوم العالمي للمسرح في السابع والعشرين من آذار عام 1961 أثناء المؤتمر العالمي التاسع للمعهد الدولي للمسرح بمدينة “فيينا” في عام 1961 وذلك باقتراح من رئيس المعهد آنذاك، حيث كلف “المركز الفنلندي” التابع للمعهد في العام الذي تلاه 1962 بتحديد يوما عالمياً للمسرح يوم 27 مارس من كل عام. وهو يوم يحتفل به العالم، حيث تقام جملة من الأنشطة والاحتفاليات الخاصة بهذه المناسبة.
وقد جرى العرف أن يتم اختيار شخصية إبداعية ومسرحية لكتابة كلمة خاصة بهذه المناسبة، تلقى في اليوم ذاته، ويتم تعميمها على جميع المؤسسات المسرحية في العالم.
في اليوم العالمي للمسرح، أقرأ بحب واحترام رسالة يوم المسرح العربي، التي كتبها الفنان إسماعيل عبد الله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح، والتي سيكون لنا قراءة خاصة بها، لما تحمله من قيم فنية وفكرية نهضوية، لكن لي في هذه العجالة اختيار بعضها:
“علينا كمسرحيين أن نتحلى بجرأة الأبطال التراجيديين في إقصاء سطوة القوى الغيبية لنرش الملح على جراح الواقع، ليزأر الجرح بصدى الجواب…علينا أن ندحر المستكين لنكتب بسكين الحقيقة على خشب مراكبنا التي تترنح وسط أمواج هذا العالم الصاخب المنكر لقيم الحق والخير والجمال، علينا أن نقلقه بالسؤال، ونغيره بالجمال، علينا أن نقتله بالمعرفة، علينا أن نمحو اسلاكه الشائكة بورد يتم شقه فيرده سياجاً للبهجة.”
إنها رسالة حضارية وتربوية ناقدة ونقدية ومستقبلية: “علينا أن نسلح أبنائنا بالمسرح ليكونوا أصحاء يؤمنون بالحوار ويدركوا بالخيال ما وراء المشهد العام ويحللوا بالمنطق أحداث الزمن الذي يعيشون؟”
أسئلة مهمة واستراتيجية وأخلاقية، لم ينس فيها وصف حال المسرح ونظم التربية والتعليم ومعاناة المسرحيين/ات، في ظل جائحة كورونا. إنها فعلا رسالة المسرح الصريحة، وهي كلمة جامعة فعلا، باتجاه الأمل والإرادة والسلام والمواطنة والوطنية.
فلسطينيا، برغم الجائحة، فتح المسرح أبوابه بشكل محدود، كذلك تم اختبار الانترنت كمكان عرض، بل تم إقامة مهرجان في عكا، ومن قبل مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، ويمكن استقصاء وتقييم العروض المسرحية، في فلسطين، وبلادنا العربية والعالم، لنعلم كيف تكيّف المسرحيون، ولكن يبقى الأصل ثابتا، وهو التلاقي المباشر والإنساني، كون ارتياد المسرح ظاهرة جماعية ثقافيا واجتماعيا وفكريا، من أجل المشاركة في لحظة اجتراح الفهم المعمّق لحياتنا، من أجل التغيير، بل أن جائحة كورونا، بما كشفت من واقع، وبما واكبها من أداء أفراد ومؤسسات، تحتاج الآن دراما مسرحية، تصورنا ونحن في فضاءات حياتنا المعدلة، مفكرين بتأمل بما ظل يردده يوسف وهبي رحمه الله: ما الدنيا إلا مسرح كبير!
في الفضاء الصغير، بوجود أفراد، لوقت طويل، خاصة في البيت، يمكن رصد ذلك، كما الخشبة، بما فيها من تنافر وتضامن، كما يحدث في النفوس، بل إننا خلال ذلك، في حالة الخلاص الفردي، حتى بشراء الخبز، وجدنا أنفسنا في حالة درامية، لذلك فإن دور المسرح الآن وغدا، هو تعميق اتجاهات الخلاص العام والإنساني.
ما بين إسماعيل عبد الله: “وما المسرح إلا سؤال كبير مطروح على منصات حياتنا”، ويوسف وهبي: ما الدنيا الا مسرح كبير، إيمان بأن المسرح فعلا كبير، حين يريده المسرحيون كذلك.
وأختم بما ختم به الفنان إسماعيل عبد الله: “في العاشر من يناير اليوم العربي للمسرح، ندعوكم لنكون معاً فلن ننجو فرادى من هذا الطوفان، في اليوم العربي للمسرح، نهتف معاً عشتم وعاش المسرح إكليل غار على رأس كل مريديه، في اليوم العربي للمسرح نواجه سؤال نكون أولا نكون.. برد واحد “نكون“..
وكل عام والمسرح العربي والعروبة بخير.