ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والجبابرة (14)
محمد زحايكة | فلسطين
حافظ البرغوثي.. معجم الصحافة وسيد السخرية المرة
في جعبة الصحفي والإعلامي البارز حافظ البرغوثي ” أبو منصور” سيل لا ينقطع من المعلومات وخفايا الصحافة والسياسة ودهاليزها.. فهو خبر عالمها منذ نعومة أظفاره وشرَّقَ و غرَّبَ في دروبها الشائكة القريبة والبعيدة.. منذ مطلع ثمانينيات القرن المنصرم.
التقى الصاحب بأبي منصور الذي كان يتردد على جريدة الفجر المقدسية، فاتخذ من الصاحب مرافقا أو معاونا في بعض الأحيان وهو يتجول ويجوب طول وعرض الأرض المحتلة يرسم صورة حقيقة الأوضاع بأسلوبه الصحفي المشوق والمتين لجريدة القبس الكويتية كما كنا نلاحظها منشورة في أغلب الأحيان.
ولولا الاتهام بالمبالغة لأمكن القول إن البرغوثي صاحب مدرسة فريدة وجريئة في الصحافة حاول تطبيقها جزئيا في جريدة الفجر ولاحقا في أسبوعية الحياة الجديدة حيث ساهم فيها الصاحب لدى صدورها الأسبوعي أو شبه الأسبوعي أيام مؤسسها نبيل عمرو الدبلوماسي العريق وأحد مستشاري الرئيس الراحل ياسر عرفات.
والصاحب يزعم أن مدرسة ورؤية البرغوثي للصحافة المقاتلة أو الاستقصائية من الصعب أن تنجح في بيئة مازالت خاضعة للاحتلال ومحافظة على العموم وذات إمكانيات محدودة، إلا أن البرغوثي كان له شرف المحاولة في هذا المجال كما يقال.
الدردشة مع أبو منصور ينتج عنها حالة من المتعة نظرا لغزارة معلوماته وتلميحاته الجريئة واطلاعه الواسع وتجربته الغنية ومغامراته المشوقة الصحفية غالبا والسياسية أحيانا وروعة مقالاته الساحرة وتلاعبه الممتع في الألفاظ والمعاني وقدرته على لجم المتنطعين والمزاودين والتابعين “بإحسان” لأجندات “العدوين” أو المخالفين إلي يوم الدين!!
ذات مرة أخذ أبو منصور الصاحب و”زمرته” إلى هضاب وتلال دير غسانة وبيت ريما وكوبر شمال غرب رام الله حيث جحافل البراغثة ووادي القلع ومقام “سيدي الخواص” أحد الأولياء على ما أظن؛ لنكتشف هذا الإعلامي الكبير وعشقه للطبيعة الفلسطينية ومعرفته الجمة بأشجارها ونباتاتها وحيواناتها وطيورها.
حيث يغدو عاشقا متيما وملهما وهو يتجول ويلهو في مرابعها، ثم يفاجئنا بزرب في باطن الأرض نجتمع عليه في بيته ونلتهمه بشهية غير عادية. ويصدق فيه قول الزميل الإعلامي البارز باسم أبو سمية: “جدول الزرب ” بعد أن ذاق حلاوته أو شهيته في زيارة سابقة مع مجموعة أخرى قبلنا.
لا يمكن للصاحب في هذه الومضة ” العجالية ” أن يغطي ولو من الجمل ذانه سيرة إعلامي وكاتب روائي وسياسي ورجل تنظيمي من وراء الكواليس كانت له آراؤه في المشهد السياسي وفي بعض زعماء العرب الذين ثار حولهم الجدل من ناصر الزعيم الملهم إلى السادات الرئيس المؤمن إلى صدام حسين صقر العرب إلى قذاف الدم صاحب الجبل الأخضر الخايس.. على رأي أبو منصور .
ربما اختلف الصاحب قليلا مع البرغوثي في نظرته لدور بعض نواطير الخلجان.. إلا أن البرغوثي يبقى صاحب نظرة استشرافية عميقة؛ فعندما سأله الصاحب مرة عما يعتقده بعد احتلال بغداد؟ فأجاب إن الحريق سوف يظل مشتعلا في أرض السواد لسنوات طويلة وقد صدقت توقعاته وهذا مثال بسيط على بعد نظره وحدسه العميق.
حافظ البرغوثي إعلامي من طراز مختلف، واسع الاطلاع، قادر على استكناه الأمور الغامضة وقراءة معالم المشهد السياسي الضبابي بعين صقرية ثاقبة؛ قلم ساخر وساحر، قلم ثري بالكلمات المنحوتة الطازجة التي تجيء عفو الخاطر؛ فهو صاحب معجم لغوي خاص ومثير، وهو بارع في شد القاريء من زمارة رقبته لإكمال مقالاته الشقية أو رواياته وكتاباته السردية المتنوعة في مختلف شؤون الحياة وتجاربه الشخصية المليئة بالمطبات والعلاقات المدهشة.. كحاله على سبيل المثال مع رسام الكاريكاتير الأعظم الراحل ناجي العلي رحمه الله . فإلى مزيد من الإنتاج والعطاء المثير والمدهش يا أبا منصور.