الوصايا العشر في تربية المراهقين

أ. سعيد مالك| معلم لغة عربية
تربية المراهقين مرحلة دقيقة تحتاج إلى وعي وصبر وحكمة، فهي فترة الانتقال بين الطفولة والرشد، وبين التبعية والاستقلال. في هذه المرحلة تتشكل شخصية الإنسان، وتُختبر قيمه ومبادئه، وتبدأ ملامح مستقبله في الظهور. ولذلك فإن نجاح الأسرة في التعامل مع المراهقين يحدد إلى حد كبير نوع الإنسان الذي سيصبحون عليه لاحقًا.. وأيضا فإن تربية المراهق لاتقوم على القوة ولا على الأوامر، بل على الفهم العميق لطبيعة هذه المرحلة. المراهق يعيش تغيرات نفسية وجسدية وفكرية تجعله يبحث عن ذاته ويختبر حدودها. وهنا يأتي دور الوالدين في توجيهه دون قمع، ومساندته دون أن يفقد استقلاله. وفيما يلي عشر وصايا تعد من أنجح الأساليب في تربية المراهقين تربية قائمة على المحبة والوعي.
الوصية الأولى: كن صديقًا قبل أن تكون مربيًا
المراهق لا يحتاج إلى سلطة صارمة بقدر ما يحتاج إلى من يفهمه ويصغي إليه. الصداقة بين الوالد والابن تبني الثقة وتفتح أبواب الحوار. حين يشعر المراهق أن والده أو والدته يسمعانه باحترام، فإنه يستشيرهما طوعًا دون خوف. كن قريبًا منه، تحدث معه بلغة المودة، وشاركه اهتماماته بدل أن تفرض عليه ما يراه صحيحًا.
الوصية الثانية: الإصغاء مفتاح الفهم
كثير من المشكلات تبدأ لأن الآباء لا يصغون إلى أبنائهم بصدق. الإصغاء الحقيقي لا يعني السماع فقط، بل يعني محاولة فهم ما وراء الكلمات. فالمراهق عندما يرفض الذهاب إلى المدرسة مثلًا، قد يكون السبب قلقًا أو خوفًا أو إحساسًا بالعجز. الإصغاء يجعلك ترى الألم قبل السلوك، فتتعامل مع جذور المشكلة لا مظاهرها.
الوصية الثالثة: امنحه الثقة لا المراقبة المفرطة
الثقة تزرع في قلب المراهق الإحساس بالمسؤولية. حين يشعر أنه محل ثقة والديه، يسعى لأن يكون عند حسن ظنهما. أما المراقبة الزائدة فتولد العناد والكذب. لا تلاحقه في كل تصرف، بل اتفق معه على حدود واضحة ومسؤوليات محددة. علّمه كيف يكون رقيب نفسه، لأن التربية الحقيقية هي تربية الضمير لا السلوك الخارجي فقط.
الوصية الرابعة: ازرع القيم لا الأوامر
الأوامر المؤقتة تزول، أما القيم فتبقى. لا تكتفِ بقولك افعل ولا تفعل، بل اجعل ابنك يفهم السبب. علّمه معنى الأمانة والصدق والاحترام بالقدوة قبل الكلام. حين يرى فيك النموذج العملي لهذه القيم، ستترسخ فيه من دون تلقين. الأب الذي يصدق في وعوده، والأم التي تتحلى بالعدل، هما المعلمان الحقيقيان للأخلاق.
الوصية الخامسة: كن قدوة في الهدوء والاتزان
المراهق يعيش عواصف داخلية من المشاعر المتناقضة، فلا تضف إلى ذلك عاصفة من الغضب. حين يخطئ ابنك، لا تفقد السيطرة على نفسك، بل تحدث معه بعقل وهدوء. فالصراخ لا يزرع الطاعة، بل الخوف، والخوف لا يبني شخصية سوية. إن انفعالات الآباء تنتقل إلى الأبناء، فكن أنت مثال التوازن الذي يحتاجه ليطمئن.
الوصية السادسة: افهم قبل أن تحاكم
كثير من المراهقين يكتمون أسرارهم لأنهم يخشون رد فعل والديهم. إذا أخبرك ابنك بأمر يزعجك أو صدمك، فتمالك نفسك. اسمعه للنهاية، وأظهر تفهمك حتى وإن لم توافقه. الفهم لا يعني القبول، لكنه يفتح باب النقاش. المراهق الذي يجد في بيته صدرًا رحبًا لن يفتش عن الأمان خارجه.
الوصية السابعة: غذّ عقله بالمعرفة لا بالمواعظ الجافة
المراهق يعيش في عالم تتزاحم فيه المعلومات والأفكار، فإذا لم يجد التوجيه الواعي من أسرته فسيتلقى ما لا ينفعه من الآخرين. شجعه على القراءة ومناقشة ما يشاهده ويسمعه، وشاركْه بعض الأنشطة الثقافية. لا تفرض عليه أفكارك بل شاركه الحوار، فالفكر الحر الواعي هو حصانة المراهق من الانحراف والتبعية.
الوصية الثامنة: لا تبخل عليه بالحب
قد لا يعبّر المراهق عن حاجته للحب، لكنه في داخله يتوق إلى كلمة طيبة ونظرة حنان. عندما تقول له إنك فخور به، فإنك تمنحه طاقة إيجابية تدفعه للتقدم. الحب لا يفسد التربية كما يظن البعض، بل يصنعها. إن القلوب التي تشبّ على المحبة لا تعرف القسوة، والمراهق الذي يشبع عاطفيًا يكون أكثر استقرارًا واتزانًا.
الوصية التاسعة: شاركه تفاصيل الحياة
المراهق يحتاج إلى أن يشعر بأنه جزء من الأسرة، لا مجرد فرد يعيش فيها. تحدث معه عن قرارات البيت، واستشره في أمور بسيطة، وامنحه دورًا في تحمل المسؤولية. شاركه الأنشطة اليومية كالرياضة أو الطهي أو التسوق. المشاركة اليومية تخلق بينكما ألفة ودفئًا، وتجعل العلاقة قائمة على المشاركة لا الأوامر.
الوصية العاشرة: الصبر والدعاء زاد المربين
المراهقة مرحلة مؤقتة لكنها حاسمة، وقد تمر بأوقات صعبة من التوتر والعناد. لا تفقد الأمل ولا تيأس من الإصلاح. كل جهد تبذله اليوم سيؤتي ثماره غدًا. ادعُ لابنك بصدق، فالدعاء جسر خفي يصل القلوب بالله ويمنح المربي طاقة على الاستمرار. تذكّر أن التربية رحلة طويلة، وأن الحب والصبر هما جناحاها.، ولذا فإن الوالدين الناجحين لا يسعيان إلى تربية مراهق مثالي، بل إلى تكوين إنسان صادق مع نفسه، مسؤول عن اختياراته، قادر على التمييز بين الخير والشر. والمراهق بدوره لا يحتاج إلى والد لا يخطئ، بل إلى والد يعترف بخطئه ويصلحه. فالتربية في جوهرها ليست تلقينًا للأوامر بقدر ما هي حوار بين جيلين يتعلمان من بعضهما.
ختاما: فإن تربية المراهقين ليست معركة تحتاج إلى انتصار أحد الطرفين، بل هي رحلة نمو متبادل. فكل موقف من الصبر، وكل لحظة من الفهم، وكل كلمة حب تُقال، هي حجر في بناء إنسان سويّ. وحين يرى المراهق في والديه القدوة والمودة، سيكبر وهو يحمل في قلبه الامتنان، وفي سلوكه الأخلاق التي تعلمها من بيته.



