مقال

هل يسطو الغرب على التراث الإسلامي الأبحاث العلمية؟!

محمد أسامة | أمريكا الشمالية
تعتبر الحضارة الإسلامية عنصرًا هامًا من عناصر المجتمع وأصوله، وجزءًا لا يتجزَّأ من تاريخه وذاكرته، فقد كان الإسلام ليس مجرد دعوة دينية، أو رسالة شرعية، بل كان منهجًا اجتماعيًّا لا ريب، ونهضة ثقافية بلا شك، ودعوة إلى التحرُّر والفكر، وقد حفل التاريخ الإسلامي بالعدد الهائل من العلماء والمفكِّرين، والأدباء والمثقَّفين، والأساتذة والأطبَّاء والمؤرِّخين، والفلكيين والفلاسفة ورجال الجغرافيا والفلك، وإذا كان العلم معيارًا لتطوُّر المجتمع ورقي الأمة، فإنَّنا علينا كعرب أو مسلمين الفخر بما قدَّمته الأمَّة على مرِّ تاريخها، وما أفرزته من علماء على مرِّ عصورها، وعلينا التصديق أن الأمة الإسلامية لها من التراث الفكري والعلمي والحضاري نصيبٌ وافر، وعبابٌ زاخر، لا يجحده إلا الجاهل، ولا ينكره إلا الأعمى.
ومع أسف كثير من أبناء الأمة في عصرنا هذا يجهلون تراث أمَّتهم، ولا يعرفون رصيد علمائهم، ويرون أمَّتهم أمَّةً متخلِّفَةً، ضائعة متقهقرة، مقارنة بالغرب المتحضِّر، ورُقيِّه المتطوِّر، وممَّا يزيد ألمًا في النفس أن بعضًا من أبناء تلك الأمة، قد لهثوا خلف تلك الفكرة، إما جهلًا بتاريخها، أو إنكارًا متعمَّدًا لفضلها، ويقف العِلمانيون من العرب نفس هذا الموقف فيصفون الأمَّة وتاريخها بالتقهقر والانحطاط، وبالتخلف والاحتضار، ويوجهون شطرهم تجاه الغرب بأساليب انهزامية، وأفكار متخلِّفة رجعيَّةٍ، وإنَّ هذا الإنقياد للغرب بهذا الفكر الانهزامي هو أخطر على الأمَّة من أعدائها، وأنكى عليها من فعل خُصومها، وهو نفاقٌ مجتمعي، وخللٌ ثقافي، صنتعه أسباب كثيرة، وعواملٌ عديدة، من بينها عوامل مرجعية (أيدولوجية) تهدف إلى الحطِّ من كل ما يتعلَّق بالعرب، والإشادة بكل ما يأتي من الغرب.
ويقيس هؤلاء نظرتهم بواقعٍ صنعه ليس غباء شعوبِ العرب وتخلفهم، ولا في رُقي رجال الغرب وتحضُّرِهم، وإنما صنعته حكومات استبدادية حاربت العلم، وهدَمت منابر الفكر، ووأدت كل الأنشطة الثقافية والحضارية، ووجهت عنايتها إلى ما يعزِّز فقط عُروشها، ويملأ من قوت الشعوب جُيوبها، والدليل على هذا أن عددًا من علماء العرب، حينما سافروا إلى بلاد الغرب، فتعلموا في جامعاته، أو انضموا إلى بعض معاهده، وجدوا الحفاوة والتقدير، والتبجيل والتكريم، حيث قُدِّمت لهم أسباب الدعم، وهُيِّئَت لهم عواملُ النَّجاح، فبرزت أسماؤهم، وعلت مكانتهم، وعُرفت أبحاثهم واختراعاتهم، ومن هؤلاء سميرة موسى وفاروق الباز وأحمد زويل وعبد القدير خان،وأسماء أخرى لم يحرزوا تقدُّمًا في بلادهم، وإنَّما نالوا تقديرهم خارج بلادهم.
ومن أبرز ما يلفت الانتباه هو ما قام به الغرب من سرقة بعض الاختراعات العلمية من أصحابها، ونسبة بعض الأبحاث إلى غير مؤلِّفيها، فنسبوا تلك الاختراعات والأبحاث إلى عُلمائهم هم، وادَّعوا زورًا وبُهتانا أنَّها لهم، ولكن في الحقيقة أنها اكتشافات واختراعات أصحابها مسلمون.
ومن هذه الاكتشافات مثلا:نظرية الجاذبيَّة الأرضية التي ينسبها الغرب إلى عالمهم الشهير إسحاق نيوتن في قصَّة التفاحة الشهيرة والحق أن علماء المسلمين سبقوه إلى البحث في نظرية الجاذبية الأرضية، مثل ابن سينا وأبي الريحان البيروني وأبي الفتح المنصور ولهم في بحث الجاذبية كتبٌ مؤلَّفة معروفة أسماؤها. ومحفوطة أفكارهم فيها. بل إنَّ قوانين الحركة المنسوبة لنيوتن قد سبقه في البحث عنها عدد من علماء المسلمين مثل ابن سينا وهبة الله البغدادي وفخر الدين الرازي، ويكفي أن نعرف أن أبا الريحان البروني له اكتشفات وأبحاث عديدة مثل معرفة طول قطر الأرض وتقدم سرعة الضوء على سرعة الصوت بالإضافة إلى الجاذبية الأرضية.
ويدَّعى الغربُ أن اكتشاف مسألة انتقال العدوى منسوبٌ إلى علمائهم في حين أن العالم المسلم الخطيب البغدادي قد سبقهم في البحث عنها، ومناقشة أسابها وكيفية وقوعها.
وينسب الغرب اكتشاف الدورة الدموية الصُّغري هو الطبيب الإسباني ميجيل سيرفيت بينما سبقه في الحقيقة في اكتشافها الطبيب المسلم الشهير ابن النَّفيس، كما ينسب الغرب اكتشاف منابع النيل لثلاثة من علمائهم وهم بيكر وبرتون وسبيك من بريطانيا بينما في الحقيقة أن العالم الجغرافي الإدريسي قد سبقهم إلى اكتشافها وأشار إليها في مؤلفاته.
وينسب الغرب اكتشاف الأمريكتين للرحالة البرتغالي الشهير كريستوفر كولبموس ولكن الثابت تاريخيًّا أن المسلمين قد سبقوه إلى الوصول إلى شواطئ الأمريكتين بنحو خمسة قرون بل إن كولمبوس نفسه أشار في مذكراته أنه رأى بعض الآثار والأقوام والمعالم العربية.
وكثير من أبناء الشعوب العربية ولاسيَّما في مصر يظنُّون أن أوَّل من فك رموز الهيروغليفية (اللغة المصرية القديمة) هو الفرنسي جان فرانسوا شامبليون في حين أن تلك المعلومة خاطئة تمامًا إذ أن أوَّل عالم نجح في فك الرموز الهيروغليفية هو العالم المسلم الشهير أبو بكر أحمد بن وحشية النبطي الذي سبق العالم الفرنسي بعدة قرون ولكن الغرب سرقوا هذا الاختراع ونسبوه لأنفسهم.
وبقي أن نذكر أن الغرب نفسه نسب تأسيس علم الاجتماع لعالمه الشهير جيست كونت وحقًّا أن جيست كونت قد قدَّم أفكارا جليلة في هذا العلم وأفصح عن كثير من أسسه وجوانبة ولكن الصَّحيح أنَّ أوَّل من بحث في علم الاجتماع هو العالم والمؤرخ الشهير عبد الرحمن بن خلدون وفي مقدِّمته ما يشير إلى ذلك.
وربما يجهل الكثيرون أن مخترع آلة التصوير (الكاميرا) هو عالم البصريات الحسن بن هيثم وأن لفظ (كاميرا) هو تحريف لكلمة عربية هو (قمرة) أي الغرفة نسبة إلى غرفة مخترعها الأول وأن ابن هيثم هو أول من فطن إلى هذا الاختراع وليس لويس داجير الذي قام يتطوير آلة التصوير الفوتوغرافي بالفعل ولكنه ليس أول من اخترعها. كما أن البذرة الأولى لعلم الحاسب الآلي كانتعالم الرياضيات المسلم هو الخوارزمي الذي فطن إلى المعادلات الخوارزمية التي هي أساس علم الحاسب الآلى.
إن الناظر إلى تاريخ الحضارة الإسلامية، لاسيما في أوج عصورها الذهبية، سيجد أن المسلمين قد قدَّموا خدمات جليلة في العلم، وقاموا بإعلاء منابر الفكر، وقدَّموا انجازات هائلة في علوم الطب والصيدلة والهندسة والفلك والرياضيات والفلسفة والمنطق والجغرافيا والخرائط. فكانوا في الطب يخترعون الأدوية والعقاقير بينما كان الغرب غارقين في السحر والشعوذة.وكان المسلمون يرسمون الخرائط ويبحثون في الفلك ويبتكرون في علوم الرياضيات والإحصاء والمنطق والجبر يوثقون تلك العلوم ومصاردها، فيترجمون من علوم اليونان والروم والفرس والهند ويضيفون إلى ما ترجموه ما شاؤوا من علومهم ومعارفهم. فغير بعيد على أمَّة وصلت إلى هذا الإزدهار في تلك القرون أن تكتشف هذه الاكتشافات، وتحقِّق تلك الانجازات والابتكارات، وتنجح في عمل تلك الأبحاث والمخترعات، وهي أمورٌ يطولُ الحديث فيها، ولا يتَّسع مقال واحد عنها.
والأمثلة في ذلك عديدة لا حصر لها، ولا حدَّ لذكرها، فهناك العديد من الاختراعات والاكتشافات العلمية التي ابتدعها عرب ومسلمون سرقها الغرب ونسبوها إلى علمائهم، مخالفين بذلك ما يدَّعون من أمانتهم. ومع أسف فإنَّ معظم شباب العرب في أيامنا هذه يصدِّقون أنها اختراعات غربية، ويجهلون أنها انجازات إسلامية، وإذا ما تمَّت مواجهتهم نراهم ينكرون ويسخرون، ويصمُّون آذانهم ولا يتَّعظون، رغم أن تلك المعلومة في صالحهم، وترفع من قدرهم وقدر شعوبهم، وتعزز منزلة أمَّتهم وتاريخهم، وأسبقية علماء المسلمين إلى ما أوردناه من حقائق يطول فيها القول، ويعظُم فيه البحث، لكنَّهم يصرُّون على فكرهم الإنهزامي، وأسلوبهم الرجعي، في الإصرار على اللهث خلف الغرب، معلنين تبعيتهم لهم بشكل كامل، ومصرين على تقديم الغرب بكل فادح، فأغفلوا تاريخ ومجد أمَّتهم الحضاري، ومهملين تراثها العلمي والثقافي، ويقدِّمون الغرب فكرًا وحضارة على أمَّتهم وذويهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى