لماذا عقمت البلاد أن تنجب أمثال جيل العقاد ؟!
د. أحمد الطباخ
شغل بالي ذلكم الأمر منذ زمن وأنا أقول لنفسي ما الذي حدث لنا أن نعيش ونحيا حتى نرى هذا العصر البائس الذي افتقر أن يكون فيه جيل جديد من أصحاب الفكر الرزين والعقل العميق والرؤية الثاقبة والثقافة الموسوعية من أمثال هذه القامات السامقات التي صارت مضرب الأمثال في النشاط الفكري بكل أطنابه وألوانه وأشكاله وهم لم ينالوا من الشهادات أعلالها ومن التعليم إلا أدناه ولكنهم كانوا هم الأدباء والشعراء والعلماء والنقاد والساسة الذين ملأوا الساحة فصالوا وجالوا في كل ميدان وقرعوا كل باب من أبواب الفكر والثقافة والإبداع والابتكار دون لف ولا دوران فما استكانوا لسلطة غاشمة ولا فرطوا في كرامتهم من أجل شهرة زائفة وإنماوارتفعت هاماتهم حتى بلغت العنان .
جاءوا من أدنى البلاد في بواكير شبابهم وكلهم جلد وصبر وتحمل وتجربة وعلم وفن وثقافة ليقفوا في ميدان العلوم والفنون بأقدام ثابتة راسخة وعقول محللة ناقدة مؤلفة مبدعة مبتكرة لا يستصعب عليهم علم ولا فن في الشعر لهم فيه صولات وجولات وفي الفكر لهم فلسفات ونظرات ووقفات جعلت أصحاب الشهادات العليا من حملة الدكتوراه تقف إعجابا وانبهارا بهم في تنافس محمود وطبيعي مجاله صفحات الكتب والصحف والمجلات بالمنطق والعقل والأمانة والحيدة العلمية دون تعالي ولا غرور وصلف فأين كل ذلك من مشاهد البؤس والجهل والشقاء والرجعية التي صارت سمة عامة على مشهد الفكر والثقافة والإبداع اليوم وأكاد أجد الإجابة تظهر من بين السطور والصدور هي التعليم في الصغر الذي هو كالنقش على الحجر ذلكم التعليم الذي صنع العقول النيرة والثقافة العالية والفكر الأصيل المنبق من الأصول الذي أسهم في وضع تلك الأرضية الراسخة ودفع إلى القراءة النهمة وربى ملكة البحث لتسبر أغوار كل فن وعلم وتنمي وتصقل كل موهبة مع مجتمع يعلي من قيم الحق والعدل ويقدم العلم والعلماء ليكونوا هم الصدر وليس العجز حتى من لم ينل حظه من التعليم تثقف في كتاب سيدنا الذي كان يعلم تعليما قائما على الثواب والعقاب والجد والاجتهاد فلم يقدم الخامل والكسول وإنما شجع النشيط والحافظ المحافظ على ما حباه الله من عقل فطن مبدع مما أوجد جوا من السباق العلمي بين مستويات قياسية متنوعة