مقال

منهج البخاري في الجامع المسند الصحيح المختصر

بقلم: د. محمد عبدالعظيم حبيب

      يُعد (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ وسننه وأيامه) من أشهر كتب الإمام البخارى. ولا بأس أن نبين معنى عنوان الكتاب؛ لنفهم من خلاله المنهج الذى ارتضاه البخارى لنفسه.
ـ الجامع: هو الذى يجمع مؤلفه جميع أبواب العلم المختلفة وأهمها: العقائد، والعبادات، والمعاملات، والسير، والمناقب، والفتن، وأخبار يوم القيامة… إلخ
ـ المسند: الذى ضم الأحاديث المرفوعة إلى النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما وجد غير الأحاديث المرفوعة مثل الأحاديث الموقوفة على الصحابة أو المقطوعة على التابعين فهو قليل وليس من الجامع المسند الصحيح المختصر، وكذلك الأحاديث المعلقة التي يذكرها للاحتجاج للمسألة التي ترجم لها.
ـ الصحيح: أي المشتمل على الأحاديث الصحيحة المتصلة، وهو لم يستوعب كل الأحاديث الصحيحة، وهذا ما يفسر قوله (المختصر)، وهو القائل “ما أدخلت في كتابى الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول .”
وضع البخارى شرطا لتدوين الحديث في الجامع وهو ثبوت السماع بين المعنعن والمعنعن عنه ولو مرة واحدة ما لم يكن الراوى موصوفا بالتدليس، فإذا كان مدلسا فلا يقبل حديثه إلا إذا قال (سمعت) في كل حديث يرويه.
فالبخارى يشترط تحقق اللقاء بين المعنعن والمعنعن عنه، ومسلم يكتفى بإمكانية اللقاء، لذا كثرت أحاديث مسلم عن أحاديث البخارى.
ولا يُخرج البخارى ما كان منقطعا بأى وجه من وجوه الانقطاع كما هو صنيع مالك في موطئه، فلذلك رُجح صحيح البخارى على صحيح مسلم وموطأ مالك.
وكثير من الناس الذين ينتقدون الجامع لا يعرفون أن البحث في الجامع يجب أن يكون بحثا إسناديا وليس متنيا، فإذا لم يصح الإسناد فلا يجب أن ننظر إلى المتن، فليس كل كلام حسن يصح أن يكون حديثا. فعلم الحديث يبحث في نسبة الكلام إلى صاحبه. فعلى سبيل المثال يذكر بعض الناس في عصرنا أن النبى حاول أن يتردى من فوق شواهق الجبال نقول لهم:إن أي حديث ليس مسندا إلى رسول الله ليس من الجامع، فهو ليس على شرط البخارى، وهناك بعض الروايات رويت تعليقا، وبعضها من بلاغات الزهرى كرواية الانتحار هذه. فمعلقات البخارى وبلاغات الزهرى ليست من الجامع. فالحديث الصحيح ـكما يقول المحدثونـ “هو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من أول السند إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة”.

    والذى حمل البخارى على تصنيف الجامع أنه رأى رؤيا حكاها عن نفسه قال:”رأيت النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكأنى واقف بين يديه، وبيدى مروحة أذب بها عنه، فسألت بعض المعبرين، فقال لى: أنت تذب عنه الكذب .
وهناك أقوال أخرى منها ما سمعه من أستاذه إسحاق بن إبراهيم:”لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال البخارى: فوقع ذلك في قلبى فأخذت في جمع الجامع الصحيح. ثم عرض الجامع على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلى بن المدينى؛ فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث.
وكثير من العلماء في عصور تالية لعصر البخارى انتقدوا الجامع ، فالإمام الدارقطنى انتقد الجامع، وجميع الإشكالات التي عرضها ردها عليه العلماء فأثبتوا صحة ما ذهب إليه البخارى.
في النهاية أقول:إن البخارى ليس معصوما، ولكن العلماء عبر العصور المختلفة اطمأنوا إلى صحة ما جمعه البخارى من أحاديث مسندة إلى رسول الله . فالأمة حكمت للجامع بناء على المنهج العلمى المعتبر في علوم الحديث، والجرح والتعديل، والرجال .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى