مقال

زمن خلع الفضائل!

د. أحمد الطباخ
ما توقع أحد أن يأتي ذلك الزمان الذي توارت فيه الفضائل والأخلاق وتجرد فيه الناس من كل فضيلة إلا من رحم ربي ممن ما يزالون قابضين على الجمر وواقفين أمام كل تيارات الضياع والانسلاخ لأنها حرب كبيرة وحقيرة وخبيثة ضد كل جميل وفضيل حتى ينسى الناس دينهم ويحال بينهم وبينه وكان منذ عهد قريب لا يصدق أحد هذا الكلام ويقال لك من قبل ثلثة من الناس إنه كلام على عواهنه يحتاج إلى دليل وبرهان فقد جاء اليوم لنراه واقعا نعايشه في كل أمور حياتنا فخلع ناس أمتي فضائلهم وباعوا أعراضهم وخانوا أماناتهم وصار الكثير أشباه رجال فلم يوفوا بأماناتهم ولم يغيثوا جيرانهم ولا ملهوفهم ولا حافظوا على بيوتهم وأولادهم وإنما صار كل شيء له ثمن وهرولوا وراء دنياهم وسمعوا زخارف نفوسهم ودعتهم شياطين الإنس والجن فلبوا النداء دون حياء ولا حفاظا على سمعتهم.
كنا نحفظ في طفولتنا وشبابنا في مدارسنا ومعاهدنا ما يحفظ لنا ديننا وقيمنا وأخلاقنا فقد كان الثلاثة بيئات تعمل في تناغم واحد لم يشذ واحد من الثلاثة: البيت والمدرسة والمسجد حيث يكمل بعضهم بعضا ويجبر كل نقص الآخر فطالما رددنا وحفظنا قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وكذلك :
إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويلا
لم نردد ذلك فحسب وإنما صار قضية ترسخت في الأذهان وتكونت في الوجدان فصارت سلوكا وخلقا لا يتنازل عنه أحد مهما كانت الظروف الصعبة التي تمر به.
لقد وصل الحال بنا أن صارت الفضائل غريبة في هذا الزمن العجيب فها هي امرأة تخلع ثوب الفضيلة وتكشف عن نفسها دون حياء ولا خوف من قانون وتخرج في شرفة شقتها وقيل أنها هرولت إلى الشارع هكذا حتي قام الأهالي بإبلاغ الشرطة التي ألقت القبض عليها هكذا وصل الحال بنا خلعنا ثياب الفضائل وتجرد كثير منا من تلك الأخلاقيات التي تربينا بها وعشنا عليها فما فرطنا في قيمنا ولا أخلاقنا على الرغم من ضيق ذات اليد آنذ ولكنا ما فرطنا على فقرنا وسوء حالنا ولكنها القيم يا سادة حائط السد والعاصم لبلادنا من كل شر فلو ضاعت وخلعناها كلنا فعلينا السلام وعلى أوطاننا العفاء فهل فهتم أوضاعنا وعرفتم قيمة تمسكنا بالفضائل والقيم.
إن المؤمن الحق الذي يكون مع الله تعالى في كل أحواله مستقيما على الجادة لا يحيد عنها ويكون ظاهره كباطنه قلبه لله وجوارحه له فلا يجاهر ويبارز الله بالمعاصي في خلوته ووحدته وأمام الناس يتظاهر بالطاعة والاستقامة يطلب بذلك رضا الناس وحمدهم وهو مع في خراب وضياع وهذا ما غرسته الأسرة في أبنائها في عهود مضت حيث كانت المرأة تقوم على تربية الأبناء تربية قويمة نابعة من شريعة نورانية ترسخ قيم المراقبة والخوف من الله خوفا يجعل الناس يخلصون أعمالهم لربهم وكان كل الناس لا يخشون إلا الخالق الرقيب على العباد المرأة في بيتها حريصة على هذا الخلق العظيم الذي افتقدته الأمة فنالها الضياع والوهن والجهل وعدم اتقان الأعمال وعندما تخلو عن ذلك وفرطوا في ذلك انتشر في المجتمع الرذائل وتجرأ الناس على الله ففعلوا المنكرات واقترفوا السيئات فغشوا في بيعهم وخربت ذممهم وضعف وازع الخير فيهم وزين لهم الشيطان أعمالهم وأضل سعيهم.. انظر وتدبر أحوال الناس اليوم في أمورهم وشئونهم سترى تفريطا وضلالا وجرأة على الله فقد روي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس في المدينة فمشي حتى اعيا فاتكأ إلى جدار فإذا امرأة تقول لابنة لها صغيرة: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء
فقالت:يا أماه أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم
قالت:وما كان من عزمته ؟
قالت :إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء
فقالت:امذقيه فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر
فقالت الصبية: والله ما كنت لأطيعه في الملا واعصيه في الخلا.
ولا يتأتي ذلك إلا بالتربية الإيمانية ومراقبة الله عز وجل في كل الأحوال والوصول إلى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى