عاقبة الذين من قبلكم!!
د. أحمد الطباخ
غطرسة القوة الغاشمة عاقبتها الهلاك، وصلف الغرور والظلم نهايته الزوال، فما بالك بكل ذلك مع محتل غاصب من أحفاد قتلة الأنبياء الذين عاثوا في الأرض فسادا، وظنوا أنهم قد دان لهم العالم فملكوه، وحق لهم أن يفعلوا في شعوب الأرض ما يريدون، وهم القلة الغاصبة التي يبغون في الأرض بغير الحق، ومن ورائهم قوى الشر وحلفاؤه الذين يعادون هذا الدين، ويبغونها عوجا، وقد نسوا أن الله لهم بالمرصاد، وأنه لن تقوم لهم قائمة مهما جمعوا من جموع، وامتلكوا من قوة، فكم سبقهم من أمم بغت وطغت وفعلت فكان عاقبتها الهلاك والدمار والخسران؟؟!.
لقد بلغ السيل الزبى، والروح الحلقوم، وتوجعت القلوب، ووصل إلى منتهاه، وشاهد العالم هذه الحرب على فئة قليلة لا تملك عددا ولا عتادا، وحاصروا هذا الجمع ، وشنوا عليهم حرب إبادة بكل أسلحة من طائرات ودبابات وأسلحة حديثة تم تجريبها على هؤلاء العزل الذين حاصروهم، ومنعوا عنهم مقومات الحياة من دواء وطعام وغذاء ووقود، وهدموا بيوتهم، ودمروا وخربوا حياتهم ، ولم يتركوا مساجدهم ، ولا مستشفياتهم، وإنما قتلوا أطفالهم ونساءهم، وظنوا أنهم بذلك سينتصرون عليهم ، ولكن أنى لهم ذلك؟ !.
فقد فعل من سبقهم أكثر من ذلك من أسلاف هؤلاء الهمج التتار في المسلمين، فما حقق الله لهم غاية ، ولا رفع لهم راية، وجعلهم عبرة وآية لكل معتبر ومتعظ ، وليس ذلك ما نريده أن يرصد، وإنما الطامة الكبرى في هذا التخاذل الإسلامي من قبل عالمنا الذي وقف موقف المتفرج من تلك المذابح التى تحدث لإخواننا في غزة العزة الأبية التي استعصت عليهم، ولن يحقق الله لهم غاية، وإنما سيجعلهم عبرة وآية ، فكم من مر على أمتنا من قبل قوى البغي والاستكبار في ذلك العالم؟! ، فقد دخل التتار بغداد عام ١٢٥٨، فقتلوا ما يزيد على ٨٠٠ ألف مسلم ، فطلب من المؤرخ ابن الأثير تدوين هذه الفترة فظن ابن الأثير أنها نهاية العالم، وأن هذه هي علامات الساعة ، وأن تأريخ هذه اللحظات لن يفيد. فرفض، وقال مقولته الشهيره: فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟!، ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟، فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا ” .
بعدها بعامين هُزم التتار فى معركة عين جالوت على يد الملك المظفر سيف الدين قطز رحمه الله، وقضى الله قضاه الذي أبرمه ، ورفعت راية العزة؛ ليكون ذلك درسا من دروس ذلك التاريخ الذي تتابع حلقاته، وتتوالى أحداثه، فقد قال تعالى: [أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ] ٤٤