قراءة في ديوان ” ذئبة ” حكمت حسن

عمر سعيد | روائي وناقد – لبنان

ديوان حكمت حسن الثالث ” ذئبة ” في 177 صفحة، الصادر عن دار (نلسن) في لبنان تجربة كتابة في فلسفة كونية، تضع القارىء أمام محنة التساؤلات التي تبدأها بتخيل عالم أصابته القطيعة مع الإبداع ،و الذي لولاه لما رصدنا حالات السعي للتوحد مع الكون من خلال محاولة فهم العلاقة بين ثلاثية عناصر الحياة : الريح والماء والطين، ذلك التوحد الذي تطلعنا من خلاله ذئبة حكمت حسن على رؤية انعكاسيه في ثقبي الحب والإحساس، فتحرضنا على توسعته في جدار الإنسانية لنهدمه بحثاً عما تخبئه التجارب خلف جدار المنع والتحريم والتعتيم.

خاصة بعد أن باتت القلوب الحقيقية نادرة، وهذا ما جعل الأماكن والأزمنة خالية الملامح، فبسبب ندرة الحب تفقد الحياة الكثير من التفاصيل الممتعة..

تضعنا الكاتبة من خلال قصائدها في نهايات مفتوحة على الحركة التي لا تهدأ ، لتولد حباً يبعث فينا اخضرار الابتهال .
خاصة وأن الضوء مصدر الظلال التي تعكسها ذئبة خلال سيرها على حواف الشمس، مؤكدة أن الظلام وحده؛ هو الذي يوحد الأشياء ويدمجها بعد أن جزءها النور، وفصّل أشكالها، وحدد أحجامها .
ولأن الكلمة آلة تكثيف الأزمنة الوحيدة ، تبدأ الذكريات رحلتها المعكوسة صوب العدم الذي يبعث في الإنسان ذئاب الخوف والقلق، لتمزق الأحلام والآمال مخلفة وراءها روزنامة تحمل مجرد أشراقات شمس..

وتنتظر ذئبة حكمت انقضاء تجربة الحياة لتكون محاكمات تتضح بعدها الرؤى فتفصل بين الضباب وقمرها الأسود ، ذلك لان اكتمال الكمال لا يكون إلا بالتجارب المريرة والحزن الذي يولد فينا أسئلة وجودية، تتجسد أجاباتها ألماً، تجعل الصمت صلاة وابتهالا، فاستحالة العودة إلى الماضي وإن كانت ليست حقيقية، غير أنها قد تغدو ممكنة عبر ممر ضوئي، تتحقق فيه اللقاءات المجردة والحب المنزه عن الحاجات، بعد أن غدا الحبيب قصيدة في سمائها السوداء الملبدة بحبر الانتظار والكتابة، وهي تضيء كفيها بالحنين لتسير بين الحفر الباردة صوب الذات.. إذ تحوّل الصدف المشاعر إلى رمال تنتظر ريحاً تحملها الى تجاويف القلب الجرداء.
يبدو جليا أن عشقها للتراب والماء والطبيعة يؤصل فينا مفهوم الإنسان.. وبعد أن تُخسِرنا التجارب الخاسرة الكثير منا، وتفقدنا مؤامرات الغضب والانكسار التوازن ، يطل الأمل في لقاءات الياسمين، تتحد الأبعاد في تجربة الحياة.. فبعض الحب دم ، وبعضه أشواك ، وبعضه انجم عند التخوم ، ليصادرنا الدمع في استحالة الاندماج.

ونبقى أمام تضاد فلسفة الاتصال والانفصال، وفلسفة خطأ الوجود الذي يقهر الوجود، لأن ضرورة المادة للوجود تتجلى في انفصال المطر عن الغيوم ، فتزاحم المواد يضيق الأمكنة لتزدحم السماء بالغيوم كلما ازداد سكان هذا الكوكب الذين يسكنون الهواء والماء والتراب عبر بصمة الذكريات التي لا تنمحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى