أقلام الجنك مايند
توفيق أبو شومر
هل يمكننا تصنيفُ أقلام الكتاب في عصرنا الراهن الذي يعج ويغصُّ بأقلام الكُتَّاب والمدونين من الكهول والشباب؟
سأظل أُشَبِّهُ أقلامَ الكتاب بوجبات الطعام، فكما أن هناك وجباتِ طعامِ غنيةٍ بالفيتامينات والبروتينات، فهناك أقلامٌ غنيةٌ مثلها بالأفكار والمعلومات والحقائق.
ولعل أبرزَ سمات هذا النوع من الأقلام الصحية طولُ مدة التأثير والتأثُّر، وسهولة هضم الأفكار وتحويلها إلى برامج وخطط عملية مفيدة ورائدة، وهذه الأقلام هي القادرة على تعزيز مكانة الأمم وقيادتها للمستقبل!
وقد ازدهر هذا النوعُ من الأقلام في العصور السالفة، وأنتج أجيالا من المفكرين والقادة ، ممن أثْرَوا الحضارةَ البشريةَ، وعززوا الثقافة، وتركوا بصماتِهم على الحضارة الإنسانية كلها، وليس من قبيل المبالغة القول أن حضارتنا الراهنة مَدِينَةٌ لهذا النوع من الأقلام ! غير أن هذا النوع من الأقلام كان هو الأخطر على الديكتاتوريات، فقد قيل عن الكتاب:
” بقاءُ الحكام مرهونٌ بالسيطرة على الأقلام”
” القائد القوي هو المايسترو الذي يعزف على أقلام المفكرين”
لذا فإن الديكتاتوريين أدخلوا هذا النوع من الأقلام ضمن السلع المحظورة، وأخضعوه لأجهزة المخابرات، وحظروا تداوله ونشره لخطورته!!
وهناك أقلامُ أخرى تشبه طعام الشيبسي والبسكوت ووجبات السكاكر والعصائر والمسليات التي تعقب الوجبات، وهي الأكثر شعبية وانتشارا في هذه الأيام، فهي أقلام تُسلِّي وتقضي الأوقات في السهرات، غير أن نواتجها ليست سوى زجاجاتِ فارغة، أو قشورِ جافة ذابلة، أو أوراق تتطاير في الريح، وهذا النوع من الأقلام هو النوع الشعبي السائد اليوم، ولعل أبرز سمات هذا اللون من الأقلام، أن آثاره لا تدوم ، بل تبهتُ بسرعة، ويخبو بريقها بانتهاء يومها، وهي لا تؤسس فكرا أو جبهة أو خطةَ مستقبل أبدا!
كما أن هذا النوع من الكتابة السهلة دفعَ ملايين البشر لكي يمتهنوا هذه المهنة السهلة، فهي لا تحتاج إلا إلى أقلامٍ وأحبارٍ وأصابع تَنسُجُ الحروفَ في أشكالٍ وهيئات مختلفة.
وعزَّز عصرُ التكنلوجيا الرقمية هذا النوع من الأقلام، وأتاح الفرصة لكل فردٍ يملك إصبعين وذبذباتٍ إلكترونية في بيته أن يصبح كاتبا ومحررا، له صفحةٌ وموقعٌ ومجموعاتٌ وأنصار!!
ولعلَّ أبرز الآثار السلبية لهذا النوع، بالإضافة إلى آثاره على الصحة العامة، هو أنه طغى على أقلام الفيتامينات والبروتينات وهزمها وأبعدها عن القارئين بحجة أن أصحابها إما متخلفون تعود جذورهم إلى قرون خلتْ، وإما أنهم متقعرون يقولون كلاما صعبا لا يفهمه كثيرون، أو أنهم يعطلون عجلة التقدم والرقي!!
أما النوع الثالث من الأقلام، فهي أقلام وجبات النجوم الخمسة البرجوازية الدسمة، والتي تحتكرها شركات ومؤسسات تجارية دولية كبرى، تجذبُ الأغنياء وميسوري الحال، لا لأنها وجباتٌ شهيةٌ، بل لأنها وجباتٌ فيها أصباغ ومستحضراتٌ تُؤدي إلى الإدمان، وهي الوجبات الغنية بسعرات حرارية عالية، وبأصباغ ونكهات صناعية من إنتاج معامل شركاتٍ سرية، فيها ملحٌ ضارٌ وسكرٌ معقود، بلا بروتينات أو معادن، تؤثر على الدماغ مثل تأثير المخدرات، وتجعل متعاطيها يُحس بنشوة الرفعة والاستعلاء!
وهي أخطر الأقلام قاطبة، لأن تأثيراتها لا تظهر في المدى القريب، بل تظهر بعد أشهر وسنوات، فهي من مسببات السرطانات والأورام الخبيثة في كثير من المجتمعات، وهذا النوعُ من أقلام الجنك فود، أو الجنك مايند أي (العقل) (وهو نحتٌ جديد لمصطلحٍ جديد) أصبح ظاهرة عالمية، وصارت للصحافة والطباعة شركات لتلك الأقلام، تشبه شركات الهامبورغر والكنتاكي والماكدونالدز وغيرها، تتمثل في كثيرٍ من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والفضائيات !
ولكي يسهل علينا اكتشاف أقلام الجنك مايند، لا يجب علينا فقط أن نقرأ ما تكتبه تلك الأقلام، بل يجب علينا أن نعثر على من يُمَوِّلها أيضا!!