ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباقرة (18)
محمد زحايكة | فلسطين
الراحل د. صائب عريقات.. شخصية فذة لا تملك إلا أن تحبها أو تحترمها حتى لو اختلفت معها
من أجمل الشخصيات روحا وتواضعا جما التي عرفها الصاحب الراحل د. صائب عريقات التي تصادف ذكرى رحيله الأربعين هذه الأيام.. وهو من أبرز الشخصيات الفلسطينية في التعاطي الجميل والذكي مع الصحفيين ووسائل الإعلام ولا يتحرج من أي سؤال.. بل يتلقاه أحيانا بابتسامة الخبير والعارف والواثق.
ولا يذكر الصاحب مرة واحدة أن د. صائب قد كسفه أو تهرب منه لإجراء أية مقابلة مهما كانت ظروفه صعبة أو وقته مضغوطا وإنما يرحب على الدوام ما دام متواجدا في المنطقة ويلتزم بمواعيده الدقيقة التزاما لا تشوبه شائبة.. وما إن تحل على مكتبه حتى يلقاك بابتسامته المحيرة وتواضعه الجم ويخاطبك بأريحية وبندية، بل قد يسألك رأيك في قضية ما أحيانا دون استخفاف أو لا مبالاة.
ومن مواقفه الإنسانية الجميلة أن إحدى وسائل الصحافة الأجنبية التي يعمل معها الصاحب أرادت مرة أن تتجاوزه في الحصول على مستندات مهمة بالتواصل مع د. عريقات مباشرة.. فما كان منه إلا أن أخبرهم بأن أي شيء يريدون الحصول عليه يجب أن يمر من خلال الصاحب أولا.. فلتنظروا إلى هذه النوعية من المواقف التي تحترم الصحفي الفلسطيني وتجله وتمنحه اعتباره ودوره وقيمته في المعادلة الإعلامية ليس المحلية فقط وإنما الدولية؛ بل ووصلت طبيعة العلاقة الودية والودودة معه أنه أبلغ الصاحب مباشرة ذات مرة إذا بالإمكان تأمين ولو وظيفة جزئية لأحد المعارف والأقارب مع محطة إعلامية أجنبية من خلال الصاحب بعد أن نصح د. صائب الصاحب نصيحة ذهبية بالمحافظة على وظيفته في هذه الوسيلة الإعلامية العالمية ما أمكنه ذلك لأهمية هذا المنبر أولا وحتى لا يعاني الصاحب من ظلم ذوي القربى في حالة احتاج العمل معهم.. وكان ذلك قبل أن يصبح الراحل رئيسا لدائرة المفاوضات الفلسطينية .
وحافظ الراحل عريقات على علاقته الودية مع جميع الأطياف الفلسطينية والعربية وبنى علاقات متينة مع رجال الإعلام الذين تعامل معهم بمصداقية وندية وانفتاح واحترام متبادل .
وقبل رحيله بسنوات قليلة استضفناه في نادي الصحافة والدار الثقافية في القدس أكثر من مرة وكان يلبي دعوتنا بكل سرور. وبعد انتهاء اللقاء الرسمي نأخذ زاوية ونجلس نتبادل معه أطراف الحديث بكل ود وتفهم ومحبة لدرجة أنه في أحد هذه اللقاءات وكانت في الدار الثقافية نظر إلى الصاحب بابتسامته المعهودة.. وتساءل: يا ترى أيها الصاحب كم مضى من السنين على تعارفنا.. وهل تذكر ذاك وذاك من المواقف.. والصاحب يستمع مشدوها له على دقة معلوماته وقوة ذاكرته.. ويتعجب من هذه العقلية الفذة ومن هذا القلب المترع بالمحبة والإنسانية لجميع من عرفهم بغض النظر عن مواقعهم في الحياة .
د. صائب عريقات كنا نمازحه أحيانا بأنه د. مصائب أو مصاعب على جماعة شلومو فكان يضحك ويقول.. أرجو أن لا يكون قصدكم أنني مصائب عليكم!! َكما روى لي الأسير المحرر علي جدة مرة أنه زاره في بيته أو مكتبه وفرح جدا عندما خاطبه قائلا: ازيك يا “أبو علي” رافعا الكلفة تماما واعتبرها جدة دليل محبة واحترام وتقدير للرفاق والمناضلين القدامى.
شخصية د. عريقات شخصية فذة.. مليئة بالمشاعر الإنسانية الحية والجياشة والنابضة بالمحبة.. وهي ذات قدرات ومهارات لا يمكن التنكر لها.. شخصية ودودة محبة وعطوفة وقادرة على تحمل الكثير في سبيل المساهمة في تخليص شعبها من داء الاحتلال البغيض.. ولكن الظروف التي عمل فيها كانت مجافية.. والمؤامرة كبيرة.
ورغم كل هذه المصاعب.. بقى متيقظا شديد المراس مؤمنا بأن الحياة مفاوضات دون إغفال الجانب الكفاحي رغم أن الظروف كانت شبه مستحيلة وغير مواتية على الإطلاق .
لتبقى ذكرى د. صائب عريقات حية في ضمير أمته وشعبه.. وعلينا احترام هذه الذكرى سواء كنا متفقين أو مختلفين مع نهجه في الحياة والكفاح. لروحه المجد والخلود.