مصطفى جمال الدين.. شاعر الفقهاء وفقيه الشعراء
فاضل الغزي | العراق
ولد الأديب مصطفى جمال الدين في قرية المؤمنين بقضاء سوق الشيوخ عام 1926 وتوفي في دمشق عام 1996م . وهو فقيه وشاعر وكاتب. تخرج في كلية الفقه في النجف عام 1962 متخصصا في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، ثم حصل على شهادة الماجستير في موضوع ” الشريعة الإسلامية، ببحثه الموسوم (القياس حقيقته وحجيته) عام 1973م. ثم الدكتوراه في اللغة العربية في موضوعه الموسوم (البحث النحوي عند الأصوليين) . عمل أستاذا في جامعة بغداد كلية الآداب وفي كلية الفقه بالنجف، واُختير عميداً لجمعية الرابطة الأدبية في النجف ورئيس تحرير مجلتي الرابطة وكلية الفقه. وله مؤلفات عديدة منها :
(القياس حقيقته وحجيته ـ رسالة ماجستير/ الاستحسان حقيقته ومعناه / البحث النحوي عند الأصوليين ـ رسالة دكتوراه/ الانتفاع بالعين المرهونة ـ بحث فقهي / الإيقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة / محنة الأهوار والصمت العربي)؛ بالإضافة إلى دواوين شعرية منها: (عيناك واللحن القديم / الديوان)
مختارات من شعره:
قصيدته المشهورة (بغداد) وهي من اروع القصائد التي نظمت حول بغداد
بغداد ما اشتبكت عليكِ الأعصرُ
إلا ذوت و وريق عمرك أخضرُ
///
مرّت بك الدنيا وصبحك مشمسٌ
ودجت عليك ووجه ليلك مقمرُ
///
وقست عليك الحادثات فراعها
أن احتمالك من أذاها أكبر
///
حتى إذا جُنت سياط عذابها
راحت مواقعها الكريمة تسخرُ
///
فكأن كِبركِ اذ يسومك تيمرٌ
عنتاً – دلالُك إذ يضمك جعفرُ
///
وكأن نومك اذ اصيلك هامدٌ
سِنةٌ على الصبح المرفه تخطرُ
///
وكأن عيدك بعد ألف محولةٍ
عيدُ افتتاحك وهو غض مثمرُ
///
لله انت فأي سرٍّ خالدٍ
أن تسمني وغذاء روحك يُضمرُ
///
إن تشبعي جوعاً وصدرك ناهدٌ
أو تظلمي أُفقاً وفكرك نيرُ
///
بغداد بالسحر المُندى بالشذى
الفواح من حلل الصبا يتقطرُ
///
بالشاطئ المسحور يحضنه الدجى
فيكاد من حُرقِ الهوى يتنورُ
///
وإذا تهدَّج بالرصافة صوتهُ
جفلت بمصر على صداه الاقصرُ
///
والآن يا بغداد يأزف موعدٌ
لك في الخلود قلوبه تتنطرُ
///
مِن كل مَنْ اعطاك غضّ شبابه
ومضى بذابل عمرهِ يتعثرُ
///
يترقبونك: والطريق أمامهم
جهم المسارب ضيقٌ مُستوعرُ
///
يبس الزمان وهم على أطرافه
عذب بما تَعدينه مُخضوضرُ
///
فتعهدي ما يأملون وانعشي
لقياهم فهم بمجدك أجدرُ
///
رفعوكِ من قطع القلوب وحقهم
منك الوفاء لهم بما هو أكثرُ
^^^^
وله قصيدة رائعة مخاطباً الإمام أبا عبد الله الحسين (ع):
ذكراك، تنطفئ السنين وتغرب
ولها على كف الخلود تلهب
///
لا الظلم يلوي من طماح ضرامها
أبدا، ولا حقد الضمائر يحجب
///
ذكرى البطولة، ليلها كنهارها
ضاح تؤج به الدماء وتلهب
///
ذكرى العقيدة، لم ينؤ متن لها
بالحادثات، ولم يخنها منكب
///
ذكرى الاباء، يرى المنية ماؤها
أصفى من النبع العذوب وأعذب
///
ذكراك مدرسة الذين تعرضوا
للسوط، يحكم في الشعوب، فأرعبوا
///
ومحجة الشهداء يخشاهم، وهم
صرعى به السيف اللئيم ويرهب
///
مولاي…درب الخالدين منور
بالذكريات الغر، سمح، مخصب
///
تهفو لروعته المنى، لكنه
مما يحيط به الفجائع، متعب
///
ايها أبا الأحرار أي كريمة
تبني الخلود، وليس منك لها أب
///
أنت الذي أعطيت ما أعيا الورى
تصديقه، ووهبت ما لايوهب
///
وقفت حيث أراح غيرك نفسه
والحق بينكما يهيب ويرغب
///
فصمدت للتيار تشمخ هادرا
سيان أغلب موجه أو يغلب
///
دوى بآذان الزمان هديرك الصافي
وضاءت من سناه الأحقب
///
ومشت، على مهج السعير، قوافل
الأحرار تكرع من لظاه، وتطرب
///
جئت الضحايا من بنيك تريهم
أن الحقوق بمثل ذلك تطلب
///
مولاي أنت لكل جيل صاعد
قبس ينير له السرى ويحبب
///
ولأنت إن زلت به قدم الهوى
صوت الضمير يرده ويؤنب
///
ولنا بيومك، وهو في أقصى المدى
كف ملوحة، وعين ترقب
///
وعلام نياس من هداية فتية
تخذتك رائدها الذي لا يكذب
///
أنا لست شيعيا لأن على فمي
ذكرى الحسين، أعيد فيه وأطنب
///
ولأن في قلبي عصارة لوعة
لأساه تذكرها العيون فتسكب
///
ولأن أمي أرضعتني حبه
ولأنه لأبي وجدي مذهب
///
لكنني أهوى الحسين، لأنه
للساكنين طريق خير أرحب
///
وأحبه لعقيدة يفنى لها
إن ديس جانبها، دين يغضب
///
ودم يريق، لأنه يغذو به
جوع الضمائر، إذا تجف فتجدب
///
أأكون شيعته، وقد أخذ الهوى
قلبي بغير طريقه يتنكب
///
وأكون شيعته، إذا لاقيته
وأنا لروح (يزيد) منه أقرب
///
مولاي، يومك لا يزال كأمسه
في الدهر ريان الضحى يتلهب
///
يزهو بغرته الأصيل، وينتشي
بجلال ما وهب الشروق المغرب
///
فدماً أرقت، كأنه من جده
الآن يعطر في الثرى ويخضب
///
وكأن حقا قد نصرت، وباطلا
يهوي… وأحقاد عليك تألب
///
وكأن قوما أسلموك بليلة
عسرى، وانقلبوا عليك فكذبوا
///
عادت بقيتهم، تبارك ما جنى
جان، وتصقل ما افترى وتهذب
///
أما الذين خبرتهم يوم التقى
من حولكم رهج القنا يتأشب
///
فوجدت فيهم كل(أشوس)يزدهي
أن الرماح لنهبه تترقب
///
فهم الذين توارثوك رسالة
تجري على جذب السنين فتخصب
///
وهم الذين جريت فيهم ثورة
بيضاء، تثبت للرياح وتصلب
///
وعقيدة تزهو بأن معينها
هيهات يفتر نبعه أو ينضب
^^^^
من قصيدته الموسومة(يقظان):
نبئوني يا مَنْ برفحاءَ بانوا
كيف يغفو بليْلِها اليقظانُ
///
كيف هزَّتْ عواصفُ الرملِ مهداً
ضجرتْ من بكائهِ الأوطانُ
///
ضاقَ فيه حضنُ الفراتين ذرعاً
فتلقتهُ هذه الكثبانُ
///
فرشتْ جمرَها لهُ مُهَجُ البيدِ
وجادتْ بشوكها السعدانُ
///
وتولتْهُ بالرضاعةِ أثداءُ السوافي
وهدهدتهُ الرِعانُ
///
ثم غطاهُ من لظى القيظِ لفحٌ
أريحيٌّ يغارُ منه الحنانُ
///
فاستنامتْ في (نجد) كالذئبِ إحدى مقلتيهِ
وفي العراقِ الجَنانُ
///
وهنيئاً لحاضني (القائدِ الرمزِ !)
وما يحضنون، هذا الرهانُ
///
نامَ أطفالُهُمْ لديهِ .. وغصَّتْ
ببقايا أطفالنا الوديانُ
///
غير أنا على الصحارى وما هُنّا
وهُمْ في ذرى القصورِ وهانوا
///
يا وليدَ الصحراءِ لا تعرفُ الصحراءُ
عوداً يلويهِ رخواً بَنانُ
///
كُنْ – كما أرتجيكَ – عودَ قناةٍ
يتمنى لو يعتليهِ سِنانُ
///
إنَّ يوماً ولِدْتَ فيهِ لَيومٌ
نسيتْ فيه نفسَها الأزمانُ
///
ضاع تأريخُهُ القريبُ، وشبَّتْ
في حنايا خمودِهِ النيرانُ
///
فتناسى المُدِلُّ بالرعبِ: أنَّ النارَ
في كفِّ جاحميهِ دخانُ
///
وبانَّ (الحزبَ) الذي كان جيشاً
يرعبُ الناسَ هَولُهُ اُلْعُبانُ
///
والزعيمَ الذي حشَرنا (حمورابي)
بتمثالِهِ العظيمِ، جَبانُ
///
وبأن الشعبَ الذي كان يوماً
مرتعَ الشكِ، كلُّهُ إيمانُ
///
ثارَ زحفاً يحطمُ الخوفَ حتى
لم يعُدْ فيهِ للقيودِ مكانُ
///
( كربلاآتُهُ ) تناستْ مآسيها
وغطى (عاشورَها) شعبانُ
///
وانتمآتُهُ لأيامِ (بدرٍ)
لم يبددْ أحسابَها (نيسانُ)
///
يا وليدَ الصحراءِ ذكِّرْ بني قومِكَ:
أنَّ العراقَ كانَ … وكانوا …..
///
وسيبقى غيرُ الفراتيْنِ لم يصنعْ عراقاً،
وليخسىءِ النسيانُ
///
كيف غالوا دمَ (الشعيبةِ) و (العشرينَ )
و(الكوتَ) واستباحوا وخانوا
///
كيف تظما بنتُ (الرُمَيثةِ) في نجدٍ،
وتُسقى فراتَها الذؤبانُ
///
كيف جاءتْ بنو تميمٍ من (الهندِ)،
وهلَّتْ من ( مكةَ ) التركمانُ !
///
كيف يُنمى الى (عليٍّ) فتىً يأباهُ،
من لؤمِ عنصرٍ ( مروانُ ) !
///
وليقلْ ما يريدُ، ولينشرِ الإعلامُ
ما شاءَ بَثهُ السلطانُ
///
فسيأتي يومٌ بهِ ينطقُ الحقُّ بليغاً
ويخرسُ الخيزرانُ
///
وستنشقُّ عن بنيها بطونُ الأرضِ
والغادرونَ كانوا فبانوا
///
وبِ (سوقِ الشيوخِ) لا رملِ (رفحا)
من جديدٍ سيولَدُ (اليقظانُ )
///
وسترتدُّ كلُّ شاخصةٍ خجلى
وتبقى لأهلها (بغدانُ)
^^^^
وله قصيدة في العيد:
يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ
تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبـا
///
يا عيدُ عُدنْـا أعِدْنا للذي فرِحَتْ
به الصغيراتُ من أحلامنا فخبـا
///
مَنْ غيّبَ الضحكةَ البيضاءَ من غَدِنا
مَنْ فَـرَّ بالفرحِ السهرانِ مَنْ هَربَا
///
لم يبقَ من عيدنا إلا الذي تَرَكَتْ
لنا يـداهُ ومـا أعطى وما وَهَبـا
///
من ذكرياتٍ أقَمنا العُمرَ نَعصِرُها
فما شربنا ولا داعي المُنى شَرِبـا
///
يا عيدُ هَلاّ تَذَكرتَ الذي أخَـذَتْ
منّا الليالي وما من كأسِنا انسَكَبا
///
وهل تَذَكَّرتَ أطفالاً مباهِجُهُـم
يا عيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا
///
هَلاّ تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمـسِ تملؤُهُ
بِشْراً إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟ قد ذَهَبا