لبنان و ” فناء القطيع “

توفيق شومان | مفكر لبناني

مختصر نظرية ” مناعة القطيع” أن الحياة للأقوى وللأشد مناعة وصحة.
لا فرق في نظرية ” مناعة القطيع ” بين شديدي المناعة شبانا وكهولا وعجزة، وكذلك الحال بين ضعيفي المناعة ، والفئة العمرية ليست هي القاعدة في هذه النظرية ، وإن كانت الفئة الشابة وفقا لطبيعة الحياة البشرية هي الأشد مناعة وأوفر صحة ، فجوهر النظرية : دعوا ضعفاء الصحة والبنية يموتون ، ودعوا الأقوياء يعيشون ويتنعمون .
ما علاقة هذه النظرية بلبنان ؟
قبل الإجابة : لنحفظ جيدا جوهر نظرية ” مناعة القطيع ” : يعيش القوي ويموت الضعيف.
بعد الإنهيارالمالي و الإقتصادي الذي أنتجه فساد الطبقة الحاكمة في لبنان، راح مسؤولون سياسيون وقياديون لبنانيون يحملون الشعب اللبناني مسؤولية ما جرى من بلاء واهتراء وانهيار، كيف ذلك ؟
بحسب أغلب أهل السياسة، الشعب اللبناني اعتاد العيش الرغيد ، ولذلك يجب إعادة ” قطيع الشعب ” إلى شظف العيش وضيقه وبؤسه .
كأن الشعب نهب أهل السياسة، وأهل السياسة يريدون استعادة الأموال المنهوبة من الشعب الناهب!!!. ولذلك يعملون على تأديب الشعب، وإعادة ” تربيته ” من جديد، وترويضه وإرجاعه إلى حظائر العوز والفقر .
من القوي هنا ؟ أهل السياسة
من الضعيف هنا ؟ الشعب اللبناني .
ما الفرق بين أن يُترك المريض لموته ويُترك الشعب لبؤسه وفقره ؟
مثال آخر عن نظرية ” مناعة القطيع ” اللبنانية وتطبيقاتها :
كثير من اللبنانيين ادخروا في المصارف حصاد أعمارهم ، وفي ليلة بلا قمر ، سطت الدولة العميقة المصرفية ـ السياسية على مدخرات الناس ، قمعتهم وأذلتهم وأبكتهم وأشحذتهم .
هل اقتربت الدولة العميقة من إيداعات السياسيين الفاسدين؟ ثمة إجماع من الشعب اللبناني أن الدولة العميقة لم تقترب من إيداعات السياسيين الفاسدين.
من القوي ومن الضعيف في هذه المعادلة؟
هذا مثال ثالث :
نصف الشعب اللبناني ، أو أقل بقليل ، أو أكثر ، قضى نصف عمره أو ربعه في المهاجر ، افترش العراء أو عاش سوء الدهر وتعاسته في سنوات الهجرة الأولى ، وربما عاش لسنوات تحت ظلال الدعاء : ” اللهم اعطنا خبزنا كفاف يومنا ” ، وبعدما ” انفرجت ” الأحوال و ” انفتحت ” الأشغال أمامه ، كان قد بلغ من العمر عتيا ، فحمل على ظهره آلامه وأمواله ، وولى وجهه شطر وطنه الأول ، وحين عاد إلى لبنان قيل له : آلامك لك وأموالك لنا!!.
من قال له ذلك؟
قال له ذلك أهل السياسة وأهل المصارف .
من هم هؤلاء؟ هم الأقوياء ؟
ومن هو ” أيوب الآلام ” ؟ هو اللبناني الضعيف المهاجر
هذا مثال رابع :
في لبنان المقيم أو في لبنان المغترب ، من النادر أن يوجد لبناني لا يعمل أقل من عشر ساعات أو لا يعمل عملين ، وكثير من اللبنانيين يعملون 12ساعة وما فوق ، وطموحاتهم جراء ذلك ، أن يسكنوا دارا فسيحة ، ويترغدون في نهاية الأسبوع مع عائلاتهم ، جاء أهل السياسة بعدما طغوا وأفسدوا في الأرض ، ليقولوا للبنانيين : لا يحق لأحدكم أن يملك دارا رحبة ، ولا أن يتنعم أحدكم يوما في أسبوع أو يوما في شهر ، فالدور الفسيحة والرحبة حكر على الكبار ومن يدور حول دور الكبار .
من هو الكبير ؟ القوي من أهل السياسة .
من هو الممنوع من سكن الدار الواسعة ؟ اللبناني الضعيف.
هذا مثال خامس:
كل أسعار المواد الغذائية غدت كتلة من نار ولهب ، ليس بمقدور أغلب اللبنانيين الإقتراب منها ، وإن اقتربوا وكان لهم قدرة في الشراء ، فحظهم منها قليل ، من الحبوب إلى الخضار ، ومن الفواكه إلى اللحوم ، وبات الشح والتقتير في تموين لائحة مشتريات الأسبوع أو الشهر نمط عيش مذل ، يدفع الكثيرين إلى التسول المذل أو انتظار الإعاشة المذلة ، فيما الجوع الأذل ، بات يطرق الأبواب وحاملا معه مقولة الدهر اللعين : يأكل القوي ويجوع الضعيف .
من القوي الذي لا يقلق على مأكل ومشرب ؟ اغلب أهل السياسة
ومن الضعيف الذي يقلقه الجوع ؟ الشعب اللبناني .
هذا مثال أخير :
كل ما يقال عن أزمة مالية ـ اقتصادية في لبنان ، غير صحيح ، وغير صحيح بالمطلق ، الأزمة في لبنان هي أزمة سياسية قبل أن تكون أي شيء آخر ، والأزمة السياسية هي أزمة فساد أخلاقي في كيفية إدارة الدولة ، وهذا يعني بأن الأزمة المالية ـ الإقتصادية ليست إلا مظاهر وتعبيرات عن أزمة الفساد السياسي التي نجم عنها البؤس والإنهيار والإفلاس .
من سيدفع أوزار وأثمان الإفلاس والإنهيار ؟
الشعب اللبناني سيدفع أثمان الإفلاس
كيف ؟ من خلال اقتطاع الإيداعات المصرفية ، وانخفاض قيمة الرواتب ، وارتفاع أسعار الغذاء والكساء والدواء ، وتدني مستوى العيش ، وفقدان الوظائف وتقلص الأعمال وانكماش الأشغال.
هل الشعب اللبناني هو الذي أفلس الدولة ؟
لا… السياسيون أفلسوا الدولة
ولماذا يدفع الشعب أثمانا لكارثة لا قبضة ريح له فيها ؟
يدفع الشعب اللبناني أثمان الكارثة لأنه ضعيف
ولا يدفع أهل السياسة أثمان ما اقترفوه لأنهم أقوياء .
أوليست الحياة للأقوياء والموت للضعفاء كما تقول نظرية ” مناعة القطيع ” ، أوليس رغد العيش للأقوياء وبؤس العيش للضعفاء ، كما تقول أيضا ، بوجهها الآخر نظرية ” مناعة القطيع “؟…
حين يُترك اللبنانيون لمصير بؤسهم وفقرهم ، ألا يعني ذلك تطبيق لقواعد وجوانب من نظرية ” فناء القطيع ” ؟ وإذا لم تكن وقائع ما يجري غير خاضعة لنظرية ” فناء القطيع” فأي إسم لها وأي مسمى ؟.
عشتم وعاش لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى