فكرة الدولة الواحدة.. مشروع إفلاس، وخيال نعاس
بقلم : عصري فياض
في الوقت التي تقتل “اسرائيل” فكرة حل الدولتين يومياً بممارساتها التعسفية،وتهوديها للأرض والمقدسات باطلاق حملات الاستيطان المسعورة وتوسيع سياسات القتل والعزل وتضييق الحصار وتغيير الواقع على الارض،يخرج علينا السيد محمد دحلان رئيس تيار الاصلاح في حركة فتح في لقاء متلفز،فيطالب في طرح مشروع حل الدولة الواحدة كحل بديل عن حل الدولتين،وهو بذلك يعيد طرح مشروع طالب به وكتب عنه كثير من القيادات والكوادر الفلسطينية في السنوات الماضية، وجوهر هذا المشروع يقوم على أن تكون كل فلسطين التاريخية وطنا لليهود والفلسطينيين في دولة ديمقراطية بحقوق متساوية.وهو في نفس اللقاء عبر عن شعوره ان الحكومة الاسرائيلية الحالية لا يمكن ان توافق على مثل هكذا حل.
وبرأيي أن المسألة تتطلب من الشعب الفلسطيني الكثير من التعمق في الاطلاع على مثل هكذا أفكار،والوقوف عندها،ومن ثمة اتخاذ الموقف منها،لذلك لا بد من طرح وتبيان هذه النقاط الخاصة بمشروع الدولة الواحدة والتي تتلخص فيما يلي:-
أولا :- مشروع الدولة الواحدة يجيء بعد فشل اوسلو وترنح او موت مشروع حل الدولتين،بمعنى أنه طرح تسوية بعد ثلاثة عقود من التفاوض الاجوف الفاشل،وبالتالي هو محطة في الطريق الطويل الذي لم يجني للشعب الفلسطيني الا الانقسام وضياع المزيد من الارض وزيادة وتعاظم المعاناة.
ثانيا :- فكرة جمع الفلسطينيين كل الفلسطينيين في الوطن والشتات (الاربعة عشر مليونا) في فلسطين التاريخية إلى جانب المحتلين (السبعة ملايين)،واعتماد الديمقراطية في فلسطين ” الجديدة “،يعني انتحار المشروع الصهيوني (انتحار ديمغرافي)،وبالتالي لن تقبل به “اسرائيل”،ولا الويلات المتحدة الامريكية ولا العالم الغربي الداعم “لاسرائيل”،إلا إذا كان المنظرون لهذا المشروع يريدون تقزيمه،وقصقصة أركانه ليكون على القياس “الاسرائيلي”،بمعني تحقيق عودة رمزية للاجئين،والاحتفاظ بإمتيازات ليهودية الدولة الجديدة،بعد ممارسة ضغط عليها من قبل المجتمع الدولي والعالم.
ثالثا :- إن الشعب الفلسطيني لن يقبل ولن يرضى بعد شلال التضحيات والمرارة والتشريد والنضال والمقاومة ان ينتهي به الامر لاستيعاب محتل أرضه ومغتصب حقوقه ومعذبه على طول اكثر من سبعة عقود،ومشاركته أرضه وسماءه وبره وبحره،بداعي التوصل لحل سياسي وتسووي للقضية الفلسطينية.
رابعا :- في الوقت التي يعاد طرح حل الدولة الواحدة من منظور البحث عن حل سياسي للقضية الفلسطينية،هناك تحول دراماتيكي في الساحة الفلسطينية لجهة انبعاث ثورة شبابية هدفها اعادة الثورة الفلسطينية إلى اصولها بعدما أصبحت القيادات الفلسطينية بمعظمها من الماضي الفاشل،بل المهين لنضال شعب فلسطين،هذه الثورة الجديدة ستقلب كثير من المفاهيم على الارض،وستأخذ برياحها كل دعاة التسويات الهزيلة والكاذبة،وتتمسك بالبندقية كسبيل وحيد وأوحد لحل الصراع،ففلسطين في وجدان اجيالها الجديدة هي لهم وحدهم من النهر إلى البحر،ولا يمكن أن يقبل بمشاركته فيها شعب آخر،خاصة الصهاينة.
خامسا :- هذا الطرح يأتي ممن أن يقبلوا بالتعايش مع اليهود على أرض فلسطين،وهم قلة مهمشون،وجدان الشعب في واد وهم في واد آخر،لان الغالبية العظمى من شعب فلسطين والشعوب العربية والإسلامية لن تقبل أو ترضى بان تتعايش مع هؤلاء،لا انسانيا ولا دينيا ولا ثقافيا ولا اجتماعيا ولا اقتصاديا،ولا أقول هذا تطرفا،بل هو حقيقة يؤكدها التاريخ،فمتى عاش اليهود مع مجتمعات أخرى،ولم تحدث هذا التعايش سلاما واستقرارا معهم؟؟على العكس تماما كلّ تجارب التعايش مع اليهود انتهت بحروب وكوارث لهم ولمتعايشين معهم،والتاريخ شاهد على ذلك،وهم ايضا شهود بتصرفاتهم،وأهدافهم التي يسعون لتحقيقها وهي دولة يهودية صافية،سواء كانت على مستوى فلسطين،او على مستوى الحلم اليهودي من النيل الى الفرات.
سادسا:- مبعث هذا الطرح المتجدد له علاقة بخلفيّة الدولة التي يستند لها الطارحون،فمثلا الامارات التي تحتضن السيد دحلان،اكثر الدول العربية ارتماء في الحضن ” الاسرائيلي”،وبالرغم من ان التطبيع الظاهر بين الدولتين جديدا،إلا انها الدولة العربية الاكثر تعاونا مع ” اسرائيل” سياسيا وثقافيا واقتصاديا وحتى عسكريا،والكذبة والادعاء باستقلال القرار الوطني الفلسطيني كذبة لم تدم في تاريخ نضال شعبنا وثورته،فقد كانت كبيرة في وجه القيادة السورية في الثمانينات،ومبررة وصامتة امام الانظمة المصرية والأردنية والسعودية،فما بالكم بالاماراتي؟؟
سابعا :– ” الاسرائيلي” لا يبحث عن حل،وانتم من فاوضه سنوات وعقود أكثر من يعرف،فلماذا تصرُّون على إدخال شعبنا بمتاهات وخيالات لا تغني ولا تسمن من جوع.
في الختام،أقول يبدوا ان القيادات الفلسطينية خاصة في منظمة التحرير الفلسطيني لم تعي بعد التغيير الحاصل على الساحة الفلسطينية لجهة إنبعاث ثورة شبابية جديدة كفرت بكل التسويات،وتعمل على إعادة المفاهيم الاولى من تحرير كامل وعودة كاملة ووطن واحد للفلسطينيين وحدهم من النهر الى البحر بوسيلة المقاومة،وهي بذلك تتساوي مع التغيرات التي تحدث في المنطقة ممثلة ببروز محور المقاومة وتتوازى معه،وتتناغم ايضا مع التغيرات الدولية التي تظهر كل يوم تراجع القطبية الواحدة التي كانت تمثلها الولايات المتحدة الامريكية والغرب،الداعمين “لاسرائيل”،وظهور اقطاب جديدة في العالم مثل روسيا والصين ومعهم ايران ودول اخرى وهم داعمون للحق الفلسطيني بوضوح وجلاء،اما العودة لطرح أفكار ومشاريع من تحت مشاريع التسويات البائدة،فما هو إلا نوع من الافلاس السياسي،وخيالات وتأملات في لحظة ما قبل النوم.