عام على القتال في أوكرانيا
بقلم: سعيد مضيه
فضلت روسيا التسوية السلمية..ولكن..
كتب سكوت ريتير في مقالته المنشورة بمجلة كونسورتيوم نيوز الإليكترونية في 11 يناير / كانون ثاني بعنوان “رؤية اكرانيا لعام 2023”.: “ظهرت منظومة حقائق تشير الى ان رد الروس بحرب وقائية دفاعا عن النفس بموجب المادة 51 لميثاق الأمم المتحدة قد تستحق النظر… ببساطة، كان الخط البياني لديبلوماسية روسيا تجنب الصدام . ولا يمكن القول ان نفس الخط اتبعته أكرانيا او الشركاء في الغرب”. يثبت هذا القول مصداقية بوتين ، إذ ردد مرارا :” لم يتركوا لنا سيلا آخر غير ما أقدمنا عليه”. ورغم ذلك ، كان ممكنا وقف الحرب بتسوية سلمية في محادثات الأستانة لولا تدخل بوريس جونسون مبعوثا من حلف الأطلسي؛ قطعت المحادثات. ه
تقترب الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأكرانيا، في الحقيقة أن أكرانيا أرادت أن تجعل من الصدام عاملا معنويا وبقدر أقل انتصارا عسكريا . من رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الى مدير السي آي إيه معظم المسئولين في الاستخبارات والعسكرتاريا في الغرب قدروا في بداية الأعمال الحربية ان الهجوم الروسي ضد أكرانيا سوف يسفر عن نصر روسي حاسم.
صمود الجيش الأوكراني ومقاومته أذهلت الجميع ، بمن فيهم الروس ، الذين اثبتت خطتهم الحربية الأولى ، والقوى المجندة للمهمة عدم كفايتهما لإنجاز المهمة. لكن تصور نصر اكراني كان خادعا
اعترافات
سوف يهدأ الغبار فوق ميادين القتال. برز نمط مختص بالرؤية الاستراتيجية للقرار الروسي بغزو اكرانيا ؛ وبينما تتواصل الروايات الرئيسة من جانب الغرب لدمغ التصرف الروسي عدوانا بدون استفزاز، فقد “ظهرت منظومة حقائق تشير الى ان رد الروس حول حرب وقائية دفاعا عن النفس بموجب المادة 51 لميثاق الأمم المتحدة قد تستحق النظر”.
فقد بينت الاعترافات الصادرة عن مسئولين في غرب اوروبا كانوا يتولون السلطة أثناء توقيع اتفاق مينسك عامي 2014 و2015 ، (الرئسي الفرنسي السابق فرانسوا هولاند والرئيس الاكراني السابق بيترو بوروشينكو والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل) ان الهدف من اتفاقي مينسك كان اكذوبة إذ ادعى التوصل الى تسوية سلمية للنزاع في الدونباس الذي انفجر بعد الانقلاب عام 2014 بين حكومة اكرانيا والانفصاليين الموالين لروسيا. والصحيح ان اتفاقي مينسك، كما صرح الثلاثي، لم يكن غير وسيلة لكسب الوقت لاستكمال تسلح الجيش الأوكراني بمساعدة حلف الأطلسي، بحيث يتمكن من أخضاع الدونباس وطرد روسيا من القرم.
في ضوء اعترافات الثلاثي فإن تأسيس قدرة تدريب دائمة من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو في غربي أكرانيا – والتي دربت حوالي 30000 جندي خلال الفترة ما بين 2015 و2022 ليصلوا مستوى الناتو لغرض أوحد هو مواجهة روسيا شرقي اكرانيا – قضية تستحق نظرة شاملة حين قرر الروس غزو أكرنيا: أقرار من جانب أكرانيا وفرنسا وألمانيا بالهدف غير المعلن في حينه، الى جانب تكرار الروس إصرارهم على التطبيق التام لاتفاقي مينسك قبل 24 فبراير / شباط 2022 .
في العام 2008 حذر ويليام بيرنز ، وكان سفيرا للولايات المتحدة في روسيا ، وحاليا مدير السي آي إيه، من أن اي جهد يقوم به الناتو لوضع أكرنيا في حظيرته سوف تنظر اليه روسيا تهديدا لأمنها الوطني ، وإذا ما نفذ سوف يستدعي التدخل العسكري من جانب روسيا[تأكيد الكاتب]. ذلك التعميم من جانب بيرنز يوفر السياق الملح لمبادرات 17 ديسمبر / كانون أول 2021 التي تقدم بها الروس والداعية لتشكيل شبكة امن اوروبية من شأنها ان تبقي أكرانيا خارج الناتو.
ببساطة ، كان الخط البياني لديبلوماسية روسيا تجنب الصدام . ولا يمكن القول ان نفس الخط اتبعته أكرانيا او الشركاء في الغرب؛ فقد اتبعوا سياسة توسع الناتو مرتبطة بقرار أزمة الدونباس – القرم بالوسائل العسكرية.
من يغير ىللعبة، لا يكسب اللعبة
كان رد فعل حكومة روسيا على الفشل العسكري في بداية الحرب إلحاق الهزيمة بأكرانيا ينبئ عن بصيرة هامة في تفكير القيادة الروسية المتعلق بأهدافها وغايتها. يبدو أن الروس ، وقد تعذر تحقيق الانتصار الحاسم ، كانوا مستعدين لقبول نتيجة تقصر مكاسبهم الإقليمية على الدونباس والقرم مع اتفاق مع اكرنيا بان لا تنضم الى حلف الناتو. وبالفعل كانت روسيا واكرانيا على وشك التوصل الى اتفاق وفق هذه الخطوط في المفاوضات التي تقرر إجرؤها في استنبول في إبريل/ نيسان 2022.
على كل حال ، تم قطع هذه المفاوضات إثر تدخل رئيس وزراء بريطانيا ، بوريس جونسون، الذي ربط استمرار تزويد أكرانيا بالمساعدات العسكرية اكرانيا في فرض نهاية للصدام في ميدان القتال ، بدل المفاوضات . كان حافز تدخل جونسون تقدير حلف الناتو ان انتكاسات الجيش الروسي فيبداية الحرب تنم عن ضعف عام في روسيا.
ادت هذه السياسة الى حقن ما يبلغ مائة مليار دولار من المعونات الى أكرنيا ، خصصت عشرات الميارات منها أثمان معدات عسكرية متطورة.
هذا الدعم الضخم من المعوانات أحدث تغييرا في اللعبة ، سمح لأكرانيا الانتقال من حالة دفاع عسكري الى حالة يرى المرء اكرانيا وقد أعادت قوتها العسكرية ، تدريبا، شن هجمات مضادة ضخمة نجحت في إرجاع القوات الروسية من مناطق أكرانية شاسعة. لم تكن، على كل حال ، لعية استراتيجية فوز – بعيدا عن هذا.
تحققت المنجزات العسكرية بتسهيلات المعونات العسكرية لحلف الناتو، بكلف عالية بالأرواح والمواد. من الصعب التعرف على الخسائر لدى كل طرف لكن هناك اعتراف على نطاق واسع ، حتى بين الحكومة الأكرانية ان خسائر الأكرانيين ثقيلة.
وحيث يوجد استقرار نسبي على خطوط القتال ، فان السؤال الى أين تتجه الحرب تخضع لحساب عسكري- باختصار ،علاقة سببية بين معادلتين أساسيتين تدوران حول وتائر الحريق( مدى سرعة استمرار الخسائر) مقابل وتائر التجديد( مدى سرعة استبدال الخسائر). نتيجة المعادلة في غير صالح الأكرانيين.
لا الناتو ولا الولايات المتحدة تبدوان قادرتين على الاستمرار في تزويد كمية الأسلحة التي تم تسليمها الى أكرانيا، التي مكنت من الهجمات المضادة للروس.
تم تدمير القسم الأكبر من هذه المعدات، ورغم إصرار أكرانيا على حاجتها للمزيد من الدبابات والعربات القتالية المصفحة والمدفعية والدفاعات الجوية ؛ وبينما تبدو واعدة المعونات العسكرية فإنها ستتأخر عن موعد المعركة وبكميات كافية لإحداث نتيجة كسب اللعبة بالمعركة.
فوتائر الخسائر البشرية التي تلحق بأكرانيا بلغت اكثر من الف مقاتل في اليوم ، تفوق بكثير القدرة على التعبئة والتدريب لتعويض الخسائر.
تمضي روسيا في سيرورة استكمال تجنيد 300000 مقاتل يبدون مزودين باكثر نظم الأسلحة تقدما في الترسانة الروسية. ولدى وصول هذه القوات بكامل عدتها الى ميدان القتال ، ربما مع نهاية يناير، فلن يكون بمقدور أكرانيا الرد. هذه الحقيقة القاسية مضافا اليها ضم الروس ما يزيد على 20 بالمائة من أراضي أكرانيا ، وحيث بلغت قيمة البنى التحتية المدمرة تريليون دولار ، فأن ذلك يحمل مستقبلا سيئا لأكرانيا.
يقول مثل روسي قديم: “الروسي يحزم ببطء ، لكنه يمتطي بسرعة” . هكذا تبدو الصورة الظاهرة للصدام الروسي- الأكراني.
اكرانيا وشركاؤها الغربيون يناضلون لإطالة النزاع الذي دشنوه عندما رفضوا تسوية سلمية ممكنة في إبريل/ نيسان 2022؛ وروسيا ، وبعد أن بدات تسير على قدميها الخلفيتين ، أعادت تجميع القوى الى حد كبير ، وتبدو انها تيمم لاستئناف عمليات هجوم على نطاق كبير لا أكرانيا ولا شركاؤها الغربيون يملكون جوابا ملائما عليه .
يضاف لذلك في ضوء التاريخ المزدوج لاتفاقيتي مينسك من غير المحتمل إقناع روسيا بالأساليب الدبلوسية بالتراجع عن شن حملتها العسكرية. والحالة هكذا ، يبدو العام 2023 متشكلا عام مواجهة عنيفة متواصلة تفضي الى نصر روسي حاسم.
كيف تحيل روسيا هذا النصر العسكري تسوية سياسية مستدامة تتجلى في سلام وامن إقليميين ؟ امر يتضح في قادم الأيام.