الأردن جزء من «أرض إسرائيل»
سهيل كيوان | فلسطين
وراء الانقسام في الشارع الإسرائيلي أيديولوجيا ومواقف أساسية عميقة، وليس فقط تشريعات القوانين المزمع سنّها لإضعاف القضاء، خدمة للأهواء السياسية في خدمة الزعيم نتنياهو وحلفائه. هنالك صراع بين من يعتقدون أنَّه لا مفرّ من التوصل إلى حلٍّ مع الفلسطينيين والتعايش معهم بشكل أو بآخر عاجلاً أو آجلاً، ويرون أنّ الفرصة جيّدة ومواتية فلسطينياً وعربياً ودولياً، فالسُّلطة الفلسطينية ضعيفة، والفلسطينيون منقسمون، والعرب مشتتون، والعالم منشغل بمشاكله، ويمكن لإسرائيل فرض شروطها، لأنَّ البديل هو الحروب التي قد تستمر أجيالاً من دون نتيجة، وهؤلاء من أطياف عديدة تطرح مختلف الأفكار، من اليمين إلى الوسط إلى اليسار، ولكنّها لا تتحدث عن طرد مئات آلاف الفلسطينيين إلى شرقي النهر، لأنها تدرك النتائج الكارثية لخطوة كهذه.
وهنالك الجانب المتشدّد أيديولوجياً، الذي يمثّله جزءٌ كبير من حزب الليكود الحاكم وحلفائه، وتيار الصهيونية الدينية، الذي لا يرى أي إمكانية للتعايش مع الفلسطينيين، ويرى أن المعادلة هي إما نحن أو هم! وضع نصب عينيه تكثيف العمل لتخفيض عدد السُّكان غير اليهود بين النهر والبحر بقدر المستطاع، وانتهاز فرصة ظرف دولي أو إقليمي مُؤاتٍ لإجراء عمليات تهجير مكثّفة للعرب إلى شرق الأردن، باعتبار شرق الأردن جزءا من «أرض إسرائيل»، وهذا لا يمكن تطبيقه إلا في اختلاق حالة من الفوضى الشاملة.
يرى «المعتدلون» أنّ هذا التفكير كارثي، لأنه سيضع الأردن مرغماً في مواجهة مع إسرائيل، بعدما عقد معها سلاماً وعلاقات طبيعية وإن كانت باردة شعبياً، وأنّ خطوة كهذه ستجمع شمل العرب من جديد بعد تشتّتهم، وسوف تخرّب العلاقات مع دول عربية أقامت أو تنوي إقامة علاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل، وستنهي الأمل في إقامة حلف إسرائيلي عربي ضد إيران، كذلك فهو يستفزُّ قوى داعمة لإسرائيل بلا شروط، مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول أوروبية كثيرة. اليمين الذي يمثّله الليكود ونتنياهو، لا يختلف جوهرياً عن حزب الصهيونية الدينية الحليف، ولكنّه يعمل على طريقة سياسة الخطوة خطوة، ويأخذ في عين الاعتبار معطيات الواقع المحلي والإقليمي والدولي، خصوصاً موقف الولايات المتحدة.
أما قادة حزب الصهيونية الدينية فهم يسعون لاستعجال تطبيق ما يفكّرون فيه، ومن غير حذر ولا اعتبارات، حتى إن كلّف هذا إسرائيل انتقادات من الولايات المتحدة وحجب مساعدات مالية أو مادية عنها، وتخريب علاقات مع دول عربية تمكن من إقامتها مهندسو السياسة الإسرائيلية، فهم على ثقة بقدرتهم على فرض الأمر الواقع، مثلما فُرض منذ عام 1948 عندما ابتلعت إسرائيل جزءا من المنطقة المقرّرة للدولة الفلسطينية في قرار التقسيم عام 1947، ثم فرض الأمر الواقع بعد عام 1967 في القدس التي أصبحت عاصمة موحدة، وفرض أمر واقع المستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية التي يقطنها حوالي 575 ألف مستوطن، إضافة إلى ضم الجولان الذي اعترفت به الإدارة الأمريكية السابقة.
وبما أنّ الأردن جزءٌ من «أرض إسرائيل» الكاملة توراتيا، فهذا يُغري بدفع الفلسطينيين إلى شرقيِّ النهر، لتغيير الميزان الديموغرافي الحالي بين النهر والبحر، حيث يشكّل العرب حوالي 51% من السكان، هذا يشمل قطاع غزة والضفة الغربية وعرب 48%، بينما يشكّل اليهود حوالي 46%، وهناك 650 ألف مواطن غير مصنّفين، معظمهم وصلوا من الاتحاد السوفييتي السابق.
لهذا يجري تكثيف عمليات الطّرد والاعتداءات المباشرة على السُّكان، أو قطع أسباب معيشتهم وعلاقتهم بالأرض وهدم بيوتهم، وبالتالي تهجيرهم غير المباشر.
يجري تهجيج الفلسطينيين في الأغوار من منطقة إلى أخرى، وحرمانهم من المراعي ومصادرة قطعان الحلال وتطفيشها، إلاّ أن هذا لا يكفي، فالمفروض هو دفع مئات آلاف من العرب إلى الوطن البديل. وجود الأردن ضمن خريطة «أرض إسرائيل»، كما ظهرت في محاضرة لوزير التربية والتعليم بتسلئيل سموتريتش قدّمها في فرنسا، ليس صدفة ولا خطأ عابراً. وهنالك قصيدة لزئيف جابوتينسكي أحد مؤسسي الحركة الصهيونية تقول «للأردن ضفتان، هذه لنا والأخرى كذلك». وهذا ما تؤمن به قطاعات واسعة من الأجيال الصاعدة المتّجهة يميناً. الأردن كوطن بديل للفلسطينيين، هو فكرة قديمة، وهو خيار غير مطروح علناً، ولكنها ليست هفوة عابرة، ويتعلّقُ أمر امتدادها وتعميقها ثم ممارستها بردّ الفعل الأردني الرسمي والشعبي أوّلا، وقدرته على توصيل رسالة قوية وحازمة إلى قادة إسرائيل والمجتمع الدولي.