د. نائل حنون ومشروع مدرسة عراقية في الدراسات الحضارية القديمة

ناجح المعموري | رئيس إتّحاد الأدباء والكتّاب في العراق

أبدأ بالشكر للصديق الناقد باسم عبد الحميد حمودي الذي أثار في مقالته: [ قضيتان في الفكر العراقي القديم ] ملاحظتين حول توصلات كل من د. نائل حنون وقراءة بنامين حداد عن أنكيدو . وإلى الآن أشعر مثل غيري من الأدباء والمثقفين بجدية الناقد باسم عبد الحميد وحرصه للإعلان عن الإنجازات المعرفية الجديدة والتحمس لها . والتعريف بالأسماء التي يحتاج إبداعها تعريفاً. وسأجعل من مقالة الصديق الناقد مساعداً لي للحديث عن العالم الشاب د. نائل حنون ، لأني اعتقد بكوني أحد الذين تعرفوا جيداً على برنامج عمله وانجازاته الكبيرة في المجالات البحثية والأثرية . وسأخصص هذا المقال عن الشخصية المعرفية للعالم د. نائل الذي تعرفت عليه ، مثل غيري . ضمن فعاليات الحلقة النقاشية الخاصة . بالعلامة الراحل طه باقر ، التي أقامها اتحاد أدباء بابل . بالتعاون مع الهيئة الاستشارية للثقافة والفنون . وكانت الآراء التي طرحها الباحث والنقاش الثنائي معه . فتح أمامي سبل عقد صلة معرفية معه . وكانت توصلاته عن الإله تموز جريئة ومثيرة في مجالات الفكر العراقي القديم  ومعتقداته.  وأعتقد بأن د . نائل أمتلك غزارة المعرفة في مجال تخصصه مع حرص وأمانة علمية وتواضع كبير . حيث كان نموذجاً للجيل الجديد ، الممتلك لسلاح المعرفة والثقافة وأوليات قراءة التاريخ العراقي القديم ، من خلال آثاره وآدابه وثقافته ، اعتماداً على لغته الأصلية .
لقد وفرت لي الحلقة النقاشية فرصة طويلة للتحاور مع الباحث وخلال يومين . لما فتح لي مساحات جديدة في قراءة التاريخ القديم وأساطيره والتعرف على معلومات ، خلقت مغايرة مع الكثير من الذي أسسته الدراسات والبحوث الغربية وكذلك العراقية . ومما أثار استغراب الأدباء – أثناء الحلقة – بقاء قراءات د.نائل محدودة التأثير والانتشار . وكأنها محاصرة بسيادة المؤسس من الثوابت ، التي لا تمتلك قوة البقاء والاستمرار . واكتفى الباحث بنشر أربع دراسات في مجلتي سومر وبين النهرين ، وهي تحتاج إلى دراسة تتناول تفاصيلها الدقيقة والمثيرة والتي حفزتني لزيارة الباحث ، والتحاور وإياه لفترة طويلة استغرقت نهاراً كاملاً .
وكانت متوجه بسعة ثقافته وشجاعته على المناقشة والإتيان بالأدلة والبراهين ، القادرة على الإمساك بالقارئ وتغيير قناعاته ، حيث كان ، ولتواضعه عند الاختلاف – عن جلجامش – يرجع مباشرة إلى النص باللغة الأكدية ويترجمه من أجل الإقناع .
وأطلعني د. نائل حنون على انجازاته الكثيرة التي سأقدم مسرداً ملخصاً عنها ، وهي غير معلنة للقراءة وعلى نطاق واسع ، وهي كافية للكشف عن طاقته وقدرته على العمل الدءوب والصعب . ويكفي الاستدلال على انجازاته ورقة العمل التي أعدها من أجل [ أنشاء مدرسة عراقية في الدراسات الحضارية القديمة ] وهي خطة عمله  – الصامت والهادئ وقد استطاع د. نائل انجاز ما يلي :
1-  بحث خاص عن الملك الآشوري شلمنصر الثالث وكتاباته ومنحوتاته . وهي آثار موجودة في مناطق عديدة من العراق والبلدان المجاورة . وظل منها في مواقعها القديمة . ونقل الكثير منها إلى المتاحف العالمية ، وسعى الباحث من خلال دراسته هذه إلى تسليط الضوء على جوانب حيوية من فترة حكم شلمنصر الثالث. وشخصيته والحروب ، التي استغرقت وقتاً طويلاً . وبذل الباحث جهداً من أجل إيجاد صلة وثيقة ، بين النصوص الكتابية والمكتشفات المادية ، إضافة إلى أنه رسم توصيفاً متكاملاً لنصوص الملك الآشوري باعتباره أحد أهم الملوك البارزين في تاريخ العراق القديم . وهذا هدف مركزي وحيوي للبحث .
عقائد الحياة والخصوبة في العراق القديم :
2-  -وهو كتاب ضخم، اطلعت عليه، وقرأت أهم فصوله الخاصة بالإله تموز وآلهة الخصوبة والأرض. وحاول فيه تأسيس وتثبيت توصيلاته التي أشار لها الناقد باسم عبد الحميد وقد تضمنتها أيضاً بإشارة سريعة رسالته (( عقائد ما بعد الموت)) واستطاع الباحث وبنجاح وضع رأسيات مشروع إقامة مدرسة عراقية شابة في الدراسات الحضارية القديمة ، وبعيداً عن التأسيسات الغربية ، وتناول الكتاب عقائد العراقيين القدماء [ السومريين + الأكديين )  . في الخلق والتكوين والإمساك بمفاهيم خاصة بالإخصاب والتوالد والتكاثر . كما أنه ينفي تماماً موضوعة الزواج المقدس ، التي لم يرها هيرودتس ، بل أشار لها اعتماداً على مشاهداته لبلدان الشرق الأدنى الأخرى ، وأسقطها على العراق القديم . كما إن الباحث لم يجد دليلاً مقنعاً لزيارة هيرودتس إلى العراق .
3-  العقود والنصوص القضائية والمسمارية وركز فيه على العقود والنصوص القضائية في العراق . والتي دونت بالمسمارية . متناولاً فيه مراحل تطورها ، ارتباطا مع المحطات الحضارية التي أنتجتها وأوجدت ضرورة تشريعها . وترجم الكثير منها مباشرة عن الأكدية .
4-  الرسائل البابلية :
دراسة خاصة بالمراسلات عند البابليين ، خلال أدوارهم التاريخية المختلفة وبشتى المواضيع والقضايا ، مع ترجمة جديدة لنماذج مختارة من الرسائل المكتوبة بالخط المسماري وخصوصاً الرسائل التي أصبحت بحاجة إلى إعادة ترجمتها بسبب التطور الذي طرأ على دراسة اللغة البابلية منذ أن ترجمت هذه الرسائل في فترات مختلفة من هذا القرن .
وبهدف البحث إلى إلقاء ضوء على جوانب مختلفة من حضارة العراق القديمة . ولجأ الباحث إلى الترجمة المباشرة من اللغة الأكدية إلى اللغة العربية . وأوضح الصلة فيما بينهما ، مع وضع تسلسل زمني للرسائل ، حسب العصور التاريخية والحضارة التي مر بها البابليون .
5-  المعجم المسماري .
قال لي د. نائل ، بأن كلمة الدكتور علي جواد الطاهر في مجلة ألف باء (العدد /1087) سنة 1989 ، حفزته للتفكير بالمعجم المسماري ، والعمل به لاحقاً . وأشار إلى إن أشهر معجم متوفر الآن عن لغات العراق ، هو المعجم الذي أصدرته جامعة شيكاغو 1956 ولما يزل ناقصاً . وهناك معجم آخر خاص بالأكدية ، أصدره العالم فون زودن ، كذلك المعجم الصادر بالفرنسية وأعده العالم المعروف لابات ، الذي ترجم له البيرابونا المعتقدات الدينية في العراق القديم وصدر في بغداد أواخر الثمانينات وهناك معجم صدر بالألمانية عام 1978 . ويجري العمل حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية لانجاز المعجم السومري .
أما المعجم الذي أنجزه د. نائل حنون ، فأنه يتجاوز عمل المعاجم ، حتى لا يكون مجرد ترجمة لها . وإنما يبتدئ من حيث انتهت إليه . وسيكون للغات الثلاث ( السومرية / الأكدية العربية) .
6-  الموسوعة الحضارية الثلاثية :
وهي الموسوعة التي تحدث عنها د. نائل حنون وهي مكونة من ثلاثة أجزاء . تتضمن معلومات متكاملة عن ملوك العراق القدماء [ الجزء الأول ] ومدن العراق القديمـــــــة [ الجزء الثاني ] وآلهة العراق القديمة [ الجزء الثالث ].
7-  تنقيبات [ ونه والحدوم]
إنها المنطقة الآثارية القريبة من محافظة القادسية وكان د. نائل قد شخصها ، وابتدأ العمل التنقيبي فيها معتمداً على ما وفرته له جامعة القادسية / هيئة الآثار فيها وتم اكتشاف أحد معابدها . وسيستمر العمل لاستكمال التنقيب فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى