” كيف بدأ الخلق ” دعوة لإعمال العقل أم لإعجازه (2)؟!
محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري
وأما الإشارة إلى (بدء الخلق) فهي توعز إلى أمرين: الأمر الأول أن للخلق بداية، وهي ترد ردا مباشرا على الدهريين والملحدين والعلمانيين واللادينين، والداروينية، وجميع المنكرين.. تثبت فيه أنه لن يكون بعد السير والبحث إلا أن يتحقق صدق دعوى القرآن ومنزل القرآن: أن الخلق لم يكن لا عن مصادفة ولا عن الطبيعة ولا أزلية الكون وأبديته ـ كما يدعون ــ
والأمر الثاني:لا يجوز كذلك أن تطرح القضية خلف الأظهر كما يدعو(اللاكتراثيين) ــ الذين يرون أن الخلق موجود، وبالتالي فهو لا يستحق عناء التفكير ولا جهد العقل لإثباته أو إنكاره ـــ إنما هو أمر يستحق الوقوف والنظر، وفيه من التحدي والإعجاز ما يثبت دلالة الكون ومفرداته على (خالق الكون) وتجلياته.
وأما الخلق: فهو أمر لا مراء فيه قد ثبت بالدليل العلمي والنظري ومدركات الحواس والعقل والبدهيات، وهو على هذا الدرجة من النظم والإتقان والإبداع الذي لا تنكره العين ولا تخطئه الأفهام “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)”[السجدة]، والخلق هو: “التقدير والإبداع من غير مثال سابق” .. وقد أثبت العلماء أن لهذا الكون والخلق سجلات محفوظة، هذا السجل محفور في طبقات الجليد وطبقات الصخور الأرضية وعلى الكهوف والحفريات النباتية والحيوانية.. كل هذا سجل دقيق محفوظ كما ذكر القرآن “وعندنا كتاب حفيظ” هذا الكتاب في الكون وتفاصيله كما هو في اللوح المحفوظ، وقد استطاع العلماء من خلال هذه السجلات وعينات الطبقات والحفريات تحديد عمر الكون التقريبي بمقدار( 4.5 مليار عام ).
وهذا التقدير الزمني إن يفتقد إلى درجة اليقين العددي فإنه يقطع بيقينية البدء والخلق، وفيه الدليل العلمي الذي يعضد دليل القرآن في الرد على المنكرين والملحديين والدهريين(أزلية الكون)، أو المنسبين الخلق إلى الطبيعة، والداروينية المعزين الخلق إلى الصدفة ـــ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وإذا كان للكون بداية ـ لا مراء فيها ـ كما يطرحها القرآن فإن البحث العلمي قد أثبت ذلك بما لا يدع مجالا للشك دون الالتفات إلى مختلف دعاوى المبطلين، لكنه لم يستطع أن يثبت الكيفية النهائية التي تمت بها عملية البدء، لكن طرح نظرية الـ(Big Bang) أو الانفجار العظيم قد أثبتت أن للكون عمرا وبداية، وأن التوسع في الكون المثبت نظريا وفيزيائيا (الفيزياء النظرية، والفيزياء الفلكية ) حتى قال بعض العلماء ” لقد صارت الفيزياء اليوم تحيا في تخوم الميتافيزيقا “.
وفي (تفسير الشعراوي): الحقيقة أننا كما قال عز وجل: (قل سيروا في الأرض)(العنكبوت:٢٠)؛ أي: نسير فيها؛ لأن الغلاف الجوي المحيط بالأرض من الأرض، فبدونه لا تستقيم الحياة عليها، إذًا حين تسير في الأرض، فهي تحتك، وغلافها الجوي فوقك، فكأنك بداخلها… والسير هنا مترتب عليه الاعتبار: (كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة) (العنكبوت: ٢٠) وما دمنا قد آمنا بأن الله تعالى هو الخالق بداية، فإعادة الخلق أهون، كما قال عز وجل: (أفعيينا بالخلق الأول) (ق: ١٥) لذلك يؤكد الخالق – سبحانه وتعالى – هذه القدرة بقوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير(20))(العنكبوت)
بعض الحقائق العلمية المفيدة للموضوع
[يقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بحوالي مئة وخمسين مليونًا من الكيلو مترات، وقد استخدمت هذه المسافة كوحدة فلكية للقياس في فسحة الكون؛ وقد قدرت الطاقة التي تشغلها الشمس من كل سنتيمتر مربع على سطحها بحوالي عشرة أحصنة ميكانيكية، ولا يصل الأرض سوى جزء واحد من بليوني جزء من هذه الطاقة الهائلة، وهو القدر المناسب لنوعية الحياة الأرضية.
ولو كانت الأرض أقرب قليلًا إلى الشمس، لكانت كمية الطاقة التي تصلها كافية لإحراق جميع صور الحياة على سطحها، ولتبخير مياهها، ولخلخلة غلافها الغازي، وباختلاف بعد الأرض عن الشمس قربًا أو بعدًا يختلف طول السنة، وطول كل فصل من الفصول نقصًا أو زيادة، مما يؤدي إلى اختلال ميزان الحياة على سطحها([11]).
كما أن الله تبارك وتعالى جعل هذه الأرض في مدارها الصحيح والمناسب للحياة، فالعلماء اليوم يقولون: إن الأرض وضعت في المدار الصحيح، والقابل للحياة، ولولا ذلك لم تظهر الحياة على ظهرها أبدًا.
إن وضع الأرض في هذا المدار يرد على من قالوا بأن الكون نشأ بالمصادفة، فلا يمكن للمصادفة أن تضع الكرة الأرضية بالذات على هذه المسافة الدقيقة من الشمس وتجعلها تدور بالحركة المناسبة؛ لأن الأرض لو كانت أسرع مما هي عليه الآن لقذفت بالمخلوقات إلى الفضاء الخارجي، ولم تستطع جاذبيتها الحفاظ على الاستقرار للناس([12]).
وبالإضافة إلى ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاوي (الإهليجي)، وتحديد وضع الأرض فيه قربًا وبعدًا على مسافات منضبطة من الشمس، يلعب دورًا مهمًّا في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى كل جزء من أجزاء الأرض، وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة على سطحها، وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة (النابذة) المركزية التي دفعت بالأرض إلى خارج نطاق الشمس، وشدة جاذبية الشمس لها([13]).
أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطق محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب (الداخلي)، ولهذا اللب الصلب ـ كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحًا للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها.
كذلك فإن لها مجال جاذبية، لولاه لهرب منها كل من غلافيها الغازي والمائي، ولو فقدتهما ولو جزئيا لاستحالت الحياة على الأرض.
كما أن للأرض مجالًا مغناطيسيًّا ثنائي القطبية يحمي الأرض من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة.
وقد لعبت الجبال ـ ولا تزال تلعب ـ دورًا مهمًّا في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول محوره، وتقلل من درجة ترنحه… ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم، وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران([14]).]
هوامش ومراجع المقالة:
(نقلا عن موقع بيان الإسلام . أبونصر عبدالله الإمام).
11]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص84: 88 بتصرف.
[12]. )وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)((الذاريات): رؤية جديدة، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع: المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.
[13] . من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص89، 90 بتصرف.
14]. المرجع السابق، ص90: 96 بتصرف.