مع البردة

الشيخ السفير هلال السيابي | سلطنة عُمان

يا سامر الحي بين البان والعلم

ما بال جفنك لم يغمض ولم تنم

(أمن تذكٌر جيران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم)

///

أم غرٌد الورق مزهوا بقادمة
على الربا هائما في إثر هائمة
أم النسيم سرى من أرض فاطمة
(أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
وأومض البرق في الظلماء من إضم)

///

تنفي الغرام وفي عينيك قد ثبتا
برهانه ، لوأبيت الأمر ما أبتا
إن كنت تحسب أن السر ما انفلتا
(فما لعينيك إن قلت اكففا همتا
وما لقلبك إن قلت استفق يهم)

///

فليت شعري والاشجان مضطرم
آذيها ، وعباب الوجد ملتطم
أيان يخفى الهوى ، والدمع منسجم
(أيحسب الصب أن الحب منكتم
ما بين منسجم منه ومضطرم)

///

فلا وربك ما للوم والعذل
اذا صدقت الهوى حظ سوى الهبل
ان الهوى في التناهي علة العلل
(لولا الهوى لم ترق دمعا على طلل
ولا أرقت لذكر البان والعلم )

///

ولا هصرت له من عوده غصنا
ولا ادٌكرت لأيام الصبا زمنا
ولا تنورت من أهل الهوى الدمنا
( ولا اعارتك لوني عبرة وضنا
ذكرى وذكرى ساكني الخيم )

///

فكيف تنكر ، والآماق ماجمدت
ولا الضلوع من الاشجان قد بردت
ان الدموع على آماقك احتشدت
( فكيف تنكر حبا بعدما شهدت
به عليك عدول الدمع والسقم )

///

ان الهوى هزٌ منك الروح وافتتنا
بمقلتيك ، وأوهى القلب والبدنا
واغمد الوجد فيك الصارم اللدنا
( واثبت الوجد خطي عبرة وضنا
مثل البهار على خديك والعنم )

///

فقلت : واللوم مثل النار يحرقني
وبين جنبيٌ آلام تمزقني
وصار دمعي برغم الحلم يسبقني
( نعم سرى طيف من أهوى فأرقني
والحب يعترض اللذات بالألم )

///

حسبي ، وحسب الهوى العذرى معذرة
اذا غدت فيه أيامي مشهرة
فلا تلمني ، وإن حملت لي تِرة
( يا لائمي في الهوى العذري معذرة
مني اليك ، ولو أنصفت لم تلم )

///

سارت بوجدي ركاب البدو والحضر
فَلِمْ – كما شئت يا ذا اللوم – أو فذر
ان الهوى قدري ، ناهيك من قدري
( عدتك حالي لا سري بمستتر
عن الوشاة ، ولا دائي بمنحسم )

///

مالي وللعذل يؤذيني مُرَجٌعه
و بي مصيف الهوى يحلو ومربعه
فاربع بظلعك ، أحلى الكأس مترعه
( محضتني النصح لكن لست اسمعه
إن المحب عن العذال في صمم )

///

فكم كسرت شباة اللوم والعذل
وكم كرعت الهوى علاً على نهل
حتى غدوت بوجدي مضرب المثل
( اتهمت نصيح الشيب في عذل
والشيب أبعد في نصح عن التهم )

///

ياللاسى ماوفت عهدي ولا حفظت
فمن يعيد لنفسي بعض ما لفظت
هامت ، وما انتفعت نفسي بما وعظت
( فإن امٌَارتي بالسوء ما اتعظت
من جهلها بنذير الشيب والهرم )

///

ولا رأت غير ما
يهوى الهوى ويرى
سعيا مع اللهو أو جزئيا بحيث جرى
ولا ارتضت في هواها الحزم والحذرا
( ولا أعدت من الفعل الجميل قرى
ضيف ألمٌَ برأسي غير محتشم )

///

فليت شعري والايام تُشْهِرُه ُ
نصلاً بفوديَ تطويه تنشره
حتى متى انا عمدا لا اقدره
(لوكنت أعلم اني ما اوقره
كتمت سرا بدا لي منه بالكتم )

///

فيا لنفسي ، وقد سارت لغايتها
حثيثة دون ضوء من هدايتها
تهوي المهاوي ، فيالي من هوايتها
( من لي برد جماح من غوايتها
كما يرد جماح الخيل باللجم )

///

فروٌِض النفس ، واحذر سيف سطوتها
واجعل قوى الصبر دوما فوق قوتها
وان دعتك إلى الدنيا وزهوتها
( فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها
إن الطعام يقوٌي شهوة النهم )

///

وكن اذا ما دعتك النفس ابن جلا
واستصحب الصبر ، والهدى أسلا
فإنما وسوسات النفس محض بلا
( والنفس كالطفل ان تهمله شبٌ على
حب الرضاع ، وإن تفطمه ينفطم )

///

واعرف مقامك ، واربأ ان تسويه
باللاسويٌِ ، وصن نفسا لتعليه
وان أردت من العيوق ساميه
( فاصرف هواها ، وحاذر ان توليه
إن الهوى ما تولى يصم أو يصم )

///

ولا تحم حيثما اللذات حائمة
ولا ترم ابدا ما النفس رائمة
و أيقظ النفس ، والآفات نائمة
( وراعها ، وهي في الأعمال سائمة
وإن هي استحلت المرعى فلا تسم )

///

فلن تكون لعمرالله فاضلة
ذات غدت عن دواعي النفس غافلة
فالنفس تجنح نحو اللهو مائلة
( كم حسنت لذة للمرء قاتلة
من حيث لم يدرِ ان السم في الدسم )

///

وطهر من حرص ومن طمع
ونقٌِ ذاتك من رجس ومن طبع
وراقب الحال والبس خير مدرع
( واخش الدسائس من جوع ومن شبع
فرب مخمصة شر من التخم )

///

ما أروع الدمع من عين قد امتلأت
مخافة ، ولظت بالخوف وانطفأت
فاجعل دموعك تطهيرا لما اجترأت
( واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت
من المحارم والزم حمية الندم )

///

واجعل طريقك نحو الله محتدما
قلبا طهور ، وجفنا يستشيط دما
وكن بحبل الله كتاب الله معتصما
( وخالف النفس و الشيطان واعصهما
وان محضاك النصح فاتهم )

///

فإنما النفس والشيطان ما احتكما
الا على البطل بين الناس او حكما
قضية ابداً من أجلها اختصما
( فلا تطع منهما خصما ولا حكما
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم )

///

أواه ، ماليَ من خطء إلى خطل
أسير ، والعمر سيٌار إلى الاجل
وكيف أرشد غيري دونما خجل
( أستغفر الله من قول بلا عمل
لقد نسبت به نسلاً لذي عقم )

///

أتيه في البطل تيها بين سبسبه
وأنثني في حماه غير منتبه
أضيئ للناس مالا استضيئ به
( امرتك الخير لكن ما أئتمرت به
وما استقمت فما قولي لك استقم )

///

يا ويحَ نفسيَ راح العمر حافلة
بالسوء أيامه سوداً مخاتلة
وما اتقيت لنفسي منه غائلة
( ولا تزودت قبل الموت نافلة
ولم اصلٌِ سوى فرض ولم أصم )

///

اصاحب الدهر جبار الغوى جذلا
وأركب اللهوَ خيلا ، والهوى جملا
واصحب الليل بالاهواء محتفلا
( ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى
أنِ اشتكت قدماه الضرٌَ من ورم )

///

وقرٌح الجفن دمعاً دايما ، وكوى
في الله مهجته ، حباً له وهوى
واتعب الجسم في ليل الهدى فذوى
( وشد من سغب احشاءه وطوى
تحت كشحا مترف الأدم )

///

فانظر لموقفه ، واخشع له ، وهب
يطوى ! ، ولو أمر الدنيا له تجب
كم حاولته بما في الكون من نشب
( وراودته الجبال الشم عن ذهب
من نفسه فأراها أيما شمم )

///

ربٌاه خالقه روحاً ، فسيرته
قدسية الروح ، نقتها سريرته
سمت به عن حياة الناس خيرته
(وأكدت زهده فيها ضرورته
إن الضرورة على العصم )

///

سما مقاماً ، واعلاه المهيمن أن
ترنو إلى الدهر منه مقلة وأُذن
فلم تؤثر عليه الحادثات ولن
( وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدم)

///

المصطفى من اله العرش من علمي
مجد ، ومن محتدي فهر العلى وقصي
الطاهر الأصل من أسمى وأنبل حي
( محمد سيد الكونين والثقلي
ن ، والفريقين من عرب ومن عجم )

///

ومن هو المرتجى ، والروع يطرد ،
والبيض تلمع ، والابطال تجتلد
ومن هو الليث بأساً ، والقنا قِصَد
( نبينا الآمر الناهي فلا أحد
ابرٌ في قول لا ولا نعم )

///

المرتجى من جلٌت شجاعته
عن المثيل ، و من عزت مناعته
واوجبت نزل الفردوس طاعته
( هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هول من الاخوال مقتحم )

///

أتى بكتاب غير مشتبه
وإنْ تشابهت الآيات منه به
فأخرج الكون من مستنقع الشبه
(دعا إلى الله ، فالمستمسكون به
مستمسكون بحبل غير منفصم )

///

فاق الانام بنور منه مؤتلق
كأنه فلق يقضي على غسق
وعزٌ مستبقاً عن وهم مستبق
( فاق النبيين في خلق وفي خْلق
ولم يدانوه في علم ولا كرم )

///

سما إلى الرسل من أنواره قبس
وهبٌ من نفْسه للانبياء نَفَس
فكلهم من نبي الله مقتبس
( وكلهم من رسول ملتمس
غرفاً من البحر ، أو رشفاً من الديم )

///

وسائرون على منهاجه التمم
في كل شيمة مجد منه ، أو شمم
فانظر إليهم ، وهم منه على حرم
( وواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم ، أو من شكلة الحكم)

///

مطهر الذات ، تهدي الخلق سيرته
الى الكمالات ، جلٌتها سريرته
واستحكمت أزلَ الآزال خيرته
( فهو الذي تم معناه وصورته
ثم اصطفاه بارئ النسم )

///

مقدس الروح ، مجلاه كباطنه
مطهر النفس حتى في حواضنه
أعزٌْ من أجم الضاري وساكنه
( منزه عن شريك في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم )

///

لا يبلغ من آياته العظم
الا كما المنقار من عرم
فأرسل فيه طاميَ الديم
( دع ما ادعته النصارى في نبيهم )
واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم )

///

أثنت على فضله الآيات في شرف
ما بين مؤتلق منها ومؤتلف
فسر بحلبته مدحاً ولا تقف
( والنسب إلى ذاته ماشئت من شرف
وانسب إلى قدره ماشئت من عظم )

///

مهما مدحت ، وحبٌرت القريض له
سامي البيان ، كريمَ اللفظ ، سلسله
فلن تفيه ، ولا دانيت منزله
( فإن رسول الله ليس له
حد فيعرب عنه ناطق بفم )

///

فهو الكمال هدى ، والنور مبتسما
وهو الجلال مقاما ، والعباب طما
( لو ناسبت قدره آياته عظما
أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى