ذاكرة الكتابة.. مراسلات محمود شقير وحزامة حبايب (2)
صباح الخير يا صديقي.
لا تتخيّل كم أفرحتني ملاحظاتك حول إمكانية الانطلاق من “تاج محل” إلى فضاء نفسي ومكاني أرحب. لقد أضاءت اقتراحاتك في ذهني أفكاراً جمّة، وبالتأكيد أنوي العمل عليها وتطويرها.
حالياً أنا مشغولة بنص أدبي أخاله سيكون “مجنونًا”. اعترفت لك من قبل بأنه يرعبني، لكن الرعب يظل مفيداً أكثر من الاطمئنان. لا يعني هذا أنني مترددة أو غير واثقة لكن أعتقد أن ثمة خوفاً مشوباً بلذة خفيّة. ما زلت في المراحل الأولى منه، علماً بأن فكرته كانت تراودني منذ سنوات، حيث احتضنتها طويلاً وكتبت العديد من الخواطر، قبل أن أضع المخطط النهائي، الذي أتحرك حالياً بموجبه، بالطبع مع هامش حرية و”سرحان” يمكنني من ارتياد المتخيل والجميل.
يا صديقي.. كنت، وما زلت أبحث عن جدوى الكتابة، أهي متنفّس للقلق أم النزق أم الحب أم الكراهية أم.. أم..!! عنّي، أريد للكتابة، رغم كل ما فيها من مشقة وإرهاق واستنزاف جسدي ونفسي أن تحقق لي، في المحصلة النهائية، المتعة. وأن أسعى لأن تحقق لك المتعة. لا يعنيني أن تحدث تغييراً، بالمفهوم الإصلاحي المقيت، أريدها أن تصنع اختلافاً بالمفهوم الإنساني، للفرد الواحد فقط، حتى وإن كان هذا الفرد أنا، وربما أنت وبضع عشرات آخرين. وهذا ما حفزني على الشروع في كتابي الحالي.
كنت رغبت في توجيه دعوة لي لزيارتكم في فلسطين، أجل فلسطين، التي اختصرناها في رام الله. لا أتخيل أنني قد لا أراها. لكن الوضع الراهن على ما يبدو “مغلق” من كل النواحي. أتمنى بحق أن ألتقيكم هناك، من خلال نشاط أدبي ما. “فلسطينيتي” ضاغطة عليّ! ليس تعصباً ولكن حباً.
أتطلع بشوق إلى قراءة كتابك عن المدن الفاتنة، وألمس كيف عبث بك هواؤها الطائش.. فإلى أين وصل المشروع؟
وما هي مشاريعك الأدبية الأخرى؟
بالمناسبة.. عبد الحليم أو “حليمو”، كما أسمّيه، يبلّغك تحياته. حالياً يعمل في محطة الـ CNN التلفزيونية، من خلال بثها على الإنترنت في مكتبهم الإقليمي في مدينة الإعلام في دبي. أما أنا فأعمل صحافية في مؤسسة الإمارات للإعلام.. طبعاً لا علاقة لعملي بما أكتب. لدينا طفلان فقط: ابنتي سارة التي تبنّاها حليمو؛ وهو أكثر من أب لها (ويبدو يا عزيزي أن من يحبك يحب في النهاية كل ما له علاقة بك) وهناك ابننا أمجد (10 سنوات). سارة صبية الآن في الخامسة عشرة من العمر، ذكية ولمّاحة، ولسانها طويل (زي أمها)، أما أمجد فهو في العاشرة وأكبر “كاره” للمدرسة في تاريخ البشرية.
أجمل ما في حياتي الأسرية أنني لا أشعر بها، بمعنى أنه لا يوجد أي عبء عليّ كزوجة وأم. والأجمل أن الجميع يتفهم مزاجيّتي ككاتبة لي عالمي، وهناك مساحة خاصة، كبيرة جداً، لي لا يحاول أحد اختراقها. وهامش الحرية في التفكير الذي أتمتّع به قلّما يملكه رجل (فما بالك بامرأة). حليمو يعد لي القهوة حين أكتب، وسارة وأمجد يعرفان أنني أكون مفصولة عنهما تماماً في هذا الوقت، وبالتالي لا يفرضان وجودهما عليّ. وقد يتصل أحدهم فيردّ أمجد ليقول مثلاً: “آسف. ماما تكتب ولا أستطيع أن أناديها!” وهو أمر، بيني وبينك، يفرحنى.
أطلت عليك كالعادة.. أرجو يا صديقي أن نظل على تواصل.
إلى اللقاء
حزامة حبايب
أبوظبي _ الخميس 26 مايو 2005
////
العزيزة حزامة
تحياتي
تلقّيت رسالتك بسرور. قبل أيام أرسلت مخطوطة الكتاب إلى المؤسسة العربية. أخشى أن يكون عنوان كتابي أكبر من الكتاب. هذا أمر يزعجني بالفعل. ليس ثمة طيش بمعنى الكلمة في الكتاب. ومع ذلك، فلم أعد قادراً على إضافة أيّ شيء جديد.
قرأت النصّ الذي كتبتِه عن بفاروتي. إنه نصّ ممتع مكتوب بلغة ساخرة. تعجبني هذه السخرية من الذات. أظنّ أن هذا النصّ وكلّ نصٍّ آخر على شاكلته يمكن أن يدخل في كتاب الرحلات الذي تنوين كتابته، على شكل محطّات استراحة. ثم إن أية رحلة إلى مكان قريب أو إلى شخص أو إلى مسرح أو إلى مدينة مجاورة يمكن أن تُضاف إلى الكتاب.
لن أتمكن من القدوم إلى عمّان بسبب انشغالات عديدة. لدينا هنا مناسبات اجتماعية لا تنتهي، ولربّما كان في هذه المناسبات نوع من التنفيس عن حالة النزق من الحصار المفروض علينا من سلطات الاحتلال، ولذلك “يفشّ” الناس غلّهم في مناسبات الأعراس التي تتكاثر في الصيف، وفي بيوت العزاء؛ وفي بعض الأحيان في المشاجرات المؤسفة لأتفه الأسباب.
هذه الأيّام ذهني مشتّت لا أقرأ إلا بصعوبة، وأشعر بأنني لم أعد قادراً على الكتابة، كما لو أنني لم أكتب شيئاً من قبل!
أرجو لك ولعبد الحليم وللطفلين مزيداً من الهدوء وراحة البال.
مع التقدير
محمود شقير
01/ حزيران / 2005