لهاث.. قصة قصيرة

فاتنة الساعي | لبنان

على الرصيف المقابل إشارة سير عالقة بالأحمر، الجو المشحون بأنفاسها ونبضها يتسارعان، قلبها االمسجون في غياهب صدرها يحاول أن يتحرر من قضبان جسد متهالك، تشير بيدها في ضباب الفراغ لسيارة أجرة، تجلس في المقعد الخلفي والدموع تنهمر على صفحة وجهها. يدور في عقلها ألف سؤال.

لا تدري أي اتجاه تسلك، تخبر السائق أنها ذاهبة لمخفر الشرطة. ترى كل شيء واضحا إلا وجه القاتل، تريد أن تبلغ عن جريمة قتل شاهدت تفاصيلها بدقة، شاركت منذ قليل بمراسم دفنها.

ثيابها السوداء الشفافة، ولون حمرتها الباهت وتوهج بشرتها بالحزن، أغوى السائق بشدة، تناولت منديلا من حقيبتها ملوثا بالدم، مسحت به وجهها فزاده إشراقا، القاتل دس كل الأدلة في حقيبتها، ستنال منه أخيرا. توقفت السيارة فجأة، بخبث اخبرها السائق انها تعطلت، محاولا استدرار خوفها .

تبسمت ببرود، تقدمت منه، لمست شفتيه، شعر ببرودة أناملها وهي تحدق به بغرابة.

سألته كم تستغرق من وقت للوصول لأقرب مخفر: أريد أن أبلغ عن جريمة قتل. لم يجبها، أسرع لسيارته أدار محركها وانطلق كالمجنون.

بقيت وحيدة تحت المطر تسير بلا وجهة، يتبعها عمود الكهرباء بنوره وجثة تنتظر أن تكشف قاتلا بلا وجه. قادتها قدماها لمبنى، ضغطت زر المصعد للطابق الرابع، أخرجت مفتاحا من حقيبتها. بدا كل شيء مريبا، العتمة، الهدوء.

أضاءت الغرفة لتتفاجئ بصراخ أيقظها من خيالاتها. مفاجأة كل عام وأنت بألف خير يا بيسان.
رأت الآن وجه القاتل، يجلس في الزاوية ، يخدع الجميع بنكهة الشوكولا الفاخرة، كم من مقبرة زارها معها، وبضحكة ساخرة يشارك في بلوغها نصف قرن من اللهاث للحدها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى