حكايا من القرايا.. ” الضيف مرزوق “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
ربط الحج سعيد حمارته في حاكورة أبو العبد، وطرق خوخة الباب بقوة، ونادى: أبو العبد… أبو العبد. من وراء حجاب، جاءه الجواب: تفضل، يا خيي… تفضل… فتحت أم العبد الباب، وبدأت بالتحية والترحاب: ألف أهلا وسهلا يا خوي، من ممشاك لملقاك… شرفتنا، تفضل… تفضل، مش شايف أبو العبد، وينو؟
تفضل يا خوي، والله أبو العبد، راح يتْمدّن اليوم، نزل على المدينة، يقطع شهادة ميلاد للولد… عدّو جاي، مسافة الطريق… تراخى الحج في الدخول، صاحب البيت مش موجود، ومرته في البيت وولادها الصغار… قال: سأعود بعد قليل… صاحت: ولْ جايي من بلد لبلد، وبدك ترجع عن الباب… فوت يخوي “بنت الرجال بتستقبل الرجال” وهسّا بنادي جارنا أبو سعد تتسلى أنت واياه… لحين ما ييجي أبو العبد…
دخل الحج سعيد البيت، ومعه خُرْج الحمارة وقد امتلأ بزروفة السكر، والأرز، والسكاكر، والتفاح والموز… هدية مرتبة والله… والا كيف، جاي من بلد لبلد… ييجي فاظي؟ مش معقول؟ بخاف اقولوا عنّو: هذا مليح ظيف… وظيف خفيف كمان…
بين الترحيب والتأهيل، دخل الحج، فاجأته أم العبد: وهي تحمل عنه الهدية، ولليش مغلب حالك كل هالغلبة يا حج؟ فش إشي من قيمتكم وقدركم، رد الحج… – تسلم قيمتك وقدرك… مدّت أم العبد فرشتين إحداهما فوق الأخرى، وعززتهما بوسائد صوفية ومساند قش، ووضعت بجانبهما فرشة أخرى، وكأنها تنتظر ضيفا آخر…
جلس الحج في صدر البيت، غابت أم العبد قليلاً، وأتت بصينية شاي، عليها قرص من الزعتر وآخر من الحميظ، نصيبك جابك… الجود من الميجود، وهسّا خبزتهن… تفضل يا حج… يا ختي، والله ما إلي زمان ميكل… لا تغلبي حالك… عيار الشبعان أربعين لقمة… والا زادنا مش مليح، وضحكت… مدّ الحج يده على الزاد، انتو خير وبركة، والله… تركت أم العبد ضيفها يأكل، وانتشلت (رتشوة) ماء وضعتها بدلو، وأسقت الحمارة المربوطة، ووضعت أمامها بعض الحشائش لتأكل…
تناولت الصينية من أمام الحج بعد ما انتهى من الأكل، ولْ، مش ميكل اشي يا حج… رد الحج: خير وبركة… يسلم الزاد وصحابه… دخل أبو سعد بيت أبو العبد، وهو يحمل خشبة المنقلة وحبّاتها، إنه يعرف الحج سعيد، ويعرف ولعه ومهارته بلعبة المنقلة… سلم سلاماً حاراً… ورحب وجلس، ووضع الخشبة على المسند… ونظر في وجه الضيف يتأمله… ابتسم الحج… وفتّح وجهه…
في الطاب الثاني من اللعبة، صاح صاحب البيت أبو العبد، يا ألف أهلا وسهلا… (بيت معمور وصاحبه بدّور)… وبدأ التقبيل والترحيب، والله مشتاق لك يا رجل… (غبت وصرت تقول عدّوا لي)… مالك قاطعتنا هيك شو شايفنا ” شاربين مية مقلعطة” والا شو؟ اعتذر الحج سعيد عن الغيبة بأشغاله… ركنوا المنقلة جانباً، وبدأ ثلاثتهم يتداورون الخرّاف، وينكتون ويتضاحكون، والمحبة بادية على الوجوه.
أم العبد معدلة وشاطرة، مع الظهيرة كان الغداء جاهزاً، حاول أبو سعد الخروج قبل وصول الغداء، فحلف أبو العبد ألا يخرج ” ولْ مالك يا رجّال، اخوالك املاح” … تناول الحج سعيد رغيفاً كبيراً، بحجم صينية القش الموضوع عليها، سمّى الله، وصلى على نبيه، وبدأ يتعجب من كبره… وسأل: بلا مؤاخذة مين خبز هالرغيف؟
ضحك أبو العبد: بنتي كوثر… سكت الحج سعيد، وفاجأ المعزب وأبو سعد: بدّي هاي البنت لابني صالح… وامتنع عن تناول الطعام، حتى تتم الإجابة… لقف أبو العبد الموضوع، وحاول التخلص: كلّو قسمة ونصيب ياحج، بصير خير… انطح فالك هسّا… ولم ينطح الحج فاله… ذهب أبو العبد إلى المطبخ، شاور الزوجة والبنت… ابتسمت كوثر، وكأنها رأت صالحاً من قبل… وحصل النصيب، وأكل الحج… ودارت الأفراح، والليالي الملاح، وتزوجا، وشربا الماء القراح، وتنفسا ورد الأقاح، وكانا في أحسن حال… أولاد مربيين، ورزق… وسعادة…