فضائل العلم 2…

طاهر العلواني | مصر

إنَّ أَوّلَ ما يلزمك في طلب العِلمِ بعد تصحيحِ النيّةِ، وإخلاصِ القصدِ، هو أن تتَّخذَ شيخًا يُجنِّبُكَ الرَّدَى، ويُبيّنُ لك أعلام الهُدى، إذا ثبتَ في ديوان العلماء الثقاتِ اسمُه، وحاز قصبَ السبقِ في فنّ، وعُنْوِنَتْ باسمِه صحائفُ الاختيار؛ فإن لكلّ صناعةٍ أهلًا يُرجعُ إليهم في خصائصها، ويُستَظهَرُ بعلمِهم عند اشتباه أحوالِها، فمتى ما أحكمتَ صحبتَه حقَّ الإحكامِ، وأولَيتَه حُسنَ التمييز، وكنتَ ذا همّة امتدّ صباحُها من شرقٍ إلى غربٍ، وبَعُدَتْ عن مناط الفرقدِ، ولم تكُ بالنّؤومِ ولا بالسّؤومِ، أدركتَ سبيلَ الهدايةِ به، وحُزتَ العلمَ بفيضٍ من سببِه، وإن أذكيتَ سراجَ فكرِك أضاء لك طريقَك وعبّدَه، وقَلَعَ مزالّ الأقدامِ ومهّدَه. ولقد كان من لطفِ اللهِ بي، وتوفيقِه إياي، أنْ تتلْمَذْتُ في بدايتي على يدِ شيخنا أبي عبد الرحمن عليّ سَيّد درويش، وكان يومها يشرح كتاب (شرح السّنةِ) للبغويّ، فوالله لقد كان لسانَ العلم ناطقًا، وشخصَ العربيّةِ جوهَرًا، ولقد رأيته يومها – منذ عشر سنين -، والعلمُ حشوُ ثيابِه، والفقهُ ملءُ إهابِه، ولكَمْ تذّكّرتُ به قول زيادٍ الأعجمِ: إن السّماحةَ والمروءةَ والنَّدى**في قُبّةٍ ضُربتْ على ابنِ الحشرجِ. أما علمُه بالتفسير، فلو مُزِجَ به البحرُ لذهبتْ ملوحتُه، وانتفى كدرُه، وأما علمه بأصول الدِّينِ فإن لكلامِه ماءً ورونقًا؛ يتصرّفُ في القلوبِ، تصرُّفَ السحابِ من الجنوبِ، وأما أخلاقُه مع طلّابِه فأزكى من حركة الريحِ بين الوردِ والريحان، وأبهى من الدُّرِ في نحورِ الحورِ، أو كأنها نسيمُ الشَّمال على أديمِ الماء الزُّلال، وليس المُخبَرُ كالمُعَايِنِ. أوّل فائدةٍ جليلةٍ في أوّلِ درسٍ جلستُ فيه بين يدي الشيخ، أن الذي كان يقرأ عليه الكتاب ترك المقدّمةَ، وبدأ في الكتاب مباشرة، فنهاه الشيخ، وقال: (من أين نعلم مرادَ المصنِّفِ إن لم نقرأ مقدّمةَ كتابِه؟!) ثم إنَّه من رحمةِ اللهِ بنا، وإحسانِه إلينا، أنْ كانَ لشيخِنا العلَّامةِ الفقيهِ المفسِّرِ اللغويِّ الجليل – حفظه الله وأنعم على المسلمين بطول بقائه، ووهبَه وافرَ نعمائه – صفحةٌ على هذا الموقعِ، وكان الدّالُّ على الخير كفاعلِه، فتلك الصفّحةُ المشارُ إليها صفحةُ شيخنا، فيها من علوم العقيدة والتفسير والفقه وعلوم اللسان والفتوى للسائل صافيها جميعا. حفظَ اللهُ شيخَنا، ورزقَه مديدَ العمرِ، وواسعَ الفضلِ، وأدام عليه العافيةَ والسرورَ بمنّه وكرمه؛ إنَّه جوادٌ كريمٌ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى