نازلاً عن أُحُدْ
خالد جمعة | فلسطين
نازلاً عن أُحُدْ!!
أين تذهبُ يا أخي؟ وهذا النشيدُ الكُحليُّ يطرطقُ في الأفق: “نحنُ بناتُ طارق”، ونشيدُ النبيِّ لك: “ادفعوا الخيلَ عنّا بالنبال”: وابن جبيرٍ وحده هناك، لمن تركتَهُ والخيلُ ترسمُ دائرةً حولَهُ؟ تضيّقُ عليه الأعنّة ما تبقّى من هواء؟
نازلاً عن أُحُدْ!!
أين تذهبُ يا أخي، أنظر ما يصنعُ النزولُ، عتبةُ بن وقّاصٍ يكسرُ خوذة نبيّكَ، وابن شهاب الزهري يجرحُ جبهة نبيّكَ، وابن قمئة يكسر أنف نبيّكَ، فيما رمحكَ وحيدةٌ هناكَ، تئنُّ من وحدتِها على الرملِ، فلم تُخلق لتبقى ممدّدةً كحيّةٍ شتويّةٍ في أقدام الجبل، “قُتل النبيُّ” قال الصوتُ، “وما تصنعون بالحياة بعده؟” قال أنس بن النضر
نازلاً عن أُحُدْ!!
أين تذهب يا أخي؟ حنظلةُ بن أبي عامر كان في حضن زوجتِهِ، وجاءك شاهراً روحَهُ، وأنتَ كنتَ هناكَ، فنزلتَ كما ينزلُ عصفورٌ إلى شِباكٍ يراها… ، لم يكن الجوعُ يا أخي، ففيم نزولُكَ؟، و لمن تركتَ عينيكَ خلف الجبل؟ أرأيتَ كيف اختلف المشهد يا أخي؟
نازلاً عن أُحُدْ!!
أين تذهبُ يا أخي؟ لو وقفتَ جوار نسيبة بنت كعب، لو كنتَ ذراعَها الموشاةَ بالدعاء مثلاً، لكنتَ رفيق النبيّ في الجنّةِ، وفي خلود التاريخِ، ومن ينزل من جبله، ينزلُ من التاريخ كذلك، نزلتَ، فسقطَ أصحابُك، حمزة، ومصعب، وسعد، وعبد الله، وخيثمة، وعمرو، وحنظلة…
سقطت الأسماءُ على الأسماءْ، وماتت رماحُكَ، وأسيافُكَ، وأقواسُكَ، لماذا نزلتَ يا أخي، وفِراخُ الطيرِ كانت تحتمي بك من غبارِ الخيول، هل تسمعُ زقزقتَها وقد توقّفت؟
نازلاً عن أُحُدْ!!
أين تذهبُ يا أخي؟ وقوسُكَ تلكَ التي ألقيتَها للريحِ كاشفاً ظهرنا لخيولِ الأعداء، مَن سيحمِلُها وقد داسَتْها السنابكُ؟
أشككتَ لحظةً في نصيبِكَ من هذا الحطام؟ أكُنّا سنخفي عنكَ شسعَ نعلٍ أو مربطَ قربةٍ؟ أو ظننتَ النصرَ يبقى دونَ حماةٍ إلى الأبد؟
أين تذهبُ يا أخي؟ لو نظرتَ خلفَكَ لحظةً، لرأيتَ فَرَساً زرقاء تتقدّمُ الكتائبَ، ليستْ من أفراسِنا كما كنتَ سترى
لو أنّكَ بقيتَ مكانَكَ دقيقتين أخريين، لما امتلأ السفحُ بكلِّ هؤلاء الشهداء، لما سمعتَ نواحَ امرأةٍ بُنّيّاً في ساحات يثربَ، ولما كانت الأرضُ تفتحُ قلبَها لكل تلك الأجساد، ولما شربَ الرملُ كلّ تلك الدموع النبوية
نازلاً عن أُحُدْ!!
ما زالت خيولُ الأعداءِ تدورُ من خلفِنا
وصرتَ أنتَ وقوسُكَ
غنيمةً للفراغ.