بوح الليل
هند خضر | سوريا
هاهو الليل بثوبه الأسود الحالك المرصّع بنجمة وحيدة وجارها الهلال يطلّ علينا معلناً للكون انسحاب نهار مليء بالحكايا وخبايا القلوب من قائمة الأيام وخارطة السنين،يا لها من لحظة موجعة يخيم فيها السكون على الشفاه فيمنعها من البوح بما يكنّه القلب من حب دفين وشوق مجنون يداعبا الجفون ! فقط من يتكئ على جدار روحي، يتخذ من قلبي بيتاً له ويعشق السفر والترحال مني وإليّ يعرف أنني عشتُ فراغاً عاطفياً قسرياً أرغمني على شرب كأس من العلقم ولكن لم أشربه بمفردي فهناك من تجرع منه أيضاً وهو أنت، كنت شريكي في الأرق ولك نصيب لا يقل عن نصيبي فيه، سألت نفسي مراراً وتكراراً :لماذا أنت وأنا؟
فأجابتني: لأنه الحب الأزلي الذي عبر أبواب فؤادك الموصودة وتمكن من زرع نرجسة في حدائقه، و أما النقطة التي تقفين فيها الآن وهي نقطة المنتصف الأشد ألماً ستحدد لك وجهتك وستخلصك من بعض القيود التي تركتك أسيرةالحيرة بين التقدم و الرجوع، بين المسموح والممنوع ، لذلك اهمسي في أذن الليل حكايتك فهو يسمعك للنهاية وحتى انبعاث خيوط الصباح الأولى وأنا بدوري أؤكد لك بأن الحقائق تكون وليدة نهار جديد وتوصلك إلى مسعاكِ وتلتقي حناياكِ بحنايا من تحبين …
في الظلام الدامس:
خرجت إلى شرفة العمر ،تحت ظلال الياسمين الوارفة أخفيت ابتسامتي في مهاوي الوجع ونكستها أمام المارّة فلم تكن تلزمني من بعدك، لطالما قلت لي: أعشق تلك الابتسامة التي تزين وتلون شفتيكِ الجميلتين، حاولت أن أتكلم مع صدى الصدى وهو بدوره يوشوش الليل عني، يصل إليك و يخبرك عن آهاتي التي انسكبت في صدري وأنك نجاتي في لحظة الغرق والخشبة التي أمسك بها في عرض الإعصار، عساه يبلغك أسئلتي فيأتي إليّ بالأجوبة التي تجبر بخاطري ..
هل هناك امرأة أشقى مني على امتداد كرتنا الأرضية؟
لماذا ألبسني قدري رداءً ليس لي ومن ثم أخذه مني وتركني عارية في صقيع البعد وجمر المواجع؟ بحق السماء هل هذا هو العدل؟ثمة أسئلة كثيرة أيضاً تلف وتدور في رأسي …
كخيوط تشابكت وأصبح فكّها معقداً أمسيتُ في بعدك،
كانت مواجعي تمسكني من بين أزنادي وتقلّبني على فراشي وتسرق مني هدأة الرقاد ،كثيراً ما لجأتُ للمهدّئات دون علمك، كان عليّ أن أمضغ حزني بكبرياء أمامك كي تكون بخير ،أن أبتلع أنيني كي يعانقك انشراح لاحدود له، أنت تعلم بأنك سيد إلهامي في الكتابة ،ولكنك الجزء المفقود من النص بالنسبة للآخرين، فهم دائمي الوقوع في حفرة سؤال من تكون؟ لأقف أنا أمام هذا السؤال بكماء وهكذا تبقى بالنسبة لهم لغزاً صعباً على الحل وعصيّاً على البوح ..
حتى الخوف لم يتركني حينها فقد تسلل إلى خافقي وشعرت معه أن عهد الطمأنينة قد ولّى ..
كنت أخشى على نفسي دائماً من البقاء على قيد الحياة وحيدة بدونك، فحصل ما خشيته و متُّ في الثانية الواحدة آلاف المرات ..
على هذا النحو نموت ونحن أحياء ..
أما مع بزوغ الفجر فقد وصلت إلى ما حدثتني به ذاتي وأشرقت شمس الحب في سماء فؤادي مجدداً فأعطت الدفء لزواياه والطاقة لأضلعي ..
رغم التحديات، ندرة اللقاء ،بعد المسافات وذاك السلك الشائك المزروع في دربنا أنا أحبك، ألِدُ أحلامي من رحم بؤسي، أعلق أملاً محالاً على جدران روحك المتفردة بحلاوتها، لا أعتقد أبداً أن الدنيا أنصفتني في يوم من الأيام من قبل أن أعرفك، أنا على يقين بأنها لم تبتسم لي إلا عندما لاح وجهك في الظلام فكنت القمر الذي ألقى بوشاحه الفضي على أكتافي كي أبدو سيدة الأمسيات المخملية الناعمة ..
يا حبي الأوحد في هذا الزمان:
عشت في غياهب الحزن الذي حولني إلى أنثى من رماد قلّبتُ جمر أتراحي بكفّيّ حتى انبعث من صوبك شعاعاً ،انعكس على ملامحي في الداخل والخارج ..
أزهر اللوز في مهجتي، أينعت ثمار حان قطافها عن شفاهي، وأما عن روحي التي كانت تنزف ألماً في غيابك باتت ترشح شوقاً و حنيناً إليك، تحولت حقول صدري التي كانت جرداء إلى بساتين نبتت فيها أزهار شقائق النعمان،قلتَ لي: الثبات على طريق حبك جهاد فاختلفت مشيتي التي كانت مهتزة و غدت ثابتة الخطى على الأرض فأنت تعمل في جسدي عمل المخيخ فهو إن تعطل عن عمله وأصابه الضمور فإننا نفقد توازننا وأنت، ومن سواك أنت إن غبتَ عني اختل توازني و اضطرب عقلي ..
هاأنت عدت إلى مكانك مابين الضلوع ولهذا:
اقترب مني أكثر ولا تكترث بخراب سيحل بالمدائن حولنا،
اغمر أشواقي الكروية وازرع معي رغبتنا المجنونة في بلد الرمل ..
لامس نبضاتي ما إن تضع يداك على قلبي فتشعر عندها كم وكم تجري في دمي وشراييني ..
اصنع لي بيديك الفاتنتين طوقاً من الياسمين ،ضعه حول عنقي واكتب لي على كل وردة الكلمة التي أحب سماعها منك (حبيبتي) …
وأنا سأنجو من خطيئتي باللجوء إلى عالم شفتيك الكرزيتين والإبحار في أعماقك لأُخرِج للكون جوهرة نادرة الوجود لا تُقَدّر بثمن ..
يتورّد إحساسي ما إن تصوّر حسنك وجسّ نبض عشقك.