التجربة الإسبانية لدى الشاعر عبد الوهاب البياتي
بقلم: د. خالد سالم
تمثل إسبانيا، قبل وصول البياتي إليها وفي أثناء العيش فيها، بماضيها الثقافي وحاضرها المعرفي، نقطة ملفتة في شعره. فقد عاش في مدريد طوال عقد الثمانينات حيث كان قريبًا من حركة الإستعراب المعاصر في جامعة مدريد الذي كان نجمه الوضاء ممثلاً في المستعرب ورئيس الجامعة صديقه بدرو مارتينيث مونتابيث.
فمن خلال هذا المستعرب وأجيال تالية عليه من المستعربين تمكن البياتي من ترك بصماته على أداء هذه المدرسة الإستعرابية الحديثة والجديدة وتوجهاتها، إذا أخذنا في الحسبان أن الاستعراب الإٍسباني ظل حبيس الحقبة الأندلسية، وكانت شطحاته في العالم العربي مجرد تجارب فردية قصيرة النفس تجلت في إشارات سريعة، أو ترجمات قليلة للغاية.
ويمكن الجزم بأن عددًا من مستعربي إسبانيا المعاصرين وأمريكا اللاتينية خرجوا من عباءة البياتي على طول محطته الإسبانية. وفي الوقت نفسه عسكت ثلة من أصدقائه ورفاق العرب مقهى “Fuyma فويما” وسط مدريد الذين كتبوا في المطبوعات العربية عن إسبانيا المعاصرة من منظور حديث لا يقتصر على الأندلس فقط.
كان البياتي قد وصل إلى مدريد مطلع “مستشارًا” ثقافيًا، وظل فيها عشر سنوات(1) أثرى فيها الاستعراب الإسباني، ولفت الانتباه إلى وجود عالم عربي معاصر ثرىِّ يموج بحركات أدبية وسياسية لا تقل عن أية منطقة أخرى من العالم، وفي الوقت نفسه لفت انتباه العالم العربي إلى إسبانيا المعاصرة التي أخذت حينئذ تشق طريقها إلى المعاصرة والديمقراطية بعد وفاة آخر الطغاة في أوروبا الغربية، الجنرال فرانكو في 1975.
كان البياتي يسعى، في محطته الإسبانية، نحو عالمية معاصرة بدأها في شبابه ،وتوزعت على عواصم عدة باختياره حياة المنفى تارة، أو بالبحث عن ضالته في هذه العواصم مثل القاهرة، بيروت، دمشق، موسكو، مدريد تارة أخرى، فنسج وشائج واسعة مع أدباء العالم وشعرائه الكبار في تلك العواصم ذات المعنى الخاص في أشعاره، ما سمح له بالاقتراب والامتزاج مع التراث والأسطورية والصوفية.
حضور إسباني مبكر
ثمة اهتمام واضح بإسبانيا ظهر مبكرًا لدى عبد الوهاب البياتي، في شعره ونثره، فمدن كمدريد وغرناطة وقرطبة وطليطلة أخذت تطل على قراء شعره في مسحة معاصرة منذ دواوينه الأولى، فخالف آخرين من أترابه وغيرهم في تناول الموضوعات الأندلسية المطروقة في الشعر العربي المعاصر.
وقد حظيت هذه الحواضر الإسبانية بحضور بارز فى شعره ،إلى جانب مثقفين ومبدعين، من بينهم سلفادور دالي ،وبيكاسو ، وفدريكو غارثيا لوركا، ورفائيل ألبرتي، وأنطونيو ماتشادو، وأحداث سياسية اجتماعية كالحرب الأهلية الإسبانية (1).
هذا إضافة إلى عناصر وشخصيات هيسبانية، أي من الدول الناطقة بالإسبانية: كالشاعر التشيلي بابلو نيرود، والشاعر المكسيكي أوكتابيو باث، والرئيس التشيلي المغدور سلفادور الليندي، ومواطنهما الرسام روبرتو متا، والثائر الأسطورة تشي غيفارا ، ورفيق دربه الكوبي فيدل كاسترو، والبطل الثوري المكسيكي إميليانو زاباتا. ولا عجب من هذا الزخم الهيسباني، من إسبانيا وأمريكا الناطقة بالإسبانية، فهذه القارة بكل ما فيها من ثورات وانكسارات تمثل إنسان القرن العشرين بآماله وهمومه ومآسيه، الذي يعد –بدوره – الهم الأول للبياتي شاعرًا وإنسانًا، في قرن تآزرت فيه سبل الظلم والبربرية ضد الإنسان.
والحضور الإسباني ممثلاً في الحرب الأهلية بمضاعفاتها: الدور البطولي للعاصمة الإسبانية مدريد في مقاومة الفاشيست ،واغتيال غارثيا لوركا في الأيام الأولى لاشتعالها، وما ترتب عليها من تشريد للجمهوريين، إلى جانب الرموز الهيسبانية، كلها تدخل في سياق الرؤيا الاجتماعية والتاريخية لشعر البياتي التي تتمحور حول القوى الصاعدة وهي “تصنع التاريخ، وتقاتل ضد القوى التقليدية الراكدة” حسبما يشير الدكتور محيي الدين صبحي في دراسته “الرؤيا في شعر البياتي” (2). لهذا فإن إعمال البياتي لهذه الرؤيا وإسقاطها على هذا السياق الإسباني والهيسباني جاء في لحظة تاريخية تلاقت مع فكره السياسي.
غير أن هذا الحضور، أو اهتمام البياتي بإسبانيا لا يرتبط بالحنين إلى ما هو أندلسي، على عكس شعراء وكتاب عرب آخرين قصروا هذا الجانب على ما وصفه بعضهم بالفردوس المفقود، أو ما أعده نزار قباني “وجعًا تاريخيًا لا يحتمل”. ومع أن اهتمام البياتي انصب في البداية على إسبانيا المعاصرة، فإن الأندلس ظهرت في مرحلة متأخرة في شعره على أثر زيارة قام بها لهذا البلد في مطلع شهر نوفمبر 1973 بعد انتهاء منفاه القاهري وعودته إلى بغداد. وكانت تلك الزيارة، إضافةً إلى الصداقات التي كانت تجمعه ببعض المثقفين الإسبان، سببًا في اختياره مدريد للعيش فيها طول عشر سنوات انتهت في مارس 1990.
كانت محطته الإسبانية هذه بمثابة تجربة ثرية قربته من بُعد آخر هو البعد الهيسباني أو الأمريكي اللاتيني، ما أسفر عن قصائد في ديوان “بستان عائشة”، فضلاً عن ترجمته بعض قصائد الشاعر المكسيكي أوكتابيو باث وغارثيا لوركا في أحد كتب محطته الأردنية “رسالة إلى ناظم حكمت وقصائد أخرى”.
وقد فاق حضور إسبانيا في شعر البياتي حضور أي بلد أجنبي آخر، بل تخطى حضور بلدان عربية كثيرة، حتى ليمكن مقارنته بحضور بلد آخر كان يعشقه هو مصر، وإن كان لأسباب مختلفة في حالة عن أخرى، من بينها وضع ماضي مصر وحاضرها في الوطن العربي، وفترة المد الثوري والقومي التي عاشها الشاعر العراقي في قاهرة عبد الناصر. بيد أن مدريد وغارثيا لوركا هما العنصران الهيسابنيان اللذان سيحظيان بنصيب الأسد في هذا السياق في شعره، وذلك لأسباب عقائدية واضحة، فدور مدريد البطولي في الحرب الأهلية و”حفيد هوميروس” المغدور على يد الفاشيست كانا مما لاشك وراء هذا الإهتمام البارز لدى البياتي.
مدريد
احتلت الإشارات الإسبانية مكانًا بارزًا ومبكرًا لدى البياتي، ففي أول ديوان له في المنفى “المجد للأطفال والزيتون”، برزت مدريد إلى جانب طهران وشيكاغو في قصيدة “رفاق الشمس” لتكون صرخة من أجل الحرية في المدن الثلاث التي جمع بينها قهر الإنسان. لكن العاصمة الإسبانية تظهر في هذه القصيدة مدينة لها أبواب، وهي ميزة تفتقر إليها المدينتان الأخريان.
وعلى أبواب مدريد انتظرناك طويلا
ولعينيك، رفيق الشمس، خضَّبنا الحقولا
وافترشنا الأرض في أسواق طهران القديمه
وأكلنا الشوك والصبار في أحياء شيكاغو الدميمه
…
إنه الشمس التي من أجلها ناضل آلاف الرفاق
في الهُوى تشرق، في ليل العراق
وعلى أبواب مدريد، وفي أسواق طهران القديمه
وعلى الموتى، وفي أحياء شيكاغو الدميمه (3)
وكانت هذه أول مرة يقترب فيها البياتي من مدريد، وواصل استدعاءها في ديوان “كلمات لا تموت” لتشاركها في ذلك موسكو ونهر الفولغا إلى جانب لينين في قصيدة مهداة إلى مكسيم غوركي لأسباب أيدولوجية معروفة، استمرارًا للحلة التي ألبسها إياها سلفًا من أجل الإنسان.
فمدريد كانت لكثير من مثقفي العالم، وبخاصة اليساريين منهم، رمزًا للحرية والصمود في وجه الفاشيست، انطلاقًا من دورها في الحرب الأهلية . لكن البياتي اتخذ منها موقفًا عدائيًا في بعض الأحيان، وهو موقف يدخل في إطار موقفه هو وجيله الشعري من المدينة عامةً . لم يكن اختيار هذه المدينة مصادفة، بل للطابع السياسي الذي اكتسبته أو لعبته في الحرب الأهلية التي تركت بدورها حضورًا مكثفًا لها في آداب العالم المعاصرة.
لم يقتصر حضور مدريد في شعر المنفى لدى البياتي على المدينة بعينها، إذ تضمنتها قصائد أخرى ،كتلك التي خص بها الفنان الإسباني العالمي بابلو بيكاسو، والتي يربط فيها مدريد بالغجر وحقائب السفر، رحيله وسفره الدائم بين جغرافية العالم ، حيث ذاق مرارة المنفى والغربة بمعنييهما المادي والفلسفي. ويصل به الخلط بين هذه المدينة الرمز والبعد الغنائي في قصيدة “إلى هند”، شريكة حياته، إذ تزاحم في أهميتها بغداد التي يحن إليها في منفاه القاهري، في منتصف الستينيات، دون أن يفوته تضمينها بعدًا رومانسيًا في إطار السياق العام للقصيدة.
عيناك مدريد التي استعدتها
عيناك قندهار
بحيرتان عبر غابات النخيل وسهوب النار (4)
مدريد-غارثيا لوركا
غير أن البياتي عند معالجة جريمة اغتيال الشاعر غارثيا لوركا في قصيدة “الوريث” ،يلصق بالعاصمة الإسبانية تهمة مشاهدة جريمة إعدام حفيد هوميروس رميًا بالرصاص، في إشارة واضحة إلى الشاعر الغرناطي، والمعروف أنه قتل بطريقة مجانية وعبثية على يد قوات الحرس المدني الموالية للجنرال فرانكو في غرناطة، لأسباب ليست محسومة إلى اليوم، إبان اشتعال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939)، وإن كان من الثابت أن الحسد والغيرة، إضافة إلى أشعار كتبها صديقه رفائيل ألبرتي ضد الفاشيست، ونسبت إلى غارثيا لوركا، بثتها إذاعة الجمهورية، ونشرتها المجلة اليسارية El Mono Azul “بدلة العمل الزرقاء” كانت من أسباب هذه النهاية الرخيصة لأعظم شاعر إسباني في القرن العشرين.
لا شك أن الشاعر العراقي كان على دراية بأن نظيره الغرناطي اغتيل في مسقط رأسه، لكنه كان يهدف إلى توكيد موقفه الآني إزاء هذه المدينة التي يكن لها كراهيةً عابرة ، ففي القصيدة نفسها يشير إلى إرم ذات العماد، المدينة الأسطورية التي صب عليها الله غضبه لخطاياها حسب النصوص الدينية. وبالرغم من ذكر هذه المدينة الظالم أهلها فإن البياتي لم يرغب في مقارنتها بمدريد، وإن كان قد أضفى عليها طابعًا عدوانيًا في بعض أشعاره.
والبياتي بإشارته غير المباشرة إلى غارثيا لوركا على أنه “حفيد هوميروس”، وهي صفة تنسحب على الشعراء كافة ، يضيف بعدًا آخر على ما هو إسباني في نتاجه الشعري. وإبتداءً من هذه القصيدة، من ديوان ” الذي يأتي ولا يأتي”، أخذ غارثيا لوركا حضورًا مكثفًا طغى على جميع العناصر الإسبانية والهيسبانية عند البياتي، الذي لم يكتف بوصفه السابق له، فأضاف إليه نعتًا هو ” آخر السلالة”، موحيًا بذلك بأنه منقطع النظير بين أقرانه، ليؤكد مرتبته العالية بين من تناولوا الكلمة الشعرية في العالم المعاصر. ويعد غارثيا لوركا من أكثر الأقنعة التي لجأ إليها البياتي ووظفها في نتاجه، خاصة شعر المنفى:
تنقطع الجذور
وآخر السلالة
حفيد هوميروس في مدريد
يعدم رميًا بالرصاص، إرم العماد
تغرق في ذاكرة الأحفاد
مات المغني، ماتت الغابات
وشهريار مات (5)
ظلت مدريد تغازل أعمال البياتي ابتداءً من ديوانه الثالث، “المجد للأطفال والزيتون”، حتى دواوينه الأخيرة، لتظهر مقترنة بموضوع إسباني آخر ذي شعبية عريضة، هو مصارعة الثيران، دون أن يتخلى عن استذكار غارثيا لوركا الذي يموت مناضلاً في هذه المدينة. وتظهر مدريد على صلة بما هو غير مرغوب، وظلمة الليل أو الظلم، والموت، والتشوه، والعوز، ففيها يموت الفنان، الشاعر، ليبعث في مكان آخر تحت أقنعة جديدة بحثًا عن مملكته المفقودة في هذه المدينة. وهي صفات تقاسمها البياتي مع كتاب إسبان ذاقوا مرارة المنفى، وضاجعوا الهزيمة، هزيمة الجمهوريين في الحرب الأهلية، ومن بينهم الشاعر رفائيل ألبرتي، صديق غارثيا لوركا، وآخر شاعر على قيد الحياة من جيل الـ 27، الذي أوشك على أن يتم قرنًا، إذ ولد في نهاية سنة 1902.
يكتب فوق حائط السجن، وفوق جبهة المدينه
أشعاره الحزينه
مناضلاً يموت في مدريد
مضرجًا بدمه وحيد
تحت قرون الثور أو في ساحة الإعدام
…
رأيته: يولد في مدريد
في ساحة الإعدام أو في صيحة الوليد
متوجًا بالغار
تحوم حول رأسه فراشة من نار (6)
هذا دون أن ينسى الشاعر محاكاة دون كيخوتي في منازلة أعداء الإنسانية والحرية، ممتطيًا صهوة فرسه الخضراء. ويواصل الشاعر مشاعره العدائية تجاه العاصمة الإسبانية ليضعها في مصاف مدن الثورات المغدورة، وكان الثائر الأمريكي اللاتيني تشي غيفارا، بما يعنيه في هذا السياق، الرمز المناسب لتحقيق مقصده بهذا الصدد. ويصل إلى ذروة هذه المسيرة في ربطها بالليل الحالك الظلام والنار في إشارة واضحة إلى واقع البلاد السياسي الرازح تحت وطأة نظام الجنرال فرانكو الذي أشعل نيران الحرب الأهلية بانقلابه على الجمهورية الثانية ليأتي عليها، ويئدها وهي في المهد، بعد سنوات من مولدها:
في زمن المنشورات السرية،
في مدن الثورات المغدورة،
“جيفارا” العاشق في صفحات الكتب المشبوهة
يثوي مغمورًا بالثلج وبالأزهار الورقية
…
وبنار الليل القادم من مدريد
يبيع الجزارون لحوم الشعراء المنفيين(7)
الشاعر رفائيل ألبرتي
ومع هذا الوضع، أي وَأْد الجمهورية الإسبانية الثانية، اشترك مع البياتي كثير من شعراء إسبانياومثقفيها في تجربة المنفى التي دامت عقودًا. وكان من بين هؤلاء الشعراء رفائيل ألبرتي ، الذي تنقل منفيًا طول أربعة عقود بين جغرافيات العالم من شمال إفريقيا إلى باريس والأرجنتين وروما، والذي تعرف إليه البياتي في مدينة ستالينغراد في حضور الزعيمة الشيوعية الإسبانية دولوريس إيبارّوري “باسيوناريا”، وكان ذلك في منتصف الستينيات، ثم التقيا مجددًا في منفى ألبرتي بروما.
غير أن هذا اللقاء لم يكن عابرًا؛ إذ أدى إلى صداقة بين الشاعرين، العربي والإسباني، تكرست بوصول البياتي إلى مدريد حيث عاش طوال عقد الثمانينيات. وأفضى ذلك إلى أن يخص البياتي الشاعر الإسباني بقصيدة مطولة، استلهم فيها واقع البلاد المترتب على تلك المواجهة الدامية بين أنصار الجمهورية واليمين، استوحى فيها حياة شاعر إسباني آخر مات في المنفى بجنوب فرنسا؛ هو أنطونيو ماتشادو، إلى جانب الشاعر الأسطورة غارثيا لوركا، وكلاهما مات ضحية الحرب الأهلية، وإن كان ذلك بطريقتين مختلفتين.
في قصيدة ” إلى رفائيل ألبرتي”، من ديوان “قمر شيراز”، نجد أن ” خيط النور”، بما يعنيه في شعر البياتي- إذ إنه يرمز إلى الخط الفكري للشاعر- لم يعد مقصورًا على غرناطة ؛ بل منح هذه الميزة لحاضرة أندلسية أخرى، هي طليطلة. هذا دون أن ينسى عبد الوهاب البياتي استلهام الغابة الإسبانية بما ترمز إليه عند رفائيل ألبرتي نفسه من خلال سيرته الذاتية فى “الغابة الضائعة” (8) أى المرحلة الغضة الخضراء من طفولته التي عاشها على ساحل الأطلسي في بلدته بويرتو دي سانتا ماريا.
هذا إضافة إلى ما ترمز إليه الغابة، غابة إقليم قشتالة، في شعر أنطونيو ماتشادو الذي نعى أفول نجم الإمبراطورية الإسبانية التي لم تكن لتغيب عنها الشمس على يد الإمبراطورية الناشئة، الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يعرف بنكبة 1898 التي خسرت فيها إسبانيا آخر مستعمراتها، كوبا والفلبين، لصالح أمريكا، وذلك في ديوانه “حقول قشتالة”- كانت هذه الهزيمة العسكرية والسياسية سبب مولد جيل الـ”98″ من كتاب إسبانيا الذين حاولوا البحث عن أسباب هذا التردي الوطني. وهذه النكبة تجمعها خيوط موازاة مع نكسة يونيو/حزيران 1967 العربية عبر الأسئلة التي طُرحت حول الأسباب.
وتحلق قصيدة البياتي في أفق البحر، العنصر الطبيعي المهم والمحوري في شعر ألبرتي الذي تردد صداه في هذه القصيدة التي حملت الشاعر العراقي ليجوب من خلالها آفاق إسبانيا المعاصرة مجسدة برموزها الثقافية، من منفيين وأموات.
يواصل البياتي استلهامه للواقع الإسباني في هذه القصيدة المهداة إلى ألبرتي، فيضفي على مدريد طابع الحنين من خلال هذا الشاعر الأندلسي الذي يبكيها من منفاه في روما. وفي أبياتها لجأ إلى تقنية الوقفات والحوار مع محور القصيدة نفسها ،ونعني به ألبرتي الذي يبكي وطنه ومدريد في المنفى، في مدينة موصدة الأبواب أمام الشعراء ، حيث يموت بعضهم كمدًا في المنفى، في حين ينوء بعضهم الآخر بالفقر القاتل:
” وقفنا تحت عمود النور، رأينا: نار الشعراء
الإسبان المنفيين الموتى: لوركا- ماتشادو… ناديتك ألبرتي!
فأجاب: الشعرُ
وآخر طفل في المنفى يبكي الوطن الأم
ويبكي مدريد(9)
مدريد – لوركا مرة أخرى
وفي موضع آخر، في قصيدة ” الموت في الحب” ضمنها ديوان “الموت في الحياة”، تكتسب مدريد صفة جديدة وأكثر إيجابية، إذ يربط بينها وبين الولادة، ورمزية سنابل القمح، ليولد فيها عالم جديد. غير أن هذه الولادة، الأمل، لن تتم إلا تحت سماء عالم جديد، في مدريد، وهي مشروطة بالطوفان الذي سيغسل عار البشرية ووجه هذه المدينة القبيح الذي داسته سنابك خيل الحرس الأسود، أي الحرس المدني الذي استخدمه فرانكو في قمع الشعب. والولادة في هذه القصيدة تحيل إلى العذراء التي وضعت المبشر بالحب والحرية تحت جذع نخلة، ضمن استلهام البياتي لأساطير حضارات حوض البحر المتوسط، إذ يحط في ممفيس ، ويحمل القارئ إلى أوليس وأوفيليا وعائشة. هذا دون أدنى رغبة في تفسير الشعر على أنه انعكاس للواقع، إذ إن شعر البياتي إبداع للواقع، وإغناء له من خلال توظيف الأدوات الإنسانية المتاحة من تجارب وأساطير في قصائده.
أيتها العذراء
هزِّي بجذع النخلة الفرعاء
تساقطُ الأشياء
تنفجر الشموس والأقمار
يكتسح الطوفان هذا العار
نولد في “مدريد”
تحت سماء عالم جديد (10)
لجأ البياتي إلى الرمز الشخصي والعام، إلى الرمز الجماعي، مستلهمًا الشخصيات التاريخية والأساطير والأقنعة، من خلال التراث العربي والإنساني، ليصل إلى الولادة، إلى عالم جديد، عبر الموت، وهو مسار تمثل في هذه القصيدة، فعائشة ليست إلا روح العالم المتجدد من خلال الموت والانبعاث.
يعد الشاعر غارثيا لوركا أحد أبرز العناصر الإسبانية في شعر البياتي، إذ احتل حيزًا كبيرًا ومحوريًا إلى جانب مدريد، فقد شكلا معًا لحمة أكثر من قصيدة. وكان هذا الشاعر الأندلسي والحرب الأهلية الإسبانية سببًا رئيسيًا في اهتمام البياتي المبكر بإسبانيا، منذ الأربعينيات. وهو من الشعراء القلائل الذين ترجم لهم البياتي أشعارًا، إذ ترجم له سبع قصائد نشرها في كتابه ” رسالة إلى ناظم حكمت وقصائد أخرى” الذي نشر في الأردن مؤخرًا.
كان هذا الاهتمام وراء قيام البياتي برثاء غارثيا لوركا، ليصبح الشاعر الوحيد إلى جانب التركي ناظم حكمت اللذين خصهما بمرثية، وإن كان قد خص الشاعر اللبناني خليل حاوي الذي انتحر إبان الإحتلال الإسرائيلي لبيروت بمرثية أخرى، لكنها جاءت في مرحلة متأخرة، في 1983، فى أثناء إقامته بمدريد. لقد جمعت صداقة حميمة بين البياتي وناظم حكمت طوال منفاهما في موسكو في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات، أي إن علاقة مباشرة كانت قائمة بينهما، وهو مبرر كافٍ لهذا التكريم الشعري من قبل الشاعر العراقي. إضافةً إلى أن الشاعر التركي قد خص البياتي حينئذ بمقالتين في الصحافة الروسية نشرهما البياتي مترجمتين في “حرائق الشعر”.
أما سبب اهتمام البياتي بغارثيا لوركا، فقد أقر به في كتابه “تجربتي الشعرية” ، إذ يؤكد أن أشعاره -هو وشعراء آخرون- لها قدرة النفاذ من خلال الموسيقى والصورة والرؤية إلى وجدان الإنسان المعاصر، في الوقت الذي تنطوي فيه على نوع من الالتزام الواعي النابع من نفوسهم ووجدت في أشعارهم كل خصائص بلادهم وقسماتها التي تصل إلى التصور الإنساني الكامل، خصائص الإنسان الحي في تشيلي وإسبانيا (11). هذا إلى جانب ما يعنيه الشاعر ومسقط رأسه، غرناطة، للشاعر العربي، إذ اتخذ منحى مكثفًا، فاق ما عناه لمثقفي العالم التقدميين.
فضلاً عن هذا ، فإن البياتي اتخذ من الشاعر الغرناطي نموذجًا لعصر بكامله : إنه المثقف الشهيد، الشاهد على تداعيات الصراع الذي فجره القتلة، وجعل منه بطلاً أسطوريًا ورمزًا للمغدور بهم من المثقفين والغرباء في أوطانهم. ويلمح إلى أن غارثيا لوركا كان قد توقع مصرعه، وهو ما يتسق مع الواقع ، فما زال هناك غموض يحوم حول مغادرته مدريد وعودته إلى غرناطة فور اندلاع لهب الحرب الأهلية ، مع علمه أن الفاشيست قد سيطروا عليها، فكثيرًا ما تعرض أيامئذ للإهانة من جمهور مسرحياته في العاصمة ؛ لتناوله أفكارًا عدها الحضور المحافظ خارجة عن قيم المجتمع، وهي وقائع معروفة ومسجلة.
في إحدى قصائد البياتي الطويلة والمكثفة في هذا السياق الإسباني، “إلى إرنست همنغواي” ، نجد لغارثيا لوركا حضورًا إلى جانب مدريد وغرناطة، إضافة إلى “الحرس الأسود” ، وكتب الرحالة الإسباني والشيخ الأكبر ابن عربي المتصوف الأندلسي ، وكلها عناصر يختزل عبد الوهاب البياتي من خلالها العذاب والموت والدم، سمات إسبانيا التي يعاني فيها إنسان العصر تحت قبضة النظام الفاشي الذي حكمها طول أربعة عقود بالنار والحديد. كان صراعًا بين قوى الظلام والإنسان الذي صورته هذه الأبيات، مستعينًا في ذلك بالتراث العربي الأندلسي ليعكس الواقع الإسباني المظلم، فالموت والدم في كل مكان إلى جانب قمع الحرس المدني المتهم بتنفيذ اغتيال الشاعر الغرناطي في ضواحي غرناطة. وهي الحادثة التي عالجها فيلم للممثل الكوبي المعروف أندي غارثيا، وعرض في مطلع عام 1997، في دور العرض بإسبانيا، سبقه في ذلك الكاتب الإيرلندي إيان جيبسون في المجلدين الكبيرين اللذين كتبهما عن حياة لوركا وموته.
تجمع بين هذه القصيدة وقصيدة أخرى هي “محنة أبي العلاء” تقنية تداعي الخواطر، إذ يربط الشاعر الغرناطي بمبدع آخر اهتم بإسبانيا وحربها الأهلية ومصارعة الثيران في أعماله، هو الأمريكي هيمنغواي ، وروايته المعروفة “لمن تقرع الأجرس؟”. فمن خلال محنة المعري استلهم البياتي شخصيات جمع بينها التمرد والعذاب والاضطهاد، مثل غارثيا لوركا، وغاليليو غاليلي، والمعري نفسه، إذ كانوا شهودًا فاعلين للثورة ، ورموزًا لتمرد الإنسان على الظلم والظلام والقهر والفقر:
لمن تغني هذه الجنادب؟
لمن تضىء هذه الكواكب؟
لمن تدق هذه الأجراس؟
وأين يمضي الناس؟
…
يا ليل! يا نعاس!
لوركا ونور العالم الأبيض في الأكفان (12)
غير أن التحدي لازم هذا الإنسان من خلال جملة تنسب إلى غاليليو، وهي ذات دلالة واضحة في هذا الصدد، “ولكن الأرض تدور”، وقد وضعها البياتي عنوانًا جانبيًا لهذه القصيدة ، وللمقطع الأخير من القصيدة نفسها. أما غارثيا لوركا فقد بلغ مصيره المحتوم حاملاً النور في هذه القصيدة في جو من الحزن والحسرة والحنين إلى بغداد، رغم التحدي واللمحات الوجودية والتضحية التي تنسحب على شخصيات هذه القصيدة الطويلة، المكونة من عشر مقطوعات-قصائد دائرية.
ومن خلال التقنية عينها، أي تداعي الأفكار، يتوالى استلهام شخصيات أخرى في القصيدة- الديوان “الذي يأتي ولا يأتي” ، في قصيدة “طردية” – على وجه التحديد – التي تدور حول مقتل غارثيا لوركا، كشيخ المعرة، ذي المحبسين، وكاثرين بطلة رواية هيمنغواي ” وداعًا للسلاح” التي ماتت لتهب الحياة، وعمر الخيام، وكلهم يجمعهم العذاب والتضحية، إلى جانب المطاردة التي تنتهي بقتل الشاعر الغرناطي:
الأرنب المذعور عبر الغسق الغارق في الضباب
تنهشه الكلاب
بكم تبيع، أيها الصياد!
شهادة الميلاد؟
كاترين، وهي تلد الحياة
ماتت، وهذا الأرنب المذعور يصبغ في دمائه مخالب الكلاب والأعشاب
….
لوركا يُجرُّ واقفًا للموت في الميلاد
أمامه، كانت كلاب الصيد تجري
تنبح الجلاد (13)
وعنوان القصيدة يستدعي صورة المطاردة من خلال لقطات سينمائية، فالصياد وكلابه وراء الفريسة “الأرنب المذعور”، وتستمر دائرة هذه اللقطات بظهور كاثرين التي تموت وهي تلد، فى حين يحدج المعري الضرير السماء بنظرة ازدراء، لتنتهي بصيد الفريسة ومقتلها: مقتل الشاعر الغرناطي.
غير أن مقتل الشاعر، في القصيدة ذاتها، لم ينل من عزيمة البياتي الذي يأبى الانحناء أمام الهزيمة، إذ يصر على المقاومة، وهي من ميزات شعره، ليصل إلى ذروة التحدي باستلهام التراث العربي الأندلسي ممثلاً في خطبة طارق بن زياد التي ألقاها في جنده، بعد عبور المضيق، إذ أحرق السفن ليقطع طريق العودة أو التقهقر، وليواصلوا فتح الأندلس، إذ لا خيار سوى النصر. وفي هذا إسقاط على إنسان العصر:
إياك والفرار
أمامك البحر ومن ورائك العدو بالمرصاد
الموت في كل مكان ضرب الحصار (14)
يلاحظ أن موت غارثيا لوركا، الذي صوره البياتي على أنه وقع في مدريد، بدأ يلمح إلى موقعه الحقيقي، أي في غرناطة، في قصيدة “الموت في غرناطة” ، دون أن يشير صراحةً إلى ذلك، إذ اكتفى بأن وظف “معلم الصبيان” ليعلن في غرناطة أن الفاشيست قتلوا الشاعر ومثلوا بجثته على نهر الفرات، في حين يصر على أنه سيبعث من التراب كالعنقاء التي يناجيها بالرغم من يديه المبتورتين. وقد لجأ البياتي إلى السرد في معالجته هذه الحادثة.
جمع البياتي في هذه القصيدة بين غارثيا لوركا وشخصية تاريخية أخرى لقيت حتفها، أو صفيت على يد الخصوم، الشهيد الحسين بن علي، فكلاهما شهيد، كل من منظور خاص، وكلاهما لقي “موتًا ثوريًا ونبتياً، بذرة خصبة من شأنها أن تثمر مولدًا أجمل، حياةً جديدة وأسمى”(15).
ويواصل الشاعر مسيرة صهر العناصر الرمزية والأسطورية، ليتولد لدى المتلقي شعور بأنها قصيدة مشحونة بالعناصر، وأن هذه العناصر مكررة في بعض الأحيان ، وحافلة بالاستطراد في أحيان أخرى. لكن هناك علاقة متينة ومبررة تربط فيما بينها وتحكمها.
يمثل الموت – وبشكل خاص الموت الغاضب أو المضحَّى- عنصرًا موحدًا بين القصائد التي تتطرق إلى ما هو إسباني. وهذا الخيط الموحد بين أبيات هذه القصائد قلما يأتي رمزيًا، وفي حالة كهذه، وعندما يلجأ الشاعر إلى الرمز، يأتي الموت ممثلاً في فراشة ترمز إليه أو إلى روح الميت ، حسب معتقدات حضارات الهلال الخصيب القديمة – كما هو معروف – وهو ما يلاحظ في قصيدة ” الموت في الحب” (16).
غير أن اغتيال غارثيا لوركا يمثل مركز ومرجعية كل أنواع الموت، إذ تدور حوله أو تسير في خط موازٍ لمقتله. إضافة إلى إسقاط وقائع الحاضر على التاريخ من خلال استقطاب التاريخ عبر الحوادث المأساوية المتشابهة؛ ومن هنا جاء اختياره لمقتل الحسين الذي ألبسه حلة الاستشهاد.
كان اختيار غارثيا لوركا له مبرره في التوجه السياسي والفكري للبياتي، وبالرغم من يأسه أمام استشهاد هؤلاء الثوار، فإنه يتغلب على هذه الحالة بالإصرار على أنهم سوف يبعثون، فالبعث هو طريق الخلاص: الثورات، التي ستنتقم بدورها لشهدائها. كما أن دماء هذا الشهيد لم تذهب سدى ؛ بل لسبب يوتوبي، من أجل المدينة الفاضلة التي ينشدها شعر البياتي، في الوقت الذي يحاول فيه إعادة الأمور إلى نصابها من خلال الكلمة المكتوبة. ويرى محمد زفزاف أن البياتي دفع قضية غارثيا لوركا إلى مستوى عالٍ من الرمزية والوضوح، فهذا الشاعر الغرناطي لم يمت في إسبانيا، بل في العراق، على نهر الفرات، إذ أعدمه السفاحون الفاشيست (17).
يحقق حضور الشاعر الغرناطي في شعر البياتي ذروته في “مراثي لوركا”، إذ يجمع في مقطوعاتها الست بين غارثيا لوركا ومدريد وغرناطة، لكن الشاعر لم يظهر بوضوح في مراثيه، إذ اكتفى البياتي بجعله العنصر المشكل لنسيج القصيدة. كما أنه يرصد في المراثي شخوصًا وعناصر أسطورية، وأحداثًا تاريخية، يجمع بينها خيط موحد: الموت، في جو من الحزن والتشاؤم. وبداية القصيدة ذات دلالة واضحة في هذا السياق، في الوقت الذي يدفع الشاعر بزخم الأساطير العراقية القديمة ، ممثلة في “إنكيدو” ؛ ليصور الموت الأسطوري ، أو أول وقفة للإنسان أمام الموت للتأمل فيه:
يبقر بطن الأيل الخنزير
يموت “إنكيدو” على السرير
مبتئسًا حزين
كما تموت دودة في الطين (18)
يستمر هذا الجو القابض للروح والحزين في “مراثي لوركا” ، وقد سبق أن ظهر في قصائد أخرى إلى جانب الاضطهاد والحزن. إنها حالة من الكرب والاضطراب والحلم، وطريق ملأى بالعقبات، حتى ليصل الإنسان إلى حالة يقف فيها ما بين الحياة والموت:
مدينة مسحورة
قامت على نهر من الفضة والليمون
لا يولد الإنسان في أبوابها الألف ولا يموت (19)
ويصل هذا النهج إلى ذروته بظهور شخصية “بياتية”، هي النخَّاس، رمز الفشل الثوري الذي يرتكب المستحيل: بيع غرناطة وعائشة والعنقاء. هذا في الوقت الذي يوحي فيه بأن الخيانة كانت سبب موت الشاعر الأندلسي، فى حين يربط مسقط رأسه، غرناطة، بالبراءة واليتم، لينتهي إلى الدعوة إلى الثورة انتقاماً من القتلة الذين أراقوا الدماء، دماء غارثيا لوركا، ودنسوا المدينة ، وحولوا بياض ثلوجها إلى ليل حالك الظلام، بارتكابهم هذه الجريمة ضد حفيد هوميروس.
وبالرغم من هذا الجو القاتم الذي يخيم على القصيدة بمقطوعاتها الست، فإن الطفولة السعيدة – طفولة الشاعر الأندلسي – تطل من أبياتها إلى جانب غرناطة و”خيط النور” الذي ربط البياتي بإسبانيا قبل منفاه الاختياري في مدريد وطوله. وهذا الخيط – حسبما أوحى الشاعر – يرمز إلى فكره التاريخي، تقدمه في خط مستقيم نحو الحرية، حرية الإنسان:
غرناطة الطفولة السعيده
طيارة من ورق، قصيده
مشدودة بخيط هذا النور
تهتز فوق السور
غرناطة البراءة (20)
قرطبة – غارثيا لوركا
وقرطبة هي المدينة الإسبانية الثالثة، بعد مدريد وغرناطة، التي احتفى بها البياتي في شعره، غير أن حضورها أقل كثافة من الأخريين، إذ جاء بطريقة عابرة، فقد خصها بإشارة في قصيدتين، الأولى ” عن الموت والثورة”- من المجلد الثاني- مهداة إلى تشي غيفارا ،ويظهر فيها غارثيا لوركا مجدداً، و”الزلزال” المهداة إلى الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي ورفاقه- من المجلد الثالث- إذ يخلط الشاعر بين غرناطة وقرطبة، ويعود ليربط بين غرناطة والشاعر غارثيا لوركا، لكنه يخلط بين غرناطة وقرطبة، فهو تارة يشير إلى أن موت الشاعر وقع في زنزانة الخليفة الأخير في قرطبة ، والملك الأخير فيها أيضًا، والمعروف أن الملك الأخير، أبو عبد الله الصغير، سلم غرناطة ولم يكن في قرطبة، وأن غارثيا لوركا قتل في غرناطة ، وليس في قرطبة. ومع ذلك يبدو أن تبديل الأدوار بين غرناطة وقرطبة تم عن قصد من قبل البياتي، إذ يشير إلى الحمراء بحدائقها الغناء، حيث القمر الولي في عيون قارعي طبول الملك الأخير:
في “قرطبة” يغيب في البحر
…حيث الشاعر الأندلسي في سجون العالم الجديد
في زنزانة الخليفة الأخير في “قرطبة” يموت” (21)
وكما يلاحظ، فإن الشاعر يسقط الماضي على الحاضر ليختلط الواقع بالخيال عبر ومضات وإشارات أندلسية، وأخرى معاصرة.
وفي الوقت عينه ، يعرج على كوبا الثورة؛ إذ نجد أن عائشة بما تعنيه تتوقف ؛ لأن الثورة لا تصل إلى كوبا في عهد الظلم والاستبداد، هذا والشاعر الغرناطي يساق معصوب العينين قبل صياح الديك، قبل شروق الفجر، أي قبل الثورة ، فى حين ذبلت الزهور على ضفتي نهر الوادي الكبير بقرطبة التي يصر الشاعر على الربط بينها وبين لوركا:
“ توقفت عائشة، فالباص لا يذهب في الليل
إلى كوبا، ولا يعود…
قال: أعود- غارسيا لوركا- إذا ما انتصف الليل
وفي الوادي الكبير نامت الزهور
العاشق الأندلسي عصبوا عينيه وقتلوه
قبل أن ينتصف الليل وقبل أن يصيح الديك (22)
وضمن حشده للصور الإسبانية والهيسبانية يعرج من جديد على تشي غيفارا الذي يمثل الوجه الآخر للوركا المثقف الشهيد، أو الوجه النظري، في حين أن الزعيم الثوري يمثل الوجه العملي، شهيد الثورة الذي شهر سلاحه في وجه أعداء البشرية في محاولة لإعادة العدالة إلى الأرض التي تفتقر إليها ، بعيدًا عن يوتوبيا الشاعر الذي لا يرى الخلاص في هذا العالم، بل في البعث.
بيكاسو
الفنان التشكيلي بابلو بيكاسو إسباني آخر له حضور خاص ومبكر في شعر البياتي، ففي 1961 خصه بقصيدة “إلى بابلو بيكاسو”، من ديوان ” النار والكلمات” ، عالج فيها بطريقة تصورية لوحاته وألوانه وفرشاته ، دون أن تخلو الأبيات من إشارة واضحة إلى العاصمة مدريد ، وأخرى رمزية إلى غارثيا لوركا. وتعكس هذه القصيدة مناخ إحدى محطات منافي البياتي المتعددة في إطار تأويل بعض لوحات الفنان الإسباني العالمي ومراحله الفنية، إذ يتنقل بينها عبر أخيلة مركبة. في هذا الإطار يكتسب اللون الأزرق، رمز إحدى المراحل الفنية عند بيكاسو، درجة قريبة من الأخضر ليستحيل إلى فيروزي، فى حين يعرج على روح العصر في بزوغ الفجر حاملاً معه النصر (23).
ومع مرور الزمن اكتسب هذا الفنان حضورًا أكثر في أشعار البياتي ، خاصة بعد الزيارة التي قام بها إلى باريس ، حيث كان يقيم بيكاسو، ففي “حجر السقوط”، من ديوان ” الكتابة على الطين”، عاد ليعرج عليه وعلى لوحاته عبر صور جديدة وتواتر أخيلة تصورية ، مع اللعب بالألفاظ بغية تغيير وظائف المعنى.
يواصل البياتي استلهامه لنتاج بيكاسو عبر رحلة في متحف اللوفر، خاصة لوحة “المهرج” في قصيدة “قصائد حب على بوابات العالم السبع”- في الديوان الذي حمل العنوان نفسه- التي ترمز إلى العبث والانسحاق حسب الدكتور محيي الدين صبحي (24) ، إضافة إلى مرحلته التكعيبية.
غير أن المقطوعة الأولى من مقطوعات القصيدة السبع- يعود الشاعر لتناول الرقم سبعة المعروف بتواتر ظهوره في روحانيات وأساطير كثير من الحضارات الإنسانية- تنتهي بالانتحار، كناية عن الانسحاب واعتزال الحياة، فالمقطوعة التالية تعرض لظروف تلك الحياة التي يرفضها، وهو ما يتماشى مع المناخ القاتم الخانق الذي يسيطر على القصيدة ، حيث يقترب الشعر من النثر. والقصيدة في مجملها تلخيص لتجربة الشاعر العاشق، وهو أسلوب طرقه من قبل عبر شخصيات تاريخية استلهمها بإسقاطها على تجربته الشعرية والفكرية، من بينها الحلاج والمعري وإخناتون. في هذا السياق ، أو في إطار الظروف التي حملته على الاستسلام ، يربط بين “نيسابور” و”أركاديا” ، فكلتاهما قضي عليها على يد الساحر، ومعروف أن الأولى كانت مدينة العشق قديمًا ، في حين الأخيرة مدينة السلام والسكينة في العصر الحديث.
وفي الديوان نفسه يعود إلى بيكاسو في قصيدة “الكابوس”، التي هدف فيها إلى التكثيف، إذ استهلها بالعودة إلى جحيمه التصويري من خلال لوحاته بألوانها وبهلواناته، لينتهي إلى مدريد من خلال شخصية عازف القيثارة التي سبق له أن وظفها في قصائده الإسبانية. إنه يلتقط الأفكار والرؤيا التي طرحها في القصيدة السابقة، غير أنه يضيف إليها عنصر الموت في هذه المدينة ؛ ضمانًا للبعث في مدن أخرى ، وفي ظروف أفضل.
واضح أن اختيار البياتي لهذا الفنان الإسباني لم يكن جزافًا ؛ بل كان عن وعي تام بشخصية بابلو رويث بيكاسو وفنه ، فكلاهما ناضل ووظف فنه من أجل الحرية، فمن المؤكد أن بيكاسو لو لم يكن ثوريًا أو متمردًا لما اهتم به الشاعر العراقي ، ولا بفنه. وكان اشتراكهما في الالتزام سببًا دفع كليهما إلى المنفى، وهو العنصر الذي جمع بين البياتي وشعراء إسبان آخرين تمتعوا بحضور في نتاجه الشعري والنثري ، مثل أنطونيو ماتشادو، ورفائيل ألبرتي.
أمريكا اللاتينية – الأندلس
وإلى أمريكا اللاتينية أو الهيسبانية يعود البياتي عبر زميله التشيلي بابلو نيرودا الذي يهديه قصيدة “القربان” ، ليرثيه ليس وحده ؛ بل معه عهد الرئيس المغدور سلفادور الليندي الذي اغتيل فى أثناء مقاومته القوات الفاشية تحت قيادة الجنرال بينوتشيت عام 1973 (25) ، ومات حسرة عليه صديقه الشاعر نيرودا. والقصيدة ذات الروح السياسية ملأى باللوحات الواقعية، أي تقترب من الواقع الذي لم يره البياتي لأسباب جغرافية وسياسية، وإن كان تصوره ليس صعبًا على شاعر أراد أن يكون فاعلاً في قصيدته هذه، فقد استعرض التاريخ القديم والحديث للقارة الأمريكية ، من مذابح الإنديز والهنود الحمر باسم الدين ، إلى المال والبترول ومناجم النحاس والجوع:
رأيت الدم في شوارع القارة مكتوبًا به الإنجيل والمنشور
مطبوعًا به جبين نيرودا…
ورأيت الدم في شوارع القارة،
نيرودا على خريطة التكوين يستقرئ أقمار
براكين الهنود الحمر، غابة من النعاس،
ليل البحر يستلقي على أسرة العمال في مناجم النحاس
كان الجنرال- القاتل المأجور
وهو خائف، يذيع من دبابة، بيانه الأول…
حامل القربان ألقى وردة في النهر
قال: اشتعلي أيتها الأنهار في القارة باسم الفقراء (26)
يلاحظ أن ديوان “سيرة ذاتية لسارق النار” من أكثر أعمال البياتي احتفاءً بما هو إسباني وأندلسي وأمريكي لاتيني، فقد عالج هذه الموضوعات في ست من مجموع ثمانٍ هي قصائد الديوان كله، أي في كل من “المخاض”، و”قصائد عن الفراق والموت” ، و”الزلزال”، و”السيمفونية الغجرية”، و”القربان”، و”الموت في البسفور” المهداة إلى ناظم حكمت. ومما يجدر ذكره أن مولد هذا الديوان جاء إثر أول زيارة قام بها البياتي إلى إسبانيا في يناير1973. كانت قصيدة “قصائد عن الفراق والموت”، ومعها “السيمفونية الغجرية”، نتاجًا مباشرًا لتلك الرحلة؛ حيث استلهم في الأولى حكاية شعبية إسبانية عن أمير عربي أندلسي كان له سبعة أولاد ، أغوت الجنية أصغرهم، وقد لجأ فيها إلى تقنية القصاص الشعبي في السرد، وذلك عبر أسلوب سردي على غرار الحكايات الشعبية، يخلط فيها بين المخيلة الشعرية والموروث الشعبي. وقد وظف فيها مضمون أغنية من أغاني الغجر، استمع إليها في منطقة “ساكرو مونتي” -على مشارف غرناطة ، قرب قصر الحمراء – التي يسكنها الغجر، وفيها تكثر ملاهيهم التي يغنون فيها، ويرقصون “الفلامنكو”، وهو الفن الذي لجأ إليه في القصيدة الثانية “السيمفونية الغجرية” التي غاب عنها الطابع السياسي الذي وسم كثيرًا من أشعاره عن إسبانيا؛ إذ إنها من وحي زيارته لإسبانيا، واستلهامه لغناء ورقص الفلامنكو، فتحولت إلى قصيدة حب لجأ فيها الشاعر إلى بعض المفردات الصوفية عن وعي، فقد كان في حضور الأندلس بصوفيتها الممثلة في قطبها “الشيخ الأكبر” الذي خصه بفاتحة ديوان “قصائد حب على بوابات العالم السبع”.
غير أن القصيدة الفلامنكوية يمكن تلخيصها في أنها رقصة حب تصويرية، عرج البياتي من خلالها على الحوار التصويري بين رجل وامرأة، غجري وغجرية، وهي إشارات سبق أن وظفها في “قصائد عن الفراق والموت”، التي صور فيها ثنائية الحب والموت ، مستخدمًا مضمون أغنية من أغاني الفلامنكو، غناها في حضوره مغنٍ غجري في منطقة “ساكرو مونتي”.
بستان عائشة: ديوان إسباني المولد
في نهاية المطاف نصل إلى ديوان ” بستان عائشة” (27) لنجد أنه أكثر دوواين البياتي احتفاءً بما هو إسباني وهيسباني، إذ يتضمن سبع قصائد تدور حول هذا الموضوع: “إلى خورخي لويس بورخيس”، ” مجنون إشبيلية”، و”إلى بيثنتي أليكساندري”، و”الولادة”، و”مدريد في عيد الميلاد”، و”إلى أوكتابيو باث”، و”إلى أسماء البياتي”، إلى جانب اثنتين مهداتين إلى مستعربين إسبانيين، الأولى “نار الشعر” إلى بدرو مارتينيث مونتابيث، و”نهر المجرة” إلى فيدريكو آربوس.
وهو الديوان الذي ولد كاملاً تحت عباءة إسبانيا، ففيها عاش عشر سنوات، كتبه خلال هذا العقد، قبل رحيله مجددًا إلى بغداد بشهور، أي إنه لم يكن من قبيل المصادفة أو الاستلهام عن بعد ؛ لهذا كان لهذا الزخم الإسباني والهيسباني مبرره بعد معايشة الشاعر لواقع هذا البلد بنفسه ، واقترابه من أمريكا اللاتينية عبر العاصمة الأم للقارة الأمريكية، مدريد.
نختار منه القصيدة التي يفتتح الشاعر بها هذه المجموعة ، وهي قصيدة مكثفة، هي الأكثر شاعرية بين قصائد الديوان ، وقد أهداها إلى الأعمى البصير خورخي لويس بورخيس ، حيث يلجأ إلى إشارات مجزأة من سياقات عدة تدور حول استعارة دائرية لحياة هذا الكاتب الأرجنتيني، العمى- البصيرة، منعطفًا صوب قصر الحمراء ؛ أحد رموز الحضارة العربية في الأندلس التي تشبع بها وتمثلها بورخيس في أعماله الأدبية ، ومحاضراته في بوينوس آيريس في شبابه، ثم يعود البياتي ليئن ويجتر وضعه الشخصي في ملكوت المنفى. وهذه الاستعارة يدركها المتلقي المطلع على بورخيس ، دون حاجة إلى كثير من الخيال والثقافة، ولكن شريطة التسلح بحساسية جمالية ليسبح في معنى كلمات القصيدة التي تفضي بمكنون عالم هذا المبدع-بورخيس- الحياتي والثقافي. كل هذه الدائرة رسمها البياتي عبر التركيز والتكثيف والاقتصاد اللغوي، وهي ظاهرة صبغت جل قصائد هذا الديوان، وإن لم تكن مستجدة على الشاعر الذي كثيرًا ما تسلح بالإشارات والومضات اللغوية ليختزل ويقدم معنى شاملاً لمسيرة ما:
أعمى، لكنك تبصر في عين الكلمات
تتقرى باللمس المرآة
ورفوف الكتب الغرقى بالنور
ونار اللوحات….
أعمى لكنك تبصر
وجهي الآخر تحت قناع الموت
وضياعي في ملكوت المنفى:
من منا الأعمى
في سجن الحرية؟ (28)
وإلى جانب بورخيس يخوض البياتي في عالم مبدعين آخرين هما: الشاعر المكسيكي أوكتابيو باث ، والشاعر الإسباني بيثنتي أليكساندري، وكلاها حائز نوبل لللآداب. وفي حالة الشاعر الإسباني يعود البياتي إلى رسم الليل الذي جثم على أنفاس إسبانيا طول أربعة عقود، أي نظام الجنرال فرانكو، وخاصة على مثقفي هذا البلد الذين عاشوا منفى داخليًا في غالبيتهم. فلنسمعه يقول في مطلع القصيدة:
في بهو الليل الإسباني، فتاةٌ نائمةٌ
يحرسها ثعبان
وعلى قدميها يجثو عبدٌ
ينفخ في ناي ذهبي (29)
وفي هذ الديوان يعود البياتي مجددًا إلى مدريد في نسق عصري، بعيدًا عن دورها في الحرب الأهلية، إذ ينقل القارئ إلى أجواء الاحتفالات الدينية في إسبانيا؛ ليرسم وسطها صورة المسيح المحمول في المواكب وإلى جانبه لمحة يومية من الحياة في المدينة، وذلك في قصدة “مدريد في أعياد الميلاد”.
الهوامش:
(1) Federico Arbós, El talismán de la palabra, Editorial Antonio Machado, Madrid, 2022:
في دراسة واسعة ضمن كتابه ” تعويذة الكلمة” عن البياتي وأدونيس ومحمود درويش يؤكد المستعرب فدريكو أربوس أن البياتي وصل إلى مدريد في شتاء عام 1980 وعاد إلى بغداد في أول مارس 1990. وأكد أنه كان قد عُرض عليه العمل في سفارات العراق في باريس أو لندن أو مدريد، لكنه آثر مدريد حيث شغل منصب مستشار ثقافي ومديرًا للمركز الثقافي العراقي في مدريد. ويؤكد أربوس أن مدريد كانت منفى اخنياريًا للبياتي.
وهنا وجب أن أذكر أنني كنت قريبًا من البياتي وكان قد أسر لي في سنواته الأخيرة في مدريد، عندما علم أنه قد يُعاد إلى بغداد، بأنه كان يحلم بالعودة للعيش في القاهرة. نقلت سنتئذ رغبة البياتي لبعض المسؤولين في عالم الثقافة، دون أن أخبره، لكنني لم أحصد شيئًا في مسعاي، إذ كانت الدنيا قد تغيرت في القاهرة التي عاش فيها في زمان عبد الناصر.
كما نود الإضافة في هذا السياق أن البياتي ظل يترد – بصفة شبه يومية – إلى مقهى ذي طابع شرقي في وسط العاصمة الإسبانية، وكان نقطة التقاء لمريدي الشاعر العربي عربًا وأجانبَ، ومع مرور الوقت نسي الناس اسم المقهي “فويما Fuyma ” ،وأطلقوا عليه أسم “مقهى البياتي”، وكان البياتي قد اختاره لأنه كان يذكره بمقاهي الشرق العربي. غير أنه تحول في منتصف التسعينيات إلى محلٍ أمريكي مجاراةً لروح العصر!
وفي هذا السياق وجب الإشارة إلى أن من الصعب الفصل بين عناصر هذا البحث – من حواضر ومبدعين وثوار- التى تناولها البياتي في شعره، فالفصل بينها من شأنه بتر المعنى ؛ لأنها متداخلة، ومع ذلك حاولنا وضع عنوانين داخلية في محاولة لتسهيل قراءتها.
(2) د. محيي الدين صابر، الرؤيا في شعر البياتي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1988، صـ 28.
(3) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الكاملة، المجلد الأول، صـ 310-311، دار العودة ، بيروت.
(4) المجلد الثاني ، صـ 205.
(5) المصدر نفسه ، صـ 249 .
(6) المجلد الثالث ، صـ 259-261.
(7) المصدر نفسه ، صـ 264-268.
(8) ترجمتها الكاتبة العراقية باهرة محمد، وصدرت عن دار المأمون للترجمة في بغداد، سنة 1993.
(9) المصدر نفسه ، صـ 410.
(10) المجلد الثاني ، صـ 340.
(11) عبد الوهاب البياتي، تجربتي الشعرية، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، دار العودة، بيروت، صـ 18.
(12) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني، صـ 162.
(13) المصدر نفسه ، صـ 227.
(14) المصدر نفسه ، صـ 226.
(15) انظر:
Pedro Martinez Montavez، Exploraciones en la literatura neoarabe، Instituto hispano-arabe de cltura، Madrid، 19….، p.49.
قام الدكتور محمد الجعيدي، عمل في جامعة مدريد أوتونوما سابقًا، بنشر فصل “ثلاث مدن إسبانية في شعر عبد الوهاب البياتي” من هذا الكتاب بعد ترجمته إلى العربية ، ونشرته دار إيف للطباعة والنشر، بيروت، 1982.
(16) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الكاملة، الجزء الثاني، صــ 338.
(17) محمد زفزاف، ” النموذج الثوري في شعر البياتي”، في مأساة الإنسان المعاصر في شعر البياتي، ……صــ84-87.
(18) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني، صـ 344.
(19) المصدر السابق ، صـ 335.
(20) المصدر نفسه ، صـ 347.
(21) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الكاملة، المجلد الثالث، صـ 336.
(22) المصدر نفسه ، صـ 334-335.
(23) كارمن رويث برابو ” اللون في شعر البياتي”….
Carmen Ruiz Bravo-Villasante، “El color en al-Bayati” en Actas de las Primeras Jornadas de literatura arabe contemporanea….، P. 360.
(24) محيي الدين صبحي، الرؤيا في شعر البياتي، …صـ 324.
(25) أذكر أن البياتي شاهد الفيلم السينمائي الأمريكي “مفقود ” Missing”، بطولة جاك ليموند، في إحدى دور عرض السينما في العاصمة الإسبانية، في منتصف الثمانينيات، وكان عن الاعتقالات الجماعية والمذابح التي ارتكبها نظام الجنرال بينوتشيت إبان الانقلاب الذي قاده على نظام الرئيس المنتخب سلفادور الليندي. وقد عاد ليشاهد الفيلم أكثر من مرة ،وفي كل مرة كان يبدو غاية في التأثر أمام عدة مشاهد في الفيلم، غير أن دلائل التأثر بانت عليه أكثر أمام مشهد ملاحقة قوات الانقلاب حصانًا أبيض بعد حرق كتب المثقفين اليساريين. وقد أكد لي، بعد خروجنا من قاعة العرض، أنه لم يتأثر منذ سنين بفيلم مثل ذلك.
(26) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الكاملة، الجزء الثالث ، صـ 362-364.
(27) عائشة: قتلها الحب والفراق، وكان وراء ذلك الدافع الاجتماعي والسياسي، وهذه الجريمة يتحملها عصر ماتت فيه القيم الروحية ،وكتب على البشر العشاق أن يجوبوا العالم ويلفوا حول أنفسهم حاملين معهم جحيمهم وهم يجوبون من منفى إلى آخر ليشيعوا موتاهم… ولكن هذا القاتل، العصر بكامله، لم يكن في حسبانه أن عائشة لن تموت لأنها العنقاء. فكلما احترقت وتحولت إلى رماد نهضت وعادت إلى الظهور على شكل فراشة أو قصيدة أو إنجاز فني ، أو عادت إلى الظهور بلحمها ودمها في عصر آخر. غير أنها كائن بلا لحم ودم، إنها روح و روح فقط. وبستانها… هو نشيد جديد للأرض التي فقدت عذريتها.
(28) عبد الوهاب البياتي، بستان عائشة، دار الشروق، القاهرة/بيروت، 1989، ص، 33-34.
(29) بستان عائشة صـ 36.