ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (30)

محمد زحايكة | القدس – فلسطين

إسحاق البديري.. شخصية مقدسية رفيعة، تعمل من خلف الظلال

التقى الصاحب  باسحاق البديري “أبو أحمد” أيام إدارته لجمعية الدراسات العربية توأم بيت الشرق. وحصل أن تبادل  الصاحب أطراف الحديث مرارا مع هذا الإنسان المهذب الحيي الطيب الخجول الذي يعمل بهدوء وصمت بعيدا عن الأضواء في قاعة الجمعية التي كانت تعتبر الفناء الخلفي أو الحديقة  الخلفية  لبيت الشرق فيما كان أبو أحمد بمثابة الرجل الثاني بعد الراحل فيصل الحسيني أبو العبد كما كان البعض يردد.

و كعادته كان البديري مقلا في الكلام  ويعطيك ملاحظاته أو يكشف عن بعض آرائه إذا اقتضت الضرورة، بما قل ودل من الكلام ويعزف أو يترفع عن الخوض في سفاسف الأمور أو في الأشياء  التي بلا طعمة..

وعلمت منه ومن آخرين أنه مارس العمل الصحفي فترة من الزمن وكان يكتب مقالات الرأي في بعض الصحف المحلية وخاصة في ذكرى مولد أو رحيل الزعيم الملهم الخالد جمال عبد الناصر حيث يطرز فيه أحلى المقالات والكلمات، ويشيد بزعامته الكارزمية  إلى درجة التقديس حتى يوم الناس هذا..  بل إنه سمى إحدى بناته “عروبة ” كما قيل للصاحب إيمانا بأفكار ناصر القومية، ونحن جيل لم يعش أيام صعود ناصر الأسطورية إلا أننا أحببناه بحكم الشعبية الجارفة التي تمتع بها على مستوى الوطن العربي والعالم وما كنا نسمعه َممن هم أكبر منا سنا،  ومن وسائل الإعلام ورجال الفكر والسياسة من ذوي التوجهات الناصرية.

والحكم النهائي على التجربة الناصرية وغيرها التي قضى عليها الحكام الذين جاءوا من بعده وأهالوا عليها التراب، متروك للتاريخ لإنصافها أو التجني عليها  بعد أن أصبحت أثرا بعد عين.. فالتاريخ لا يرحم.. والتاريخ  في نهاية المطاف يكتبه المنتصرون، والعابرون في كلام عابر، للأسف؟

ويبدو أن فرخ البط عوام. حيث التحق بكتائب الصحفيين  ابنته الصحفية اللامعة جيفارا البديري  مراسلة في قناة الجزيرة وابنه أحمد، الصحفي الجريء  “المشاغب”  الحذر والمتردد  في ميوله بين الإسلاموية والتيارات المدنية الليبرالية؟ كما ورد في فيلم “هنا القدس” الوثائقي المثير للمخرج المقدسي رائد  دزدار  مقابلة مع المذيعة ومقدمة البرامج الإذاعية  فاطمة البديري في ثلاثينات وأربعينيات القرن الفارط، مما يعني أن عائلة  البديري الَمقدسية قد خرجت أعلاما يشار لهم بالبنان في مجال الثقافة والإعلام  ومجالات أخرى إلى جانب المكتبات العريقة، كمكتبة البديري  في باب المجلس المفضي إلى الحرم القدسي  الشريف.

وفي الآونة الأخيرة حاول الصاحب ترتيب فعالية بسيطة للاحتفاء بهذه القامة المقدسية الثقافية والقول شكرا لها على عطائها وإنجازاتها ومواقفها القومية، إلا أن جماعة الناصر قوس الأمير الأسمر الشهم، قد سارعت للقيام بهذا الفعل المشرف  وسبقت الصاحب المتردد والعاجز عن إحضار الدعم في 31!! شباط ،  ثم جاءت الزائرة البغيضة كورونا غير المرغوب بها لتفرض اجندتها على الوضع العام  وتشل الحركة الاعتيادية إلى حد كبير.

إسحاق البديري. شخصية مقدسية رفيعة هادئة الطباع  تعمل بعيدا عن الأضواء.. شخصية متأنية ومتروية قبل الأقدام على أي خطوة غير محسوبة، وكأنها  تحسب الربح والخسارة قبل أن تخطو الى المجهول.

أبو أحمد البديري مثال حي للانسان المثقف الواعي الراقي الذي يطرح أفكاره بكل جلاء ووضوح متقبلا  بود وجهات النظر المختلفة ومنفتحا إلى أقصى الحدود على مختلف الأفراد والأفكار في إطار البستان الوطني العام .

كل الاحترام لهذه القامة المقدسية التي عملت للقدس وتراثها العريق  الفكري والثقافي بكل دأب وطول نفس  حتى تبقى هويتها العربية الفلسطينية عصية على التغريب والتهويد.  كل الصحة والسلامة والعمر المديد للعزيز  فارس القدس النبيل إسحاق البديري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى