” بيت الشاي “
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
لابد لمن زار قصر الإمارات في أبوظبي أنه رأى “بيت الشاي” الياباني، والذي يُعد واحداً من أهم الخصائص المميزة للحضارة اليابانية القديمة، وقد أهدي هذا البيت للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، وجاء هذا الإهداء من أعظم الأساتذة في تقاليد “أوراسينكي” لتحضير الشاي في اليابان. وتجدر الإشارة إلى أن الشاي الياباني لا يحمل المذاق الذي نعرفه، وتناوله يرمز إلى حضارة قديمة تعكس مذهب “الزن” الذي يهتم بالروح وصفائها. وتهدف حفلات الشاي إلى ممارسة الطقوس الجمالية في جلال وسكينة، وباستخدام أدوات رقيقة ومحدودة، والكل ينعم فيها بالهدوء والصفاء والتأمل والمتعة الروحية، هروباً من الحياة الصاخبة المجهدة خارج هذا البيت.
و”بيت الشاي” كوخ متواضع، وغالباً ما يقع في حديقة وحوله مياه جارية، ويراعي من يحضره غسل الأيدي في حوض الماء المُعد خارج البيت، وذلك كنوع من التطهر والنقاء ثم يدخل الزائر بيت الشاي. كما يتميز بيت الشاي بأن باب دخوله صغير ومنخفض، بحيث يضطر من يدخله إلى الانحناء، وقد صمم هكذا عمداً لإعطاء الإحساس بالتواضع والاحترام للمكان، وبداية للاندماج في هذا الجو المشبع بالسكينة والهدوء. أما القاعة الداخلية؛ فهي بسيطة في كل شيء وقد فُرشت بِحُصُر ذات ألوان هادئة، وآرائك بسيطة، وحوائط من حواجز خشبية رقيقة، تحيط بورق ياباني أبيض خفيف يسمح بدخول الضوء شفيفاً.
ويبدأ الضيف بتناول الشاي الثقيل، حيث يضع المضيف بعضاً من هذا الشاي في وعاء فخاري، ويضيف إليه الماء الساخن، ويقلبه بأداة صغيرة مصنوعة من خشب “البامبو”، ودون إضافة أية مادة سكرية، وبذلك يصبح الشاي جاهزاً، ثم يقدم هذا الإناء إلى الضيف الأول يليه الثاني حتى ينتهي بالأخير، مع تعمد شرب الشاي من وعاء واحد لتعزيز علاقة المودة والتقارب والخصوصية بين الحضور. ولمراسم شرب الشاي الثقيل تقاليد؛ فعند استلام الضيف للإناء يحيي جاره بإيماءة من رأسه ثم يستأذنه في شرب الشاي قبله، ثم يتناول ثلاث رشفات ونصف، وبعدها يمسح الإناء لمن يليه، وهكذا حتى الضيف الأخير. ثم يقوم المضيف بغسل الإناء بالماء الموجود أمامه، ثم يمرر الإناء للضيف الأول والذي يتأمله ويبدي إعجابه به ثم يمرره إلى جاره.. وهكذا، وسيسمع الحضور تفاصيل مثيره حول هذا الإناء وتاريخه. وتتم هذه الخطوات بهدوء وتواضع، وبذلك يتحقق الهدف التقليدي من هذا الاحتفال وهو العيش فترة بعيداً عن التوتر العصبي الذي تسببه المدنية، ويعقبه عودة إلى الحياة اليومية وقد هدأت الأعصاب وأصبح الإنسان أكثر بهجة وإشراقاً.