تَهويماتٌ في السَّاعةِ الهامِدةِ مِنَ الليلِ.. سَردياتٌ واقِعيةٌ:أبو عُمر

فايز حميدي  | أديب فلسطيني مغترب 

 

كانَ الأوانُ ليلاً …..
كانت الأيامُ تأكلُ بَعضُها ، والقيدُ حَزَّ الساقَ ألماً ..وشموعُ الحُلم تَكادُ أن تُطفئَ في العيونِ والقُلوبِ ..
هُناكَ في حَديقةِ الزاهرةِ الدَمشقية في صيف عام ألفان وَثلاث عشرةَ كانَ كُلّ شيءٍ يَستَغيثُ ، كُنتَ تَسمعُ أصواتَ الناسَ وتشعرُ بِحركَتهم ولا تَرى إلا ظِلالهمْ الخافِتة …
لَقد كانت الطَاقةُ الكَهرباءُ كَعادتِها مَقطوعةٌ في هَذا الحيِّ الكبِير …
بِضوءِ قَداحتهِ اهتَدى إليَّ .
كانَ ذابلاً ، مُرهقاً ، غُصناً عَراهُ الزَمنَ …الخُطوط المَرسومةُ على جَبينهِ وتحتَ ظِلالِ عينيهِ ، تَشهدُ على القساوةِ التي أرهَقت جَسدهِ وَروحهِ ..
وَضعَ يَديهِ في جيبِ سِروالهِ رَغمَ حَرارةِ الطقسِ …
جَلسَ على الكُرسي على مَقربةٍ مِني لَكِن دونَ أن يَتكلم .
– قُلتُ : أجِئتَ لِتُسمِعني صَمتُكَ ؟
هزَ رأسهُ نافياً دونَ أن يلتَفتَ إليَّ .
– لا ..جِئتُ لأنَني اشتقتُ إليكَ .
كانَ حَدسي يَقولُ لي أنني سأجِدكَ في هذهِ الحديقةِ ،وَبحثتُ عنكَ حتى وَجدتُكَ …
– هل رأيتَ صَيفَ دِمشّقَ هَذا العام كم كانَ قاسياً ؟
– لِماذا اللهُ يَفعلُ بِنا ذلكَ ؟
وَلكن ماذا سأقولُ ؟
ما الذي يَنتظِرُنا غيرَ الليلِ والريحِ واصطِفاقُ الأبوابُ …!!
مسكِينٌ هَذا الجِيل ، يموتُ الأعزبُ مِيتةَ الكِلاب ، وَيعيشُ المتزوجُ عِيشتها …
هَل مِنَ المَعقولِ لا يُغطي راتِبي التَقاعُدي سِوى رُبع أُجرة البيتِ .
– من أينَ ساعِيشُ ؟
الناسُ لم تَعُد ناسٌ ! الناسُ لم تَعد تَرحمُ بَعضها ….
ابتسمتُ لِكلامهِ وَقلتُ :
عليكَ أن تتعلمَ كيفَ تتعاملُ بِواقعيةٍ مع ظروفِ الحياةِ هذه …
أبو عُمر جَمعَ حَوله ثُلةً من المُرهَقين والمُعذَبين والبؤساء الذينَ جَوفَتُهم تَفاصيلُ كارِثَتُنا التي نَعيشُها ، وَمعظمُهم من أبناءِ الماضي المُشترك والذينَ قَدَموا وَضَحوا بالكثيرِ من أجلِ الشَعب والقَضيةُ الوَطنيةُ الفلسطِينيةُ ذاتَ يَومٍ …
هَؤلاء الأحِبةُ لهُم قُدرةٌ عَجيبةٌ على التقاربِ والتَشاركِ في الأحزانِ والأفراحِ على قِلتِها ، والتناغمُ فيما بَينهُم ، وابتداعِ الإبتسامةِ ….
مرَّ مِنَ الوقتُ القليلَ .
اجتمعَ أصدقاءُ أبو عُمر…
– قلتُ وأنا أفتعلُ التَعقُلَ حتى تَستطيعَ الحياةَ عَليكَ أن تَقضي على الانفعالاتِ السّامةِ التي تُنتِجُها هذه الأزمةُ :
الإحباطَ ، الإكتِئابَ ، إنعدام الأفُقِ ، وَالغيرةُ ، وأن نَملئَ ذَلِكَ الحيز بالتَفاؤلِ ، الأملَ ، التَفاهُم والمَحبة…..
وَقفتُ مودعاً ..
– قالَ كَبِيرُهم :
ماذا طَبختْ لكَ ابنتُكَ اليوم ؟
رَددتُ بِشكلٍ عَفويٌّ : مَقلوبَة…مَقلوبَة..
ضَحِكَ الجَميعُ في الظُلمةِ بِصوتٍ مُرتفعٌ لَفتَ إنتباهُ مَن حَولِنا ، حتى بالطبخِ أيضاً مَقلوبةٌ !!؟؟
يا لِهذا القَدرُ ما أحمَقهُ ! !
….
(القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى