دراما اليوتيوب …تخترق الواقع الاجتماعي في زمن كورونا

د. عزة القصابي – سلطنة عمان

 

    في ضوء تنامي الإقبال على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، أصبح المشاهد والمتابع العربي يعيش سباقا محموما  لمتابعة ما يدور في الإعلام الرقمي، وفي الوقت  الذي  تراجعت فيه شعبية وسائل الإعلام التقليدية، كنتيجة فعلية لثورة الاتصالات الرقمية التي يعيشها العالم  .

   وازداد إقبال الناس على وسائل التواصل بشكل كبير في ظل جائحة كورونا التي يعيشها العالم حتى الآن. وهذا التوجه نحو منصات التواصل الاجتماعي تطور سريعا. ومن المواقع التي حظيت بمتابعة كبيرة  قنوات (اليوتيوب) التي  تعني بالترفيه والمعرفة، ويمكن للمستخدم توظيفها لخدمة المحتوى الذي يرغب في تقديمه لمتابعيه. وساعد على  ذلك انتشار  البرامج الذكية، المتصلة بخدمة الانترنت والهواتف الذكية بأنواعها وأشكالها المختلفة.

 لقد تمكنت مواقع (اليوتيوب) منذ ظهورها لتكون الوعاء الحاوي للعديد من  البرامج والمواد الإعلانية والدرامية، وإن  تحظى بشعبية واسعة  من  كافة  شرائح المجتمع، لكونها الوسيلة الإعلامية التي يمكن من خلالها مناقشة  الأفكاروالقضايا والترويج لها كل حسب توجهاته واهدافه.

وفي ظل انحسار مواقع التصوير  بسبب الحجر والعزل التي شملت العالم اجمع، فإن كثير من الفنانين والمخرجين توجهوا  إلى مواقع ( اليوتيوب)، وقاموا بتسجيل حلقات درامية، اتسمت بالتركيز والاختصار في ظل التطور التقني الذي يفرض الالتزام بمدة  زمنية وحجم معين.

 ومن جانب آخر، قامت القنوات التليفزيونية بتقديم مقاطع حلقاتها عبر (اليوتيوب)، وحقق ذلك  نجاحا كبيرا في استقطاب الشريحة العريضة من المتابعين  الذين تغيرت لديهم  أساليب الحياةفي زمن كوفيد19، لذلك كانت قنوات (اليوتيوب) الملاذ الأمثل لقضاء أوقات الفراغ والعزلة.

وضمن هذا العالم الافتراضي الذي يكتظ ببرامج وحلقات اليوتيوب المختلفة، برزت الفنانة والمخرجة البحرينية غادة الفيحان في حلقاتها الدرامية الكوميدية التي تختزل الاحداث  في فترة زمنية قصيرة. واستطاعت أن تقدم رسالة ساخرة تعبر عن تموجات الحياة المعاصرة وما يكتنفها من إشكالات ومظاهر سلبية، واخلاقيات تتنافى مع القيم والعادات التي اعتاد المجتمع الخليجي عليها.

ووظفت المخرجة (الفيحان) الكوميديا الساخرة لإضحاك  المشاهدين على السلبيات والاخلاقيات التي ترد على لسان الممثلين . وتهدف (الكوميديا الساخرة) إلى   إضحاك الناس بصورة هزلية، بصورة تكشف بعض السلوكيات السلبية أمام المشاهدين، واثارة لديهم  ردة فعل عكسية  اتجاه  هذه المواقف والظواهر الاجتماعية.

    ويهدف هذا النوع من (الكوميديااللاذعة) إلى كشف وفضح  المواقف والأخلاقيات والأفعال والأقوال في الحياة الاجتماعية، وتقديمها بأسلوب يميل إلى  التهكم والهزل،  بأسلوب يعتمد على المواقف الساخرة المستوحاة من الموضوعات الاجتماعية و السياسية، القائمة على سوء الفهم ومفاجأة المشاهد بالنهايات  غير المتوقعة.  وهذه الحلقات اليوتيوبية ذات بطولة ثلاثية؛ غادة الفيحان وعامر التميمي وراشد الغارمي، ومناعداد وإخراج غادة الفيجان.

يقوم  الممثلون في هذه الحلقات بأداء الأدوار المتباينة حسب الموضوع المطروح ، وفي الغالب تكون هناك قصة مكثفة لكل حلقة، ذات حبكة غير تقليدية، تنتهي  بكسر توقعات المشاهد،  وتعد هذه الحلقات اليوتيوبية البحرينية تجربة رائدة في بث رسائل درامية غبر مباشرة للمجتمع. وتعكس تفاصيل هذا العمل الدرامياليوتيوبيمقدرة المخرجة الفيحان العالية والدقيقة من خلال انتقاء الحدث اللصيق بالحياة  الاجتماعية اليومية، وكسر توقعات المتابعين، وهذا يولد لديهم شحنات إيجابية تكشف حقيقة ما يعرض امامهم.

    ينبثق هذا  التوجه في هذه الحلقات من  طبيعة  الحلقات الدرامية في مواقع (اليوتيوب) التي تميل إلى الاقتضاب في الطرح، و سرد المواقف المضحكة المبكية والساخرة ، وساهم ذلك  في تشكيل قاعدة عريضة من الجماهير لمتابعة هذا النوع الدرامي الذي يتزامن مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا يقتصر دور مواقع اليوتيوب على بث الدراما الاجتماعية، التي تقوم ببث المواد  الترويجية التجارية عن المنتجات الاستهلاكية الجديدة. كما  تستضيف بعض هذه المواقع (اليوتيوب)  النجوم  من الرياضين أو الفنانين.

فضلا عن ذلك، فإن هناك  مواقع (اليوتيوب) التسجيلية؛ الألعاب والجمال والموضة ومواد التجميل والطبخ والسفر والترحال والاستكشاف والطبية والصحية،  إضافة إلى مواقع  (اليوتيوب) التعليمية في مجالات الآداب والعلوم، وقنوات الموسيقى والرقص ومتابعة المشاهير، كما تحرص مواقع أخرى على استضافة رموز المجتمع، وأخرى تسعى إلى تتبع  الفضائح والجرائم،  وكل ما يخطر ببال الإنسان في واقعنا الحالي.

 ختاما، تظل دراما مواقع (اليوتيوب) محل اهتمام ومتابعة جماهيرية عريضة، لأنها تعبر عن قضايا المجتمع بكل صراحة وشفافية، بعيدا عن الرسميات التي تفرضها وسائل الاعلام التقليدي. وعبر هذه القنوات وغيرها من برامجفي منصات التواصل الاجتماعي، يمكن أن يطرح الفرد وجهة نظره بحرية،  دون الالتفات إلى  قيود أو شروط رقابية قد تحول دون ذلك. إضافة إلى سرعة التواصل مع هذه المواقع، حيث  يمكن للناس  إرسال الرسائل  أو اجراء الحوار أو إرسال الفيديوهات  لملايين من البشر، وتلقي الردود في ثوان معدودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى