حياد سلبيّ وتصويت للفاشيّة

سهيل كيوان| فلسطين

 

يلاحظ في هذه الجولة من الانتخابات وجود أصوات أكثر جرأة في الدعوة للتصويت إلى أحزاب السُّلطة وخصوصًا الليكود، الحزب الحاكم، والأكثر تأثيرًا ونفوذًا منذ عقود، وهي أجواء تكاد تعيد جماهيرنا إلى عقود سابقة من قبل يوم الأرض عام 1976، وقبل انتخابات بلدية الناصرة عام 1975 التي اعتبرت تحوّلا في نهج التصويت في صفوف العرب الفلسطينيين في إسرائيل.

كذلك توجد فئة من المعلنين عن المقاطعة بينهم مبدئيون، يقاطعون منذ دورات عديدة، ومنهم شريحة مستجدّة، هي بالأساس ممن يعبِّرون عن عدم رضاهم من أداء أعضاء الكنيست العرب، والمقصود القائمة المشتركة بمركباتها الأربعة قبل انشقاق الموحَّدة عنها، وازداد هذا التوجّه بعد انشقاق الموحَّدة، حيث اتّخذها البعض ذريعة للمقاطعة، أو حتى التصويت لأحزاب السلطة.

الحقيقة أنه ليس سهلا بأن تصوِّت وأنت غير مقتنع بهذا الذي تمنحه صوتك كي يمثلك، إلا أن كثيرين ممن يهاجمون أداء النواب العرب، سيذهبون إلى التصويت لأحزاب السُّلطة، وخصوصًا الليكود، وكأنه البديل الذي سيمثل مصالحنا بأمانة.

لا شك في أن هناك مآخذ على مواقف وتصريحات لأعضاء الكنيست العرب، لا يتّفق الجميع على بعضها، وهناك شخصيات مرشّحة قد تعجبك أو لا تعجب غيرك أو العكس.

هذا طبيعي، ولكنك عندما تذهب لتصوّت، فأنت تصوّت للقائمة الأقرب إلى تمثيلك وتمثيل مطالبك، وليس لكل أفكارك، أنت تصوّت إلى نوّاب هم الأقرب إلى فكرك وقناعاتك ويعرفون آلامك وينقلوها بأمانة، وهؤلاء يستحيل أن يكونوا من أحزاب السلطة أو الطامعين في وراثة الليكود عن طريق المزاودة عليه من يمينه، أو أولئك الذين يدّعون بأنهم مع مساواة كل المواطنين ثم يربطونها بشروط مثل خدمة العلَمْ.

اليوم (الثلاثاء) توجَّه وزير الأمن الداخلي، إيلي أوحانا وزار مواطنا يُدعى أرييه شيف قتل عربيًا في مدينة عراد لأنه سرق سيارته. وقال الوزير إنه يجب إلغاء لائحة الاتهام ضده، أي أن وزير الأمن الداخلي يُشرعن إعدام سارق السّيارة، ما دام أنه عربيٌ!

وزير الأمن الداخلي الحالي يُذكّر بسلفِه وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، الذي اعتبر يعقوب الشهيد أبو القيعان مخرّبًا منتميًا إلى داعش، وهذا بعد أن هدمت قوات الداخلية بيته وقتلته.

هذا النهج الليكودي الذي يرفض التعامل مع العربي كإنسان، ألِمثل هؤلاء ولصالحهم يريد مهاجمو القائمة المشتركة أن يصوّتوا، وهل أمثال هذين الوزيرين للأمن سيحاربون الجريمة في المجتمع العربي؟ أبشِر بطول سلامة يا مجرمُ.

قبل يومين عرضت قناة “الجزيرة” بالبث المباشر بعض المستوطنين المسلحين وهم يمنعون فلسطينيين من دخول أراضيهم بقوة السلاح وبحراسة قوات الجيش، هذه هي حكومة الليكود- غانتس، التي تستخدم غلاة المستوطنين كأداة في نهب المزيد من الأراضي الفلسطينية واقتلاع أصحابها بقوة السلاح، فكيف يمكن أن نصوّت لهؤلاء بحجّة ضعف أداء النواب العرب؟ وكيف نصدق أن هؤلاء سيحاربون الجريمة في المجتمع العربي؟

التصويت لأحزاب السلطة هو عَبثٌ، واستهتار بالنفس، وهو شراكة وقبول بالعنصرية، وهي طعنات في ظهر شعبنا كله، وهو ختم موافقة وقبول ورضوخ للجلاد وسوطه ولفاشيّته وساديته.

إن من يدعون للتصويت لأحزاب السلطة لهم مصالحهم ذاتية، ولكنهم يحاولون التغطية عليها بادعاء فشل النواب العرب في تحقيق مطالب الشعب!

ولكن، الحقيقة هي أنه عندما يحصل العرب على ميزانيات أكثر أو يحققون تقدما في قضية تهم الجماهير العربية، مثل التوظيفات في المؤسسات الرسمية، ووضع قضية العنف وإثارتها حتى صار الجميع يتحدث عنها ويعد بمحاربتها، فهذا أولا وقبل كل شيء بفضل النواب العرب، وليس صحوة مفاجئة من قبل السلطة.

أما بالنسبة للمقاطعين، فلا يوجد أي منطق في أن تكون نسبة التصويت للكنيست أقل من 60%، والمشاركة في البلد نفسها بنسبة 101% وبحماس يصل درجة استعمال طائرات دورون لقصف “العدو” بالمفرقعات في انتخابات المجالس البلدية!

على كل حال، أظن أنه مع استمرار انزياح الخارطة السياسية يمينًا، سوف يوصل في النهاية إلى سنِّ قانون يحدّد نسبة التمثيل العربي في الكنيست، وسوف تضاف قوانين كثيرة متفرِّعة عن قانون يهودية الدولة، تمعن في حرمان العرب من حقوق المواطنة، وحتى ذلك الحين، أعتقد أن إرسال أكبر عدد ممن يمثلون همومنا القومية والمدنية اليومية ويواجهون بإصرار وتحدٍ سياسات الحكومات المتعاقبة، ويفضحون تفاصيلها الخافية محليًا وعالميًا، هم أولى بأصواتنا، وأجدى من المقاطعة طالما أنها ليست بإجماع وبقرار شعب، وليست صادرة عن قرار جماعي مُرفقٍ ببرنامجٍ كفاحي بديل، لأنه عدم وجود البديل، لا يعني سوى الحياد السلبي في الموقف من السلطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى