الحرف العربي بين المكانة والتمكين
هدى مصطفى محمد | أستاذ المناهج وطرق التدريس – كلية التربية بسوهاج
الحروف العربية الثمانية والعشرون هي حروف لها مكانة خاصة رفيعة ومتميزة في قلوب العرب والمسلمين قاطبة. فهي الحروف التي نزل بها القرآن الكريم وبه دون وكتب قال تعالى “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ” سورة الشعراء 195 أي باللغة العربية الواضحة .
وللحرف العربي مكانة دينية تصل إلى حد القداسة؛ لأنه حرف قرآني. وقد ذهب البعض إلى تحريم تعرض أي نص لغوي مكتوب بهذه الحروف للنجاسات؛ لأنها حروف مقدسة. هذا إلى جانب المكانة الجمالية التي تميز الحرف العربي عن غيره من الحروف فهو يتسم بالمرونة التي تجعله قابل للانحناء والاستدارة والمد ؛ فيتم استخدامه في التزيين والزخرفة بدون إخلال بالحرف.
ويشير العقاد أن قيمة وصلاح الحروف للكتابة لايعود إلى كثرة الأفراد الذين يكتبونها، بل إلى أنواع اللغات التي تؤدى ألفاظها وأصواتها، ويضيف أن حروفنا العربية إذا قيست بغيرها لن نجد لها نظيرًا بين حروف الأبجديات على تعددها .
والحروف التي تكتب بها اللغة العربية لا تختص بها اللغة العربية فقط ، بل هي حروف كتابة لغات أخرى تزيد عن 70 لغة حالياً، وكانت من قبل حروف لكتابة أكثر من 140 لغة أكثر انتشارها ما بين قارات آسيا وأفريقيا، وهي البلدان التي دخلها الإسلام وآثر شعوبها أن تدون علومها وآدابها بالحرف العربي. ومن هذه البلدان الأفريقية الصومال وأثيوبيا وجزر القمر، ومن البلدان الاسيوية ماليزيا واندونيسيا وإيران .
ويرى البعض أن حرص شعوب هذه البلدان استخدام الحرف العربي جاء من وراء رغبتهم في الربط بين شعوبهم والحضارة العربية الإسلامية.
وقد عمد الاستعمار ونجح في استبدال الحروف العربية بحروفه اللاتينية في معظم البلدان الإسلامية ، ولأنها سياسة استعمارية فقد أصبحت الحروف اللاتينية هي حروف الكتابة على المستوى الرسمي في بعض البلدان ، والأمر اختلف لبعض البلدان التي تمسكت أن تكون لغتها المحلية هي اللغة الرسمية فكانت لغة التعليم الرسمية أما شيوع الاستخدام فكان من نصيب اللغات الاستعمارية بحروفها اللاتينية .
وقد بذلت جهود كثيرة لتمكين الحرف العربي وإعادته إلى الكتابة في معظم البلدان الإسلامية ومن هذه الجهود ما قام به أشخاص أو مؤسسات ومن أبرز الشخصيات التي بذلت جهوداً في هذا المجال : خليل محمود عساكر ( اللغوي المصري صاحب فكرة الأطلس اللغوي) و صاحب كتاب طريقة لكتابة نصوص اللهجات العربية الحديثة بحروف عربية الذي تم نشره بالعدد الثامن من مجلة مجمع اللغة العربية عام 1955 والذي أشار فيه أن الكتابة العربية لا تفي بتصوير النطق الصحيح للهجات العربية الحديثة لأن في هذه اللهجات سواكن وحركات لا يوجد لها نظير من حروف ولا علامات الشكل العربي ، ولذلك أضاف خمس حركات أخرى إلى الحركات الثلاثة المعروفة وهي الضمة والفتحة والكسرة ، وهذه الحركات الخمسة هي حركة الفتحة المفخمة وحركة الإمالة وحركة الضمة الممالة وحركة الضمة المكسورة وحركة الضمة الممالة المكسورة . ورأى أن لافائدة من السكون في الكتابة العربية ففائدتها تقتصر على الكتابة العروضية ، إلى غيره من الآراء التي ساعدته في كتابة خمس لغات من لغات المديريات الاستوائية بالحرف العربي.
كما أن يوسف الخليفة أبوبكر ( السوداني الأصل ) الذي بدأ في معهد الخرطوم الدولي كان له نشاط كبير في هذا المجال بالتعاون مع أستاذه عساكر، وقد أشرف على عدد من الرسائل العلمية لباحثين أفارقة قدموا من خلالها لغاتهم بحروف عربية .
أما على مستوى المؤسسات فهناك عديد من المؤسسات منها: المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ( إيسيسكو ) والتي تمتد جهودها إلى أكثر من ثلاثين عامًا؛ لتنميط الحرف العربي وتكييفه لكتابة لغات الشعوب المسلمة، والمجلس الدولي للغة العربية الذي تأسس 2008 في بيروت ويسعى لتقديم برامج تهتم بالخط والحرف العربي، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الذي تأسس 1429 هـ ويسعى لتقديم البحوث العلمية التي تعزز الحرف العربي، ومعهد الخرطوم الدولي للغة العربية الذي تم تأسيسه برعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في 1974 ، ومكتبة الإسكندرية التي تضم مركز دراسات الكتابات والخطوط ومركز المخطوطات وهي مراكز تهتم بالحرف العربي ونشره، والمعهد الثقافي الأفريقي العربي في باماكو عاصمة مالي الذي يهتم بإبراز قيمة اللغات الأفريقية المكتوبة بالحرف العربي، ومركز يوسف الخليفة لكتابة اللغات بالحرف العربي بجامعة أفريقيا العالمية.
وتسعى المؤسسات سالفة الذكر لتمكين الحرف العربي في البلدان العربية والإسلامية؛ ليسود الحرف القرآني هذه البلدان للحفاظ على التراث الحضاري المكتوب بالحرف العربي ،وتسعى لتأسيس نظام لكتابة اللغات غير العربية بالحرف العربي، ومساعدة تلك الشعوب للتواصل بمصادر الحضارة العربية ، كما أنه جاء استجابة لمطالب هذه الشعوب التي تسعى لاستخدام الحرف العربي في محو الأمية لتلك المجتمعات، وتسهيل تعلمه وتوظيف الوسائل التكنولوجية في تعليم الحرف العربي .
وختاما: إذا كان للحرف العربي مكانة ومنزلة كبيرة في نفس كل عربي وكل مسلم لأنه حرف قرآنيفهو في حاجة إلى بذل الجهود؛ لتمكين هذا الحرف وسيطرته في اللغات المكتوبة وخاصة في البلدان العربية والإسلامية.وهذا ما ينبغي التركيز عليه في معاهد ومراكز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها التي يزداد عددها يومَا بعد يوم وبإشراف من أساتذة متخصصين وجامعات مؤمنة بمكانة الحرف العربي لكن ينقص معظمها اتخاذ هذا التمكين هدفًا.