الجنائية الدولية … سكين في خاصرتنا

عدنان الصباح | كاتب فلسطيني

أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا أن المحكمة افتتحت تحقيقا رسميا في جرائم حرب قد تكون وقعت في الأراضي الفلسطينية وهي تشير إلى أحداث حرب 2014 على غزة وكانت المحكمة قد أعلنت عن ولايتها على الأراضي الفلسطينية بعد توقيع فلسطين على قانون المحكمة في حين لا زالت إسرائيل خارج ذلك ولا ولاية للمحكمة على الأراضي التي تحتلها اسرائيل منذ عام 1948 والتي تعترف بها الأمم المتحدة كأراضي دولة ذات سيادة بينما تفتقر دولة فلسطين العضو المراقب لهذا الاعتراف الأممي الرسمي.

من المهم الإشارة إلى أن المدعية العامة للجنائية الدولية اوضحت بشكل لا لبس فيه أن هناك “أساسا معقولا” للاعتقاد بأن جرائم ارتكبت من جانب أفراد من قوات الدفاع الإسرائيلية والسلطات الإسرائيلية وحماس وفصائل فلسطينية مسلحة خلال حرب غزة عام 2014 وبالتالي فإن المقصود بالتحقيق ليست جرائم الحرب الإسرائيلية بل جرائم حرب قد نكون نحن الفلسطينيين متورطين بها بحسب قانون تلك المحكمة.

إسرائيل من جانبها أدانت قرار المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الأراضي الفلسطينية واعتبرته “قرارا سياسيا” يندرج ضمن “الإفلاس الأخلاقي والقانوني”، وفق ما قال وزير الخارجية غابي أشكينازي في بيان. وأضاف “ستتخذ إسرائيل كل الخطوات اللازمة لحماية مواطنيها وجنودها من الاضطهاد القانوني” وبالتالي فهي أعلنت مسبقا عن رفضها لهذا التحقيق في حين أعلنت أكثر من جهة فلسطينية ترحيبها بالقرار وتأييدها لهذا التحقيق فقد رحبت حركة حماس بقرار المحكمة وقال حازم قاسم المتحدث باسمها في غزة “حماس ترحب بقرار محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا”. وأضاف “مقاومتنا هي مقاومة مشروعة وتأتي في إطار الدفاع عن شعبنا، وهي مقاومة مشروعة كفلتها كل الشرائع والقوانين الدولية” ورحبت السلطة الفلسطينية عبر وزارة الخارجية بالقرار التي قالت في بيان رسمي لها ” إن “الجرائم التي يرتكبها قادة الاحتلال الإسرائيلي (…) هي جرائم مستمرة وممنهجة وواسعة النطاق وهذا ما يجعل الإنجاز السريع للتحقيق ضرورة ملحة وواجبة”. ودعا البيان إلى “عدم تسييس مجريات هذا التحقيق المستقل”.

نحن إذن قيدنا ايدينا مسبقا بقبول ما سيصدر من قرارات وأحكام عن تلك المحكمة مما سيجعلنا غير قادرين على معارضة تنفيذها في حال طالت القيادة الفلسطينية او أي مواطن فلسطيني سواء أقام على الأرض الفلسطينية أو خارجها ولن يكون أحد من القادة الفلسطينيين بمنأى عن تلك القرارات ولا يملك الحماية من تنفيذها وستصبح السلطة الفلسطينية ملزمة بتنفيذ تلك القرارات ومن جانب آخر فإن قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لا يجيز للمحكمة إصدار او تنفيذ أحكام ضد اشخاص سبق أن حوكموا في بلدانهم أو أية بلدان أخرى ومن المعروف أن إسرائيل تتقن إجراء التحقيق وإصدار الاحكام بحق مشاركين في جرائم حرب وسبق لها أن أقامت أكثر من محكمة صورية ضد جنود وضباط شاركوا في اعمال عنف وإرهاب ضد الفلسطينيين بينما لم ولن يحدث ذلك فلسطينيا مما يجعل من ذلك عقبة امام أية قرارات للمحكمة الجنائية الدولية كما إن المكمة لن تجد أي تعاون من إسرائيل بهذا التحقيق بينما ستجد ذلك من قبل فلسطين وبشكل غير منظم وغير معد سلفا وسيطال اشخاص لن يستطيعوا رفض المثول امام المحكمة او الخضوع لاستجوابها وبالتالي فإن الخطر ضدنا أكبر بكثير من الخطر الذي يهدد إسرائيل الرافضة اصلا للقرار وللمحكمة وستصبح فلسطين حسب قانون روما الأساسي ملزمة بإحضار المطلوب مثوله أمام المحكمة حسب الإجراءات المتبعة وستكون كل دولة طرف في المحكمة او مشاركة في اتفاق روما الاساسي ان تنفذ قرارات المحكمة بشان اعتقال الاشخاص المطلوبين إذا كانوا على اراضيها ومن المعروف أن عديد قادة الفصائل الفلسطينية والأفراد يقيمون في دول اللجوء وهؤلاء جميعا سيكونون عرضة للاعتقال والتسليم فور طلب المحكمة ذلك.

إن عرض الأمر على المحكمة والترحيب المسبق وعدم التحضير او الترتيب لاحتمالات أن تصدر المحكمة قرارات ضد قادة وأعضاء الفصائل الفلسطينية سيجعل من القرارات إن طالتنا مهزلة العصر وسنكون نحن من ذهبنا بأنفسنا إلى تجريم أنفسنا وكان من المفترض بديلا لذلك أن تصاغ الأمور بشكل اكثر دقة أو اللجوء إلى دول صديقة أخرى للمطالبة بالتحقيق دون أن نلزم أنفسنا مسبقا بقرارات تلك المحكمة ودون أن ندرك أن الولاية التي أعلنتها المحكمة لم تحدد المضمون المكاني لهذه الولاية وإن فلسطين فيما يخص الأمم المتحدة ليست دولة محددة الحدود ولا المضمون المكاني لولايتها وإن إسرائيل يمكنها ان تنفذ ما تريد على الأراضي الفلسطينية وإن ولاية السلطة الفلسطينية لا ترقى إلى مستوى ولاية دولة بمعنى أن إسرائيل الرافضة لقرارات المحكمة قد تشارك باعتقال أي فلسطيني مطلوب وتسليمه لتلك المحكمة.

مرة أخرى نزرع سكينا في خاصرتنا بأيدينا وقد كانت أوسلو التي منحت لإسرائيل اعترافنا بينما لم نحصل نحن سوى على اعتراف معنوي بمنظمة معنوية تفاوض على غعلان مبادئ لحكم ذاتي لا على حكم ذاتي ويبقى مصطلح إعلان مبادئ اقل بكثير من مصطلح إعلان وغعلان المبادئ ليس بالضرورة ان يصل إلى الغعلان بل يمكن التراجع عنه وقت شاء من أراد التراجع وكان قادرا على فعل ذلك كما تفعل إسرائيل حيث تريد ببنود هذا الإعلان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى