في انتظار القهوة

سجى مشعل | فلسطين

يبتلع الكلامُ نفسَه ثمّ ينسَلُّ دفعةً واحدةً خيطًا حريريًّا دافئًا في يد عجوزٍ تحيك الثياب لأبنائها، تستهلك خيطًا تلو الآخر حتى تكتمل الصورة النهائية، هكذا هي المعاني تحتاج وقتًا وحياكةً لتصل إلى صورتها النهائية، فأنا أحتاجُ وقتًا لأقول تلك الكلمات التي ينتظرها طارقُ الباب مني، وأحتاجُ وقتًا لأحيك شعوري وأنا أُعدّ كوب القهوةِ لذيذ الطعم والرائحة.

انشقّت السماء ومشى في طريقها عصفوران، شرعا يزقزقان جوار نافذتي، أحدُهما يرغب أن يقاسمني الخبز، والأخيرُ ينهره، لا بدّ أنهما قد اشتَمَّا رائحة القهوة، لا يعرفان بأنّها رائحةٌ بلا مذاق. تمضي الأيام ولا زلتُ أفكّر بلون ريش العصفور فاتح اللون، كأنّه سرق جماله من إحدى ألوان قوس قزح.

لا أعرفُ هل المساءات تأتي مبكرة أم أنّنا انتهينا من كثرة التفكير حتى وصلناها دونما شعور، لا زلتُ راقدةً مكاني، والماء يغلي، وتفورُ القهوةُ على الغاز، وأنا أحضّر الحبّ خبزًا وكعكًا ليُأكلا جوارَ حفلة الشاي التي دُعي إليها الجميعُ عداه، مَن كانَ يفكّر في عدّ كم زرارٍ يحتويه قميصه البني مقطوع الزّرارَين من الأسفل، ومَن كان سيعنيه الأمر إنْ رآه في ذلك القميص الذي لا يخلعه، لا أحد سيهمه هذا، هم يفكّرون في رائحة الخبز والشاي، وبالقهوة لمَن يرغبُ باستدعاء الحنين ضيفَ شرفٍ في الجلسة.

تخلعُ الأشياءُ خلعةَ أصحابها، جلسَت سيّدةٌ بدينةٌ، ذات شعرٍ أحمر مُلتفٍ قطعًا دائريّة صغيرة على مكانه المعتاد، ابتلعها الأريكةُ تحتها، والقهوة الداكنة داخل كوبه رغبت عن ملامسة شفتيها اللّتين اعتلَتا الحافة الدائرية للفنجان الصغير، ثمّ انسكب عليها الكوب، مَن كان يظنّ بأنّ الجمادات أقدر منّا على حفظ صورة أصحابها الحقيقيّين، هكذا اكتملت الصورة أمامهم وأمام مخيّلتي التي لم تنسَ أنّك غائب، وأنّك صُنّارة الخيط الحريريّ الدافئ بلون عينيك المَغمورتين بلون السّكون الذي يُسيطر على الأفئدةِ والصور والأماكن. متى سوف تحتسي القهوةَ معنا في ذات القميص البني مَفتوقِ الأزرّة السُّفليّة؟، على أيّة حالٍ عِمتَ مساءً فإنّ القهوةَ تُسلّم على لونِ حاجبيك وشعرك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى