قائد بحجم الوطن؟!
د. سبأ جرار | فلسطين
لقد كانت هذه العبارة الأكثر تداولا منذ أكثر من ثلاثة سنوات واقتربت أن تكون (ترند)، وبحمد الله توقف استخدامها منذ وقت قصير، عندما بدئنا نجرؤ على استهلاك كلمة الوطن مجاملة أو تنميق أو تلميع، عموما حتى لا أخرج عن اللباقة والموضوع سأعود للعبارة…
قائد بحجم وطن؟
بل سأعود لرجال الأوطان الذين اثقلنا بهم حتى ضاقت بهم سماء الوطن حين ارتطمت رؤوسهم بها، فنحن كأمة مفروض علينا أن نؤمن بكل القادة أنهم مفتاح الجنة، ومفتاح الأقصى ومفتاح الدنيا التي نبحث عنها وأن نُمَجِّدَّ وننافق ونتلمس الرضى… ولأسرع باستغلال حماستي في الكتابة قبل أن أتراجع تحت مسمى الحكمة والرهبة، فإن مقصدي هنا ما حصل ويحصل مع الأخ القائد المشهود له بالحكمة والمبادئ، ناصر القدوة، فهو وللتاريخ لا تنطبق عليه كل تبعات عبارة” قائد بحجم الوطن” التيِ أُلَمِحْ لها، بل بعضها، والجيدة على الاغلب، أتمنى للثورة يافعا إبن ستة عشر عاما بعد ثلاث سنوات على انطلاقتها، ونال شرف تمثيل طلبة فلسطين في جمهورية مصر العربية وهو يدرس طب الأسنان هناك، وأصبح من أصغر أعضاء المجلس الوطني، ثم كان وبجدارة عضو برلمان حركة فتح ” المجلس الثوري، وعضوا في لجنتها المركزية منذ العام 99،….. كان يتلمس همنا من نوافذ الأمم المتحدة، ويلبي طموحنا بمحاضرات تحمل ابعاد سياسية، ولباقة لغوية، وبعد نظر يستند لرؤية القيادة لمصير هذا ألوطن، هكذا أرآه، فأنا لا أعرفه عن قرب شخصي، بل اقرأه في سنين طوال قدم وضحى، وكان في الرواية بمفهومه وقدراته وأسلوبه . وكان جزء من أهل الثقة، وأهل البيت الذي يتحدون ليصنعوا للوطن مجدا ولفلسطين نصرا .
وفجأة خرج الوطن منا، وافترقنا وأصبحت نافذة الانتخابات التي ضاقت للحكمة ورَحُبَتْ للانقسام، وتعدد المواقف، وأصبح متاح الخروج عن المتوقع والإتيان بالمرفوض، ومهما كانت المبررات، نحن الشعب المسكين القابع ـــ خاصة في الشمال والجنوب ــــ والغير معمد بقدسية رام الله وعتق أهلها، لا نفهم سوى أنه قائد يحاور قادة، وأنه مسؤول تتلمذ على مفهوم المسؤولية من العرفاتية التي ينتمي لها إخلاصا وقربى .
وفجأة، ولأننا كما محدودي المعرفة لخبايا ما دار حوله المقايضات في الشهر الماضي بين القيادة والأخ ناصر القدوة وبرنامجه الانتخابي الذي يريد، لن ندرك سوى أنكم سقطتم في الاختبار الأول، والذي لم يكن مفاجئا بل مصيريا، ولم يتمكن استحقاق فتح وشرف الثورة أن يدفعكم لوأد الخلاف والتعالي على الاختلاف ولو إلى حين، وهو إن كبر أو صغر، لن يفهمه الشارع سوى صراع على السلطة، أو الغنائم المستباحة المتهرئة، ولن ندرك أن المقصود الإعلان بأن هناك من يقول لا للرئيس أبو مازن، وهناك من يخالف المركزية الرأي، ليس لأنه من تيار الإصلاح، بل لأنه ضاق ذرعا بما كان جزء منه ومن صناعه… لن ندرك لأننا نؤمن أن الصامت كالصانع .
عذرا أيها القادة المثقلة بهم عقولنا وأرضنا وأحزاننا، سقطتم بالاختبار، لأنها ليست مرحلة الخلاف والتغيير، بل مرحلة التعالي على الأنا، واللجوء للوطن الذي هو أكبر منكم جميعا، ونحن فقط الشعب المقهور من يمتلك مفتاحين، الأول للعودة، والثاني للمحاسبة .
ولن نقبل أن تسرق منا تجربة الانتخابات مهما كانت مثقلة بالخبايا تحت مفهوم الاستحقاقات و الإرث الشرعي لمن يدعي ، وصانع الفتن لمن أعد لذلك، بل سنقبل المخلصين المستحضرين لمبادئ الثورة التي أشبعونا بها حين كنا نعشقهم، وسنتعالى على إرهاصات وإخفاقات فتح والسلطة للآن، ونذهب لأول الغيث، وبداية الحل للتغيير عبر الانتخابات، لأن الحَكَمَ هنا هو الشعب، وطالما كان الشعب هو الصدق، وهو المبصر للبصيرة التي ستمهد ولو بشق يسير لعصر جديد، أقل ما يقال عنه اعلان التغيير، وبدء التعمد، والوقوف خلف النافذة للاعتراف والاعتذار على مشارف الصادقين .
نحن الشعب لن يرهقنا من يفصل ولماذا … بل يُؤرقنا أن يتراجع أصحاب التاريخ ويعتذروا أنهم صمتوا فترة، وأنهم ضد الفتنة والانقسام الآن، نزولا لمصلحة المؤلفة قلوبهم والمؤمنين القانتين إلا من رحمة الله والجرأة على الاعتذار… نحن شعب نطالب أن تكونوا فلسطينيين … وأن تكونوا جملة إرث الشهداء الصادقين…نحن شعبان يهمنا من اختلف، بل من صمد، وبقيَ في دائرة الإصلاح ومنع.