دراسة في ديوان محمود حسن ” سفر التوسل “

محمود يونس | مصر

على هامش الإحتفال بمقر مقهى ودار همسة للنشر والتوزيع أهدانى صديقى الشاعر / محمود حسن ديوانه سفر التوسل للمطالعة والتحليل، اشكره وارجوه أن يتقبل وجهة نظرى المتواضعةلشاعر كبير بحجمه)، وعندما تطالع مجموعة شعرية لشاعر يتلمس خطاه الأولى فى عالم الشعر الفسيح أو شاعر لم ينضج بعد ، من حيث اكتمال أدواته الشعرية – مع افتراض ثبات عنصر الموهبة الشعرية والإبداعية لديه – فإن الأمر يعتبر هين، ولكن عندما تتناول مجموعة شعرية لشاعر يعد وحشاً من وحوش الشعرالعربى وسيداً من سادة قوافيها ، فإن الأمر يكون محسوب وبدقة. والمجموعة التى سنلقى الضؤ عليها وضعها شاعرنا المبدع والمتألق دائماً / محمود حسن فى ديوان بعنوان ” سفرالتوسل ” وهي تعد وجبة شعرية صغيرة الحجم رغم دسامة قيمتها الإبداعية و جاءت فى أربعة عشر قصيدة متنوعة الموضوع قوية المعنى عميقة الدلالة الشعرية ومختلفة من حيث الشكل ما بين الشعرالعمودى التقليدى والشعرالحر والومضة الشعرية.

أولاً : من حيث الشكل

( أ ) : من حيث الشكل البنائى للقصيدة

(1) قصائد عمودية ( طويلة )

حرب الردة فى كربلاء الثانية……………ستة وأربعون بيتاً
القصيدة المريمية ……………………….أربعة وثلاثون بيتاً
سفر التوسل ……………………………واحد وثلاثون بيتاً
سفر قابيل …………………………..سبعة وعشرون بيتاً

(2) قصائد من الشعر الحر( طويلة )

أحتاج إلى لغة أخرى …………أربعة وثلاثون بيتاً (تقريباً)
ليست بحاراً تنفلق …………………ثلاثون بيتاً ( تقريباً )

(3) قصائد عمودية ( قصيرة)

محمد ……………………..ثلاثة عشر بيتاً
عشتار ………………………أحد عشر بيتاً

(4) ومضات شعرية من العمودى والحر

يا أنت …………………………… عمودى ……ثلاثة أبيات
هو عبد الناصر …………………..حر………….أربعة أبيات تقريباً
إبن الخليفة ……………………….حر……….. ” ” ”
إشتهاء …………………………..عمودى ……خمسة أبيات
القصيدة السيدة ………………..عمودى….. ” ”
ريتــــــــــاج ……………………عمودى …………………….. ” “

( ب ) : من حيث الشكل العروضىى للقصيدة

شاعرنا محمود حسن استخدم أربعة أبحر خليلية نسج منها قصائد الديوان ، وقد جاءت على النحو الموضح :-
(1) من بحــر البســيط :- ” عدد أربعة قصائد” سفر التوسل / عشتار / يا أنتَ / محمد
(2) من بحــر الوافـــر :- ” قصيدة واحدة ” إشتهاء
(3) من بحر الكامـــل :- ” عدد سبعة قصائد “القصيدة السيدة / ليست بحاراً تنفلق / إبن الخليفة / ريتاج / حروب الردة فى كربلاء الثانية / القصيدة المريمية / سفر قابيل .
(4) من بحر المتــدارك :- ” قصيدتان ” هو عبد الناصر / أحتاج إلى لغة أخرى.

ثانياً : الرؤية التحليلية للشاعر وللمجموعة الشعرية

محمود حسن شاعر منَّ الله عليه بنعمة الخلق والخُلُق ، شاعر إنسان يحمل فى طياته هموم الوطن ، والإنسانية ، يحمل قلباً محب ، يسع كل قلوب المحبين ، يتسم بالهدؤ والرؤية والموضوعية فى الحوار والمناقشة والتحليل الهادىء للموضوعات ، وهذا ما يتبين لك عن شخصيته عندما تراه ومن أول وهلة .
يعد محمود حسن من شعراء الفصحى القلائل فى مصر بل والوطن العربى الذين يملكون أدواتهم جيداً ويعرفون ماذا يصنعون ، وكيف يبدعون .
إستطاع محمود حسن أن يبنى أسس الشاعر داخل ذاته غير مختلفين على موهبته ، فإذا ما قرأت له تجد أنه :-
( أ ) ملم جداً بكلمات وحروف وألفاظ الكتاب والسنة ، ولعل هذا ماجعل اللغة عنده لا يوجد بها أدنى مشكلة ، من تلك التى تقابل الكثير من الشعراء عند وضع اللغة فى قالب عروضى ، فلغة محمود حسن طيعة له ، إذا ما أمسك بلجامها ذهب بالقصيدة إلى حيث يريد .
(ب) لديه من المخزون التاريخى والتراثى والدينى ما يجعله يعرف كيف يحدث الإسقاط شعراً على المضمون الفنى للقصيدة ، ليضعه فى سياق وصياغة تجذب المتلقى دون شرود إنتظاراً لما سيحدثه من إبداع فى كل بيت.
(ج ) يعلم جيداً ماذا يفعل عروضياً داخل القصيدة مستخدماً جوازات ورخص البحر الشعرى بالوضع الذى لايحدث خلل فى البناء الفنى للنص أو أذن المتلقى .
( د ) يتميز ببراعة الإلقاء لأعماله ، فأضاف لنفسه جمالاً على جمال إبداعه الشعرى ، بالوضع الذى يساعد على فتح شهية المتلقى للسماع ، والشاعر والكاتب والمبدع للإبداع .
(2)الرؤية التحليلية لمجموعة سفر التوسل

لعل إبداعه العروضى واللغوى وإلمامه بمعانى وكلمات الكتاب والسنة سيتجلى لنا فى ومضات داخل القصائد كما جاء فى مواضع كثيرة جداً(نصاً).
(لاعاصم اليوم / نبىٌّ أرسلهُ / الألواح والنزل / هذى نبؤة / هزى إليكِ جذوع / حروف الله فى الأجل / نفثت نفاثةٌ / الغيب / لوح سيسترهُ /يستمع شهاب / إتكأت على ركنى ومسبحتى / تفجر الماء مكيَّاً من الجبلِ / زمى / ماءُ هاجر / حجُّوا / اللوح / عليون /جبريل / إبتهلى / الروح / ملائكة ساجدة / الرسل /توضأت / الوِرد /سجنكِ ، خبز ، لبن ، سلوى ، مائدة / دعوة الرسل / بعث الروح للأزلِ / معجزة / لحماً ، عظم / دمع مبتهل / طوفى سبعاً على مهلِ / موسى ، فرعون ، الأفعى / فوق المنابر / المشايخ / الدعاة / مؤمنين ، كافرين /بِيع / القانتين العابدين الساجدين الراكعين /حورٌ مقصورة ، بين الخيام ………….ألخ على سبيل المثال لا الحصر للديوان ).
ولعلك تلاحظ مع بداية مطالعة الديوان أن شاعرنا يمتاز بحسن اختيار مسميات القصائد كما سيتبين لنا ، تلك التى تجعلك تقف وتتأمل فيها قبل أن تدخل إلى عالم إبداعه .

( قصيدة سفر التوسل )
ففى نص سفر التوسل بدأ شاعرنا النص مع اكتمال ونهاية التجربة الشعرية داخل وجدانه الشعرى ، وأنه لا محالة من إخراجها على الورق مسقطاً على بدايات الخليقة ونهاية قوم نوح وبقاء من آمن برسالته ، وها هو طوفان مشاعره يفيض ليخرج لنا من عالمه العاطفى تجربته مع من آمنت بحبه لها .
فيضٌ من النهرِ أم ماءٌ على الجبلِ
لا عاصم اليوم من حرفين فى الجملِ
وقد تظن مع بداية النص وهذا البيت القوى الجميل المصرَّع – دون أن تقرأ باقى القصيدة أنك بصدد نص من الشِعر الصوفى ، وإذا به فى البيت الثانى مباشرة يعطينا مفتاح القصيدة عندما يشير إلى زرقة لون عينى محبوبته
لا زرقة البحرِ فى عينيكِ تأخذنى
و لا يداكِ هما أو رجفةُالقُبَــلِ
ثم ينقلنا فى البيت الثالث مصوراً الحب بينه وبين محبوبته بالنبى ، ولاحظ جمال المعنى عندما استخدم كلمة نبى ، وفى مواضع أخرى استخدم كلمة رسول ، وهنا استخدم اللفظين رغم الاختلاف المعروف بينهما ، إلا أنه استخدمهما بنفس المعنى لشمول اللفظ وعموم الدلالة ، حيث لا مجال فى رسالة الحب للتفريق بين المعنيين .
فهنا أشار إلى حبه لها الذى كان يتنبأ به ، ذلك الذى أرسله الله بين قلبيهما .
هذا نبى من القلبين أرسله
سفر التوسل فى الألواح والنزلِ
ثم يدعوها أن تهز جذوع الوجد مقسماً بعدم مرور أنثى قبلها بذاكرته ولا تنبأت نفاثة قرأت كفيه ، لأنها لايوجد إمرأة تشبهها ، فالمولى قد ستَّرها فى اللوح له ، فهو العاشق الذى لم يرتكب إثماً من الآثام التى يرتكبها العشاق

هـــذى نُبـــــوءةُ قلـــبٍ لا أكذِّبُــــــــهُ
هُزِّى إليــكِ جـــذوعَ الوَجْدِ واكْتَمِلِى
أقسمتُ مـا عَـــــبَرَتْ أنْثَى بِذَاكِرَتِى
وأنتِ وحدكِ حرفُ اللهِ فى الأجلِ
أو ربَّمــــا نَفَـــثَتْ نَفّـــــَاثةٌ قـــــــرَأَتْ
خـطوطَ كـفِّى عـلى علمٍ من الدَّجَلِ
يا أنتِ يا امـرأةً لا شيءَ يُـشْبِهـُهـَا
آللهُ .. أودعكِ الأسـماءَ فى الأَزَلِ
أم أنكِ الغيبُ فى لوحٍ سيـــسْـتُرُهُ
منْ يسْتَمِعْ فَشِهابٌ إثــرَ مُتَّصِــلِ
إنِّى اتَّكأْتُ على رُكْنى ومِسْبَــحتِى
فلْتَغْسِلى غُرَّتِى من طُهْرِ مُغْتَسَلِ
أنـا بلا خطأٍ فى الحــبِّ يُخْــجِــلُنِى
وما عبـــثت كمــا العــشَّـــاقِ بالحِيـَلِ

فهو العاشق الذى يحمل القلب البكروهى المحبوبةالتى ادخر لها ما تبقى من أجله ، ونلاحظ عندما أكد على المعنى فى إدخرت و (حوَّشت) ليفض بكارة قلبه العذرى ، كما نلاحظ جمال المعنى بين “” بكرٌ أنا ” و ” تفجر” عندما يصور لنا غزو حبها لقلبه وما استتبعه من دموع عينيه التى تفجرت ، وجمال المعنى بين فض بكارة قلبه ، والتفجر ” تفجُّر الماء فى شكل دموع” .

بكـــرٌ أنــا رئـــتى قــلــبى وقافـيَـــتِى
إنِّى ادَّخَرْتُ أنا (حوَّشْتُ) فى أجلى
حتَّى إذا ظهرتْ رُؤْيــــاكِ فى خَلَدى
تَفَــــجَّـــرَ المـــاءُ مَكْــــيَّا من الجــبلِ

ثم يربط بين تفجر الماء وغزارة الدموع ، فى تفجر الماء مكيَّاً من الجبلِ – وأى ماء ،، إنه ماء مكى ليدلل على طهارة وعفة حبِّه – وأن تزم بكفيها من غزارة الدموع بما يكفى لسقيا المليارات من حجيج المحبين ، مسقطاً على شعائر ومناسك الحج ليصنع لنا صورة لعالم الحب الذى صنعه ، ليكمل به العاشق أركان ومناسك عشقه العذري

زُمّــِى بِكَفَّـيْكِ أوجـــاعـاً ستَـنْزِفُــنِى
فمــــاءُ هـاجـرَ دمـعٌ سحَّ من مُـقَــلى
كمْ ألفِ مليونَ قد حجُّوا على وجعى
كمْ همْ وكمْ شربوا من دمْـعىَ البَـطَـلِ
فالنـومُ فى ســحرِ الأسحـارِ مُنْــتـَبِــهُ
والفـجـرُ لـكَّأ َلا يــأتى عـلى عـجــلِ
واللــوحُ يكتــــبُ عِــلــيُّـــونَ واقْـتَرَبُــوا
لا ذنبَ سجَّــلهُ جـــبريــلُ فـابْتــهِــلِى
مــا ذنبُ قــافيــةٍ أنْ قـــالَ شـــاعِــرُهَا
والرُّوحُ تبحثُ فى الأرواحِ عن مَثَلِ

ثم يصور ملائكة القلبين الممتلئين بالحب العفيف الطاهر الذى صنعه الله وسطره فى الألواح عندما تخر ساجدة تبكى وتشفع له ولمحبوبته ، ورسل المحبة التى ارسلها المولى عز وجل بقدرته لتشفع لهما لأى هنَّة لهذا الحب ، فلماذا يحزن وقد وثق فى قدرة ومنَّة وفضل الله حتى أصبح متكل ، وأصبح ينام قرير العين بعد أن عانى من النوم المحال

حتَّى توضَّأتُ من عينيكِ مُسْبِغَةً
عَــلــَّمْتِنِى لـغـةَ الأشـواق ِبالخَجَلِ
وَثِقْتُ فى قَدرى لا حُزْنَ يغْلِبُنى
ونِمْتُ من كسـلٍ فى ثوبِ متِّكِلِ
وكانَ فى عيْنِىَ النَّـوْمُ المُـحالُ فمـا
إلَّا عـلى قـلقِ الأوجاعِ والـعِـلـَلِ

ثم يعود مؤكداً لمحبوبته أنه أسيرها الذى لا تقبل له فدوولا بدل فهو الطليق الذى لا يُأسر إلا لها ، لا أنثى تعتقله إلا هي

إنى أسيــــرُكِ لا فَـــدوٌ ولا بَـــدَلٌ
أنا الطَّليقُ بساحِ الأسرِ فاعتقلى

ثم يؤكد لمحبوبته أن جدران سجنها حيث الخبز واللبن والسلوى بمائدة من دعوة الرسل ، فعليها أن تهييءلاستقبال حبه الأبدى الذى خلق لأرواح لا لبشر ، حبه الذى لا يفرقه موت إلى يوم البعث

جُدرانُ سجنكِ من خُبزٍ ومن لبَنٍ
سـلوى بمائـدةٍ من دعـوة الرُّسٌـلِ
هِــيــئِى لبــعثٍ فـــــلا مـوتٌ يُـفَـرِّقُـنــا
فِى الحبِّ لا موتَ تبقى الرُّوحُ للأزلِ

ثم يعود بنا من العالم الروحانى إلى عالم الواقع عندما يدعوها أن تمد يديها لتخيط الجرح ، ذلك الجرح الذى تولد قبل اللقاء بها ، فهى التى جاءت لتضمد جرحه بإبرتها الملساء المعجزة الربانية التى ستعيد الوضع الطبيعى للحمهِ وعظامهِ ، فهى الصديقة التى سترتق الوجع

إنَّى التـَجَأْتُ إلـيكِ الآنَ مـن وجــعى
مُدِّى يديكِ وخِيطى الجُرْحَ وانْدَمِلى
جــرْحِى وإبْرَتُــكِ الملْــساءُ مُــعْــجِــزَةٌ
تَخــِيـطُ لحمــاً عـلى عَــظْمٍ لـِمُـحْـتَـمَـــلِ
صِـدِّيقةٌ رَتَــقَتْ مـا كـانَ مـن وجـعٍ
قــدْ دوَّنتْ عجــباً فى عُشْـــبَةِ الأمــلِ

ثم ينهى طالباً من محبوبتهِ وأحلامهِ ، إن ضاق صدرها يوماً من غضب كان له ، لأى سبب دنيوى أن تطوف بقوافيه الجميلة التى طالما نسجها لها ، والتى أعدها لزيارتها كلما اشتاقت لزيارة حبَّهُ الربانى الملائكى ، وأن تطوفها سبعاً كالزائر الذى يطوف سبعاً على مهل لا مهرولاً ، وعليها أن لا تغضب منه إن تجاوز كالطفل الذى يبكى ، ومعتذراً لها ومؤكداً احساسه الطفولى خلال النص ، بما ساقهُ من تشبيهات خلال القصيدة ، فهو كان معها رجل بإحساس وقلب طفل كما جاء فى البيت الختام ، حتى لا يؤخذ عليه التشبيهات بالأماكن المقدسة والمناسك .
ولا يقع فيما وقع فيه ناجى عندما صور بيت محبوبته بالكعبة عندما قال :-
هذه الكعبةُ كنا طائفيها
والمصلين صباحاً ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها
كيف بالله رجعنا غرباء
فناجى ليس موضوعنا ولكن إشارة إلى أن شاعرنا بعلمه وإلمامه كما أشرنا سلفاً بالكتاب والسنة جعله ينأى بنفسه من الوقوع فيما وقع فيه ناجى .

(قصيدة عشتار)
( ..ثم نقلنا شاعرنا محمود حسن إلى الموروث التاريخى من خلال نصه ” عشتار ” وهى أنثى رائعة الجمال كانت توهم الرجال بأنها ستقبل عرضهم للزواج كما بين لنا ، فنزلت عند راع فكان يذبح لها كل يوم شاة طمعاً فى الزواج منها ، حتى إذا مانفذت شياهه راح ليسرق من شياه غيره ليذبح لها ، ثم تركته وانصرفت . )
وفى مطلع القصيدة يصور لنا شاعرنا ” عشتار ” التى لا أمان لها وكم تنقلت فى أرض الله بخداعها ولم يصيبها الملل يوماً فتكف عن إغراء راغبيها والطامعين فيها

عشتارُ بينَ فيَافِى
الأرضِ تنْتَقِلُ
خمْسونَ قرْناً ولمْ
يفتِكْ بهَا الملَلُ

ثم يبين لنا كم أنفق الراعى تقرباً لحضن ” عشتار”الجميلة ، ويتساءل شاعرنا ، ألم يعرفها وهى التى كم نُصِبَت لها الموائد إلى أن وصل الحال بالراعى وأصبح لايجيد لغة الخطاب وأصبح منتقداً لا يملك حرفاً له معنى ولا جملة مفيدة لها صياغة .

راحتْ غُنَيْماتُهُ الرَّاعِى
بِلَا ثَمَنٍ
لِحِضْنِ عِشْتَار خُبْزُ
الأرضِ يرْتَحِلُ
أَلَمْ يَكْنْ رَاهِبُ الرُّهْبَانِ
يَعْرِفُهَا
حتَّى تَلَعْثَمَ
لَا حَرْفٌ ولَا جُمُلُ

ثم يبين لنا الفتنة التى حدثت وكم توهم الراعى أنه سلطان لمملكة عشتار حتى استفاق فلم يجد عشتار ولم يجد نوقه

يَا فِتْنَةَ عَرَجْتِ
بِالقَلْبِ جامِحَةً
والوهْمُ هَاءَ
وحُورُ العينِ تَكْتَحِلُ
أَوْهَمْتِهِ أنَّهُ سُلْطانُ
مَمْلَكَةِ
حتَّى اسْتُفِيقَ
فَلَا نُوقٌ ولَا جَمَلُ

ثم يحدثنا ، أن عشتاراً قد غزته بالشهب المحرقة حتى أضحى الأمر دماراً واشتعالاً ، ثم يمضى محدِّثاً كسرة الخبز والعيش ، هل سيمضى سيف المعز ليبتر كل ذلك وتعود بمساندة الآخرين لتبنى مجدها أو يذبح لها أخا العرب أيضاً ناقته الوحيدة ويرتجل لها الكلمات وعبارات الثناء والغزل

غَذَوْتِهِ سُحُباً كالشهْبِ
مُحْرِقَةً
والآنَ يْمْسِى ولُبُّ
الوَحْىِ يَشْتَعِلُ
يَا كِسْرَةَ الخُبْزِ
هلْ يمْضِى بِطاوِيَةٍ
سيفُ المُعزِّ
وتَبْنِى مجْدَهَا الدُّوَلُ
أوْ يذْبَحُ العَرَبِىُّ
الآنَ نَاقَتَهَ
تِلْكَ الوَحيدَة
مضْيافاً ويَرْتَجِلُ

ثم ينقلنا لويلات الدمار والخراب من أجل عشتار مستخدماً الغلظة والشدة فى جملة ” فى منجنيقك يا حجاج أسئلةُ ” ، فالحجاج بن يوسف الثقفى والمعروف بشدته وغلظته فى بلاد العراق ، وهو الذى صٌنِعَ فى عصره المنجنيق ( آلة حرب).

فِى مَنْجَنِيقِكَ يا حَجَّاجُ
أسْئِلَةٌ
تَلهُو بِثَابِتِنَا
ليلاً وَتَغْتَسِلُ

ثم يدعو القلم الذى غرس فى رئته ليكتب كل ما سببه عشق عشتار من إفلاس ودمار وخراب إلى أن يختم لنا بأن الملك والطمع فى عشتار زائل ، فكم من ملوك عشقوا وأحبوا عشتاراً بموضوعية فبادلتهم حبها إلى أن رحلوا وكان كل من حول عشتار متأثراً برحيلهم

يا أيُّهَا القَلَمُ
المغْروسُ فى رِئَتِى
اكْتُبْ
فَإنَّ سُجُونَ القَهْرِ ترْتَحِلُ
إنَّ المُلُوكَ
وقدْ كانُوا أَكَاسِرَةً
رَاحُوا
وكَانَتْ جَمُوعُ الشَّعْبِ تَبْتَهِلُ

قصيدة سفر قابيل

بدأ شاعرنا المبدع قصيدته باستخدام التصريع الذى أضفى عليها جمالاً منذ بدايتها ، خاصة مع استخدام قافية القاف المضمومة ذات الإيقاع النغمى الرنان على أذن المتلقى ، مع حسن استخدام بحر من الأبحر التى تجذب المتلقى لها بسرعة إيقاعها (كما سيتبين لنا من خلال التحليل العروضى للديوان ) .
إفتتح شاعرنا قصيدته بالتحدث عن فترة زمنية اتسمت بالتوتر، والمشاكسة ، وعدم الهدؤ والإستقرار ، مع العلم بأن الفترات الزمنية التى تمرمن عمر البشرية قليلة ، وتمر وتنتهى ولا تشكل أدنى شىء فى ملكوت الله ، لذا فمهما عمرت بالأحداث فالكون ضيق ، وشاعرنا أجاد مع بداية النص حين استخدم الجزء من الكل فى إحداث المقابلة بين زمن وزمان مشيراً لذلك فى .

زمنٌ يشاكسُ
فى الزمانِ ويطبقُ
يا أيها الملكوتُ
إنَّك ضيقُ

ثم يتحدث عن حال الشاعر وابداعاته ورقص كلماته الأنيقة على الورق فى ظل الحيرة والقلق والتوتر النفسى ، ومدى الحسابات التى ربما يحتاجها أثناء ابداعه ، تلك التى كان من الممكن أن يبدع بدونها ، وبحيث لايكون هناك تأثير لها على أشعاره وقوافيه ، فتخرج بتلقائية .
ولكنه رغم ذلك قال مايريد وتفاعل مع كلماته واشعاره لا التى يكتبها ، والتى – من المفروض أن – تحمل مظاهرالابتهاج والغزل وشعر الصبا والشباب ، بل جعلته يستعين بورقهِ الذى أصبح العكاز الذى يتوكأعليه ، ويستقبل فيض مشاعره الحزينة ، التى عبر عنها بالناى الحزين ، الذى يشفق عليه ، من شدة النار التى خرجت من قلوبهم فصهرت الوجود ، النار التى ألقوه فيها رغم أن قلبه بكل مابه من حزن لا يُحرق ، فهو متصومعاً فى مكانه كأنه فى كهف وضع فيه، لايملك سوى مشاعره التى تنازعه وتتجاذب وتقد ابداعاته لتخرج عن غير رغبته

ما حاجةُ الرقصِ الأنيقِ
لشاعرٍ
كُسِرَتْ
عظامُ رويهِ
والمرفقُ
غنَّى بمذهبهِ
وراقصَ حرفهُ
عكازهُ ورقٌ
وناىٌ مشفقُ
ألقوهُ
فى النارِ
التى من قلبهم
صُهِرَ الوجودُ
وقلبهُ لايحرقُ
دفعوا بقافيةٍ
تقدُّ قميصَهُ
فى كهفهِ
متصومعاً
لايفسقُ

ثم يصف لنا كبيرهم الذى أصبح شاهد زور، على زمن الرقى والعدل والمساواة ، المعروف عن الأصول والمرجعية التاريخية للمنهج الذى يدعى إتِّباعَهُ هو واتْبَاعُهْ ، ذلك المنهج الذى حاد عنه فأصبح كالصنم الذى علق الفأس فى دماغه ، الصنم المتسم بالجمود وعدم الفكر والحياة ، الذى لايملك نفعاً ولا ضراً ، ورغم ذلك كله فمريدوه ومتبعوه يقدسونه .
وهنا احسن الشاعر عندما صنع الإسقاط على قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع الأصنام ،، التى كانت تعبد من دون الله ، وبين كبيرهم شاهد الزور واتباعه ، كبيرهم الشيخ الكهول الذى أصبح بعد ظهور الحق يتلعثم .
كما بين لنا الشاعر، مدى معاناته، ومدى الألم الذى ظهر ، فجعل الطفلة فى المهد تنطق كمعجزة من معجزات نهاية الباطل وظهور الحق ، إنه تأريخ ، يستند على تأريخ الحضارة ، ولكنه حقيقة سطر سطوراً جاءت كالزبد أو كغثاء السيل الذى ليس له أى قيمة وأساء بدلاً من أن يضيف لذلك التأريخ.

وكبيرُهم
هو شاهدُ الزورِ الذى
بدماغهِ
فأسُ النبى معلقُ
فتلعثمَ الشيخُ الكهولُ
وطفلةٌ
فى المهدِ
من وجعِ القصيدةِ
تنطقُ
زبدٌ
من التأريخِ
متكىءٌ
على حبرِ الحضارةِ
ياصفىُّ يصدقُ

ثم ينقلنا شاعرنا إلى الدماء التى تسيل والقتال الدائر بين الأخوة والطوائف ومن ينساق للقتال ومن يسعى لتهدئة الأمور حتى تمضى وتسير الحياة .
رغم أنه ليس بيننا عدو حقيقى بل نحن من نصنع العداء مع انفسنا ، حتى أصبحت يد الأخ نار، تارة تجرجر وتمثل بالجثث ، وأخرى تحرقها ، وهو يصيح لا ، ثم يعود لينادى هند مسقطاً على هند بنت عتبة المخزومية التى طلبت مهرها الكبد، فنحن لسنا فى عصور الجاهلية التى فرضتموها علينا ولا حرب الأهل والعشيرة التى لم تعد على حق .

هذا دمى
ينسالُ كلَّ دقيقةٍ
وأخى يُعَاقِرُهُ
ليمضى الفيلقُ
يمضى إلى َّ
فلا عدوٌّ قابعٌ
ويَدَا أخى مَسَدٌ
يَجُرُّ ويحرقُ
وأصيحُ
لاتمسكْ
برأسى ياابن أمّْ
عبثاً أحاولُ
ليسَ بعضى يشفقُ
ياهندُ
لاكبدى سيُحْيى شَيْبَةً
أبداً
ولا حربُ العشيرةِ منطقُ

ثم يقول لنا أن دماء الشهداء كتبت فى السماء سحابة ، وأن أرواح الشهداء نوارس ستعبر مزقزقة إلى الملكوت الأعلى ، وأن ماقدم من شهداء سيقربنا إلى الحق الذى يريده المولى عزوجل فى الأرض ، فما حدث يبين كيف أن العاصى قتل أخيه من شدة حقده والضغينة التى يحملها فى صدره ،، ألم يتذكروا كم لعبنا وقضينا أوقات الطفولة والصبا ، وكنا نقول كلاماً لا نعيه وربما غير صحيح ونصدقه ، وكيف أن الأب والأم علمانا بأن دماءنا التى تسيل على الأرض إنما دماء واحدة تتدفق فى عروقنا .
**ثم يتأسى ويتأسف على زمن الطفولة ويدعو إلى العودة والجرى واللعب ، ثم يعود ويتذكر أننا كأخوة متحابين كنا إذا نزل المطر ولفنا الصقيع يجمعنا دفء الأخوة والمحبة وكأننا فى ثوب واحد ويشبعنا رغيف فنسعد ونفرح .

كتبتْ دمانا
فى السماءِ سحابةٌ
أنَّا نوارسُ
عابرونَ
نزقزقُ
قُربانٌنَا للهِ
بعضُ نبوةٍ
قابيلُ فاضربْ يمَّ حقدكَ
يُفْلَقُ
اذكرْ مراعينا معاً
ألعابنا
أوقاتَنا
كنَّا كِذَاباً
نُصْدقُ
اذكرْ أباكَ
وأمَّنا
قد علَّمَاكَ
بأنَّ دمَّكَ
فى دمى يتدفقُ
قوما إلى المرعى ينِىَّ
لعل أرنبةً
تلوحُ على الطريقِ
فَنُمْرِقُ
كنَّا إذا نزلَ الصقيعُ
يضمُّنا ثوبٌ
ويكفينا الرغيفُ
ونُغْدِقُ

ثم يعود الشاعر ليتأسى ويتألم إلى ما وصلنا إليه وأبناء عمومتنا من اهتمامنا بالبنادق التى صارت وكأنها لعبة نطلق النيران منها حتى أصبح القتيل وكأنه ينادى من هول الرصاص على من قتله هيا لا محالة حتى أصبحا فى الموت متعانقين وكأنهم أعجاز نخل قد سقط منها التمر جثث جيفة متألمة تصرخ وأخرى تنتظر المشانق التى ستعد لها .

كيف انْتهْينا
والبنادق لعبةٌ
فى يدِ أبناءِ العمومة
تُطْلَقُ
بعثَ القتيلُ
لقاتليهِ بموتهم
سقطوا معاً
فمُعَانقٌ ومعانقُ
أعجازُ نخلٍ
قد تساقطَ تمْرها
جيفٌ
ثكالى
صرخةٌ
ومشانقُ

ثم يعود الشاعر موضحاً ومستخدماً مخزونه الثقافى الدينى فى التوظيف الصحيح عندما يربط بين
قُربانٌنَا للهِ
بعضُ نبوةٍ
قابيلُ فاضربْ يمَّ حقدكَ
يُفْلَقُ
مستخدماً قصة قابيل وهابيل والأوضاع التى عدنا بها إلى الهمجية وبدء الخليقة
لا سؤةً وارى الغرابٌ
كما مضى
فهل النفوسُ
كما البهائمِ تنْفُقُ
ثم يعود ويؤكدالشاعر إن الأمرإذا كان هو الناقة والخير الكثير فاترك الناقة وخذ ألف ألف من النويقات وخذ المراعى وتعايش ودعك من الناقة ، فأنت لا تقوى على حمل مسئولية الناقة ، ولايجب أن تسعى للخراب والدمار وتسعى لهدم البئر فكلنا فى ظمأ ، فحياتنا لم تعد سوى بنادق ودمار وقتل حتى صرنا غرقى فى دمانا .
** لا تطفىء شعاع النور والأمل الباقى بالخيمة التى أصبحت تجمع الضعفاء والثكالى ، الخيمة التى تسع الطفل الصغير والعجوز المرهق الذى لايقوى على الدفاع حتى عن نفسه ، الخيمة التى بها النساء اللاتى لم يتبق لهن سوى البكاء والحسرة والألم ، من حرب الاخوة الدائرة ، التى مزقت أكبادهن على فلذاتها ، إنها آلام لذبح دون ارتكاب جريمة أو جناية تستوجب ذلك .
**ثم يعود ويناشد كل هؤلاء أن يدعهم من الناقة التى يريدونها ويفعلون كل ما هو مؤلم للجميع وغير مستباح ، وأن يأخذوا ألف ألف نويقة والمراعى وكل هذا سوف يجلب لهم الكثير من الخيرات ، بعيداً عن الناقة .

خذْ ألفُ ألفُ نويقةٍ
وخذْ المراعى
سوف تَنْبُتُ أينقُ
لا ترجم البئرَ الوحيدةَ
قد ظمئنا
رغم أنَّا فى دمانا نغرقُ
لاتطفىءْ
الشمع المهيلَ بخيمةٍ
فيها وليدٌ
أو عجوزٌ مرهقٌ
فيها نساءٌ باكياتٌ
لم تزلْ
حربُ العشيرةِ فى الكبودِ تمزِّقٌ
فإلامَ تذبحُنا
بغيرِ جنايةٍ
وإلامَ تجمعُنا
وأنتَ تُفَرِّقٌ
هى ناقةٌ
خذْ ألفُ ألفُ نويقةٍ
وخذْ المراعى
سوف تنبتُ أينقُ

 قصيدة إشتهاء (ومضة)

ثم ينقلنا شاعرنا إلى نص ” إشتهاء” الذى يعتبر أحد الومضات الشعرية بالديوان ، وفيه يوضح ما ذكرتهُ عن شخصيتة ، وأنه أنعم الله عليه بنعمة الخَلْق والخُلُقْ ، وكيف هو نقى من داخله ، فحرفهُ لا يعاندهُ فى ذلك ولا حبرهُ يسىء للأصدقاء ، لذا فَشِعْرَهُ أنيق المظهر عفيف طاهر ، كما لو جاء من صُلْبِ أنبياء ، فإذا ما قالهُ صعد وصُلِبَ ليسكن فى السماء .

وتكتبهُ القصيِدةُ
ألفَ باءِ
وأكْتُبُها
كمسْألَةِ اشْتهَاءِ
فَلَا حَرْفِى
يُعًاندُنِى عصِّيا
ولا حِبْرى يُلطِّخُ أصْدِقَائِى
وشِعْرِى
فى مَلَابِسِهِ أنِيقٌ
بِرَبْطَةِ عُنْقِهِ
والكِبْريَاءِ
وعفٌّ
إنْ كتَبْتُ الشِّعْرَ عفُّ
أُطَهِّرُهُ كنُطْفَةِ أنْبياءِ
وأنْفُخُهُ
بروحٍ من سحابٍ
وأصْلُبُهُ
ليَسْكُنَ فى السَّماءِ

القصيدة السيدة (ومضة)

ثم ينقلنا لنص القصيدة السيدة وهو أيضاً يعتبر أحد الومضات الشعرية فى الديوان ، وفيها يخاطب محبوبته ، وأنها إذا ما بادلته المشاعر الجميلة ، سيتمخض الكلام ليولد ، فكم رآها قائمة وساجدة فى القصيدة ، وكم ارتقى بما بها من شعر إلى منازل علوية ، لتنجب فى السماء قصائد أخرى صغيرة ، وتقيم كعبتها ليعرف الشعر مسجده وتؤم القوافى بعضها البعض ، فليس هناك مدعاة للتعجب ، فدائماً القصيدة سيدة

إنَّ الكلام
جميعّه متعسِّرٌ
إنْ تمْنحيه الطلقَ
نثبتُ مولده
فلقدْ رأيتكِ
فى العبارةِ قائمة
ولقد لمحتكِ
فى القصيدةِ ساجدةْ
لغةٌ تُغالبُ قيصراً
فى ضعْفهَا
وتشقُّ قلبَ
الشعرِ تفتحُ موصَدَه
يرقى
ليُنجبَ فى السماءِ
بناتِهِ
وتقيمُ كعبتَهَا
فيعرفُ مَسْجِدَهْ
نسعى لقافيةٍ
تؤمُّ رجالها
…. لا تعجبوا
إنَّ القصيدةَ سيِّدةْ

قصيدة هو عبد الناصر(ومضة)

 ثم ينقلنا إلى ومضة أخرى وبالتحديد فى نص ” هو عبد الناصر” ، وفيه يمتدح الزعيم جمال عبد الناصر الذى علَّم الناس معنى الثورة والثوار ، هو الزعيم الذى أمر ببناء السد العالى وما تبعه من خير ونماء على مصر وعلى الصناعة من كهرباء لذا استحق أن يتغنى الشعب به .ثم يخاطب النهر الذى امتزج بشخصية عبد الناصر النارية الثائرة مع طين الأرض

هو عبد الناصرِ من علَّمنا
كيفَ تكون الثورةُ والثُّوارْ
هوَ من أوقفَ نهرَ النيلِ بحضنِ الأرضِ لكى يتلقَّى قُبَلَ الشَّعبِ وإكليلَ الغار
يا نهرَ اللهِ
ويا جدَّ الأنهار
أنتَ وعبدُ الناصرِ
هذا المزجُ الرائعُ
ما بين الطِّينِ
وبينَ الماءِ وبينَ النارْ

قصيدة إبن الخليفة(ومضة)

ثم ينقلنا إلى ومضة شعرية أخرى ” إبن الخليفة ” والتى يبين فيها مدى السعى للخلافة حتى إذا قتل الإبن أبيه ليتسلق إلى كرسى الحكم أمام من كان له السمع والطاعة ، هكذا يعيد التاريخ نفسه لتظهر لنا الفتنة الكبرى مرة أخرى وتضيع دماء الشهداء بلا دية ، فالثورة الغير منظمة التى ليس لها سوى التطلع للكرسى والحكم لا تأتى إلا بطاغية

ابنُ الخليفةِ ضارباً عُنُقَ الخليفة
مُتسوِّراً دارَ الإمامِ
وتحتَ سمعِ معاوية
هىَ دورةِ التَّاريخِ تبدأُ ثانيةْ
الفتنةُ الكبرى ودمُّ المسلمين ومصحفٌ
والإصبعُ المغدورُ كىْ تبقى دماءُ الثَّائرينَ
بلا ولىٍّ أو دِيَةْ
فَتبصَّرى يا أمَّةَ الثُّوار
إنَّ الثورةَ العمياءَ
تُنْجِبُ طاغيةْ

قصيدة يا أنتَ(ومضة)

ثم ينقلنا إلى ومضة شعرية أخرى ” يا أنتَ ” وفيها يخاطب من ظن أنه أصبح إماماً ، فهو لم يرتقِ لمنزلة الإمامة حتى يؤم الناس ، وكم توهم أنه من وحى السماء ، فمهما كذب فلن تصدقهُ ، وكيف تصدقهُ وأعوانه حوله بضغائنهم ، التى حتماً ستولد الفراق والتشتت بحيث لا يصير هناك حماية ولا حراس .

يا أنتَ لستَ إماماً كىْ نُقدِّمَهُ
وليسَ إرهاصَ وحىٍ جِنُّكَ التَّعِسُ
اكذبْ كما شئتَ لا حرفٌ نُصَدِّقُهُ
واحذرْ فَكَلْبٌ كلابِ الله مُفْتَرِسُ
لا بُـــــدَّ يُنْشِــبُ نَاباً فِى ضَــغائِنِكُمْ
يَسْعَى إليكمْ فَلَا سُورٌ ولَا حـــَرَسُ

قصيدة ريتاج (ومضة)

ثم ينقلنا إلى الومضة الأخيرة وهى إجتماعية جميلة يتحدث فى حوار متحدثاً لريتاج إبنته الجميلة التى هى قُبْلَة الحياة للبيت عندما يشرق كل صباح ويصور لنا العلاقةالدافئة بينه وبينها عندما تقوم بإيقاظه كل صباح ، فيصحو بضمةٍ لها وقُبْلَة ، فلو يعلم الأبناء أن الوالدين لم يَعِشا إلا لابتسامتهم ما بخلوا بها .

عُشّا يمامٍ عالقانِ بشرفتي
ونٌخيْلة وسحابة تتنقّلٌ
و رتاجٌ تصحو في الصباح
كقبْلةٍ
تَهَبٌ الحياةَ لبيتنا
وتجمّلٌ
(اصح ) .. أبي
وتشدُّ من فوقي الغِطاء
كأنما
فتَقَ السماءَ مُنزَّلُ
فأقومُ أفتحُ ساعديَّ لحضْنها
أتقبَّلُ الضمَّ الجميلَ وأُرْسِلُ
لو يعلم الأبناءُ أنّ وجودنا
رهنُ ابتسامةِ ثغرهم لم يبخلوا
قصيدة ” أحتاج إلى لغة أخرى “

ثم ينقلنا إلى قصيدة ” أحتاج إلى لغة أخرى ” وفيها يوضح لنا مدى إحتياجه إلى لغة ومفردات لكى ينظم لها ما بداخله من مشاعر ، فهى إمرأة لا تتكرر ، لم تخلق إلا مرة ، فهى كافة ألوان الشعر ، وهو تجاهها لم يستطع أن يسيطر على مشاعرة ولايمكن إلا أن يعشقها ، وكم تحتاج إلى أشياء لنقش عينيها وشفتيها وحضنها ورموشها ، فهى المعجزة الكبرى لعبور مر حلة اللاحب إلى الحب .
أَحْتَاجُ إِلَى لُغَةٍ أُخْرَى
أحتاجُ لكىْ أعْبُرَ هذا النهرَ
لِمُفْرَدَةٍ أخرى
أحتاج ُ لكىْ أكتبَ شعر اً
أن أنظرَ فى عيْنَيكِ
لا أدْرى كيفَ أتيْتِ
أوْ منْ أَىِّ رحيقِ الزهرِ خُلِقْتِ
لكنِّى أعلمُ أنَّكِ وحْدَكِ أنْتِ
يا امْرَأةً لا يُمْكِنُ أنْ تُخْلَقَ…
… إلَّا مرَّه
لاَ تَتَكَرَّرْ
يا امْرَأَةً لا يمكِنُ إِلَّا أنْ..
أَعْشَقَهَأ
يا زَهْرَة أُرْكِيدٍ
يا نَسْمَةَ فُّلٍ أوْ عنْبَرْ
يا سُنْدُسَتِى وَزَبَرْجَدتِى
ياَ كُلَّ الشِّعرِ العَرَبِىِّ
وكلَّ الشِعْرِ المُتَحَوِّر
أَحْتَاجُ إِلى لُغَةٍ أُخْرَى
أحتاج إلِى إِزْمِيلٍ منْ نوعٍ خاص
أحتاجُ إلى حَجَرِ المَرْمَرْ
كىْ أَنْقُشَ عَيْنَكِ عَلَيْهِ
كىْ أرْسٌمَ فىِ سَنْتِيمِترٍ
شَفَتَيْكِ
أحْتَاجُكِ أنْتِ
أَحْتَاجُ يَدَيْكِ لِتَنْبِضَ بيْنَ يَدَىَ ..
فَأَهْتَزَّ كمَا يَهْتَزَّ البَنْدُولُ بِسَاعَةِ
حَائِطْ
أَهتَزَّ كمَا يَهتَزُّ الصُوفىّ بسَاعةِ
نَشْوَهْ
أحتَاجُ لِحِضْنِكِ يحْمِلُ عنِّى
رأْسِى المُثْقَلَ بالنَّكَدِ الأَبَدىِّ
وبالْحُزْنْ
أَحْتَاجُ لِثَغْرِكِ يطْبَعُ …
فَوْقَ جَبِينِى قُبْلَةَ بَعْثٍ حُلْوَهْ
أحْتاجُ عُيُونَكِ..
أَحتَاجُ رُمُوشَكِ ..
أحتَاجُ وُجُودَكِ كُلَّهْ
وَأُحِبُّكِ…
يا امْرَأَةً
خلَقَ اللهُ القَمرَ الفِضِّىَ
لِعيْنَيْهَا..
كىْ تَنْظُرَ كُلَّ مَسَاءٍ فيهِ …
فَيُبْصِرَ عيْنَيْها الكَوْن …
فيسجَدَ للهِ على صَنْعَتِهِ
أحتاجُ إلِى لُغَةٍ أُخْرَى
أوْ بالأَحْرَى
أحتَاجُ إلى مُعْجِزَةٍ كُبْرَى
كىْ أعبُرَ جسْرَ الّلَاحبِّ
إلى الحبّْ
كىْ يتَبَرْمَجَ هذا الْقَلْب
حتىَّ لا يعرِفَ غيْرَ هَوَاكِ …
… ولاَ يُبْصِرَ غَيْرَ عُيوُنِكْ
وَأُحبُّكِ أَنْتِ

” القصيدة المريمية “

ثم ينقلنا إلى الواقعة الشهسرة لكنيسة القِدِّيسَيْن بالإسكندرية من خلال نص ” القصيدة المريمية ” التى تحدث فيها عن الجهل بالدين والعصبية العمياء ، وكيف جرت دماء المسلمين والمسيحيين بغير ذنبٍ أو جنايةٍ ، فكم توحد دم الذى طالما حمى المساجد والكنائس تحت عقيدة واحدة ، وكم كان من تلاحم بين الهلال والصليب ، حتى إذا مارفع المؤذن الآذان كانت تتوضأ مريم فى بيت لحم

ويظلُّ فى حرم الكنيسةِ مَأْتِمُ
يا عُصْبةَ التَّهريجِ إنَّهمو دمُ
عصبِيَّةٌ عمياءُ يدْفَعُهــا الهوى
إنَّ الجهالةَ لعنـــــــةٌ تتكَلَّـــــم
تجرى الدِّمــاء مع الدِّماء توائماً
عندَ الفداءِ فَقِبْلــــــةٌ وملاحمُ
أمّا إذا تجرى بغيرِ جنـــايـــــــــــةٍ
فَكَحُرْمةِ البيتِ الحــرامِ وأعظـــمُ
دَمُنا توحَّدَ فى الرِّمــــالِ كأنــــــــهُ
النِّيلُ العظيمُ جرى لِتَنْبُتَ أعْظُمُ
يحمى المساجدَوالكنــائسَ مُنْصِفاً
يبْنى العقيــــدةَ ليسَ دينٌ يَهْــــدِمُ
رفعَ المؤذِّنُ فى الحُسَيْنِ نِدائَه
فتوضَّأتْ فى بيتِ لحمٍ مَرْيَمُ
مقابلات وجماليات فى النص

 ولعلنا نقف وقفة تأمل فى جمال المقابلة التى أحدثها شاعرنا فى كل بيت من الأبيات التالية
– الآذان فى الحسين ووضؤ مريم (رمز العفة والطهارة فى المسيحية) فى بيت لحم
-تعانق الهلتال والصليب
-وضع محمد (ص) الأصغر فى حجر مريم الكبيرة وكلاهما يتناوب الرضاع فم فم من ثدى سلالة الأنبياء
-الجِذْعُ عندما هزته مريم ليساقط عليها رطباً جنيَّا ، والجذع حين بكى لترك الرسول (ص) له يوم تركه وصعد المنبر .
-عيسى عليه السلام عندما جاء بالمسيحية وكان يشير إلى القرآن الكريم ، فتعاليم الرسالات السمحة واحدة .
– عندما صلى عيسى عليه ونبينا السلام إلى جوار النبى (ص) فى رحلة الإسراء .
-عندما يدعو الناس لتعرف كيف أن عيسى عليه السلام عظم الصليب والهلال مشيراً إليه فى تعاليم المسيحية .
-أن المنائس والمساجد كلاهما للتعبد فبولس (رمز جرس الكنيسة) عابد ، وبلال (رمز آذان المسلمين ) عابد، والجميع فى العبادة متناغم .
– أليس فى الديانتين ما أشار إلى حرمة قتل النفس ، فالأديان من عند الله .

رفعَ المؤذِّنُ فى الحُسَيْنِ نِدائَه
فتوضَّأتْ فى بيتِ لحمٍ مَرْيَمُ
والقبَّتانِ تعانَقَا فَهِــــلالنـــــــا
حولَ الصَّليبِ قلادةٌ وتمائِمُ
ومحمــدٌ فى حجـــرِ مــريمَ أمِّهِ
رضَــعا معـــا مُــتَناوِبَيْنِ فمٌ فمُ
هىَ قدْ أشارتْ فى الصِّيـام إليْهِما
فالجِـذْعُ كــبَّرَ والمــلائِكُ أنْجُـــمُ
عيسى يُطِلٌّ من المنابِرِ واعظا
ومُحاضِراً آىَ الكتابِ يُتْرْجِمُ
صلّى إلى جنبِ النَّبىِّ جــماعةً
وتَهـــَجَّدا فَكـــعوبُهــُمْ تَتَــــوَرَّمُ
يا أيُّها العــــوَّامُ عـــيسى قلْ لهم
كيفَ الهلالُ مع الصَّليبِ يُعظَّمُ
تدعوا الكَنائِسُ كلَّ بولسَ عابدٍ
وبـــــلالُ أذَّنَ فـــالجميعٌ تنـــاغَمــوا
أولــــيسَ فى الدِّينَيْنِ حُــرْمَةُ أَنْفُسٍ
أولـــيسَ فـوقَ الــدِّينِ ربٌّ يَرْحَــمُ

ثم يوجه لومه للغادرين ورؤوس الأفاعى ، مشيراً إلى أننا شعب واحد لا ينقص بعضه بعضاً حقوق فلحم مصر طعمه علقم ، وعليهم عدم النظر من أعلى على شعب مصر الأبى ويلطخه بالدماء ، فهى مصر التى تعايش فيها قطبيها من مسلمين ومسيحيين فى تآلف وتراحم وعدالة ، ففاطمة الزهراء أم لنا وكلنا نردد (ستنا ) مريم .

أَثِمـــتْ أيـــــادى الغــادرِينَ وقُطِّــعَتْ
رأسُ الأفــــاعى القــاتلـــين وذُمِّـــــــموا
إنَّا لـشعــبٌ لــــيسَ يُنْــقِـــصُ بعضُهُ
بعـضاً حــقوقـاً كىْ يحـــومَ الأعجــــــمُ
هــذى دمــانــا صـوبَ كلِّ مُحَرِّضٍ
تَشْــوى الوجـوهَ ولحمُ مصرَ العَلْقَمُ
لا تَنْظُرَنْ من شُرْفَةٍ علياءَ لمْ
تُنْصِفْ دماً وعلى ثيابكمو دمُ
كُنْ للجَميعِ رسالةً بيضاءَ زنْبَقَةً
تُعــطِّرُ فى الوجــودِ تُــــمـــَـرْيِمُ
اللهَ فى مـصـــرَ التي ضمت معاً
قُطْبَىْ بَنِـيها والرُّمــوشُ حــوالِمُ
وطنٌ يزولُ الكونُ قبل زوالهِ
مُتــــعايِشٌ مُتَــــآلفٌ مُـــــتراحِمُ
وَجَدُوا العدالةَ فى حِماهٌ فجمَّعوا
مُهَجَ الرِّجالِ وشَيَّدوا وتراحَمُوا
أَوَليْسَت الزَّهراءُ أمَّ جميعنا
أولا نُرَدَّدُ ( سِتُّنا ) يا مرْيمُ

فكم من عدو ظن وهن وضعف نسيج الأمة وباءت محاولاته بالفشل ، فالقنابل التى تصنع من عصابة تبغى الفساد لن تجىء إلا من إنسان لا ينتمى للإسلام ، فسفك الدماء ليست من تعاليم الأديان ، ولا ننسى أننا يجمعنا علم ٌ واحد ، فهؤلاء الشرذمة لا يعلمون شيئاً عن فنون السياسة وهم أطفال رضع فى عالمها ، وسنقول وسنظل نقول أن أمنا الزهراء و (ستنا) مريم

كمْ من عدوِّ ظنَّ ضَعْفَ نسِيــجِنا
غِـــرَّاً ومــنَّى نــفْسَــهُ مـُتَــلائِـــــــمُ
يا غاضبــينَ وكلُّـــنا غضـــبٌ ثَرِى
إنَّ الدِّمـــاء شـقــيقــةٌ وتـــــــوائِمُ
هذى القنابلُ من صنيعِ عصابةٍ
تَبْـغى الفســادَ وتعلـمونَ ونعلمُ
إن تـــأْلموا نـــألمْ مــــعــاً فى ضَمــَّةٍ
واللهِ لم يســفكْ دمــــاكمْ مُسْلمُ
بيضُ الثِّيابِ وسودُها بِقُماشَةٍ
ليُـــتِمَّ بــيْرَقَنـــا العظــيمَ مُــعَــمــَّمُ
اللهَ فى مصرَ التى ضمَّتْ معاً
قطْبىْ بَنــِيها والرُّمـوشُ حَوالِمُ
لو كانَ فى فنِّ السياسةِ نُخْبَةٌ
فَإلـيكِ جــــاءتْ رُضَّــعاً تَتَــعَلَّمُ
ســأقولُ للــزهــراءِ يا أمّــِى كـــما
سأقولُ دوما ( سِتُّنَا ) يا مرْيَمُ

قصيدة محمد (ص)

ثم نختم القراءة دون تحليل أو قراءة لنص ” محمد ” (ص) فى كل ما فى مدح الحبيب لا يحتاج لرؤية أو قراءة أو تحليل ، فهو فيض من المشاعر الروحانية لا يحتمل التأويل ، عليه أفضل الصلاة والسلام

المــــــاءُ أنتَ وأنتَ الأرضُ والكَـــلَأُ
والكـلُّ فى واحـــدٍ بلْ وحـدكَ المَلَأُ
والحــــقُّ أنتَ وأنتَ النـور مؤْتلـقــاً
ومـن حَنَايـاكَ نهـــرُ الـحب يبتـدأُ
يا غارســاً فى ديــارِ القهرِ سوْسنةً
تنْمــو فَيُعْشِبُ فى أعمـاقِنــــا النَّبـــأ
هــــــذا محمــــدُ والأكـــوانُ نـــــاظـرةٌ
والطــــيـرُ أرَّقـــــهُ بِلــــقَـيسُ أو سَــبَأُ
وغُصَّـــةٌ فى خـــلايا الطِّــينِ سـاكِنــةٌ
والـظـــلمُ فـــــوقَ رقــابِ النَّاسِ مُـتَّكِىءُ
هـــذا محمدُ نهـــــرُ الأرضِ يمْـلـؤهـا
رِيًّا فَحَلْـقُ الــــورى قدْ شـقَّـه الظمـأ
هـذا محمــــدُ فـوق الخلـقِ أجْمــعِهِـم
بالحـبِّ ليسَ عـلى أفكـــارِه صَـدأُ
يـا داعـيــاً سَلِســاً يدعـو بلا عُـقَــدٍ
تهْدى إلى اللهِ لا عنـفٌ ولا خطـــأ
أهلُ التَّـنطـُّعِ فى الأديـــــانِ مُحْدِثَةٌ
عَمُــــوا فمـــا عــرفوا فِــقْهـاً ولا قرأوا
إنَّ السِّيـــاقَ لأهـلِ العـلمِ قـاعِــدةٌ
يَا ليْتَهم أكْمَلُوا نصّاً وما اجْتَزَأُوا
دَسٌّ وتلفيـقُ كـــــــذَّابٍ ومَبْـهَتَـةٌ
منْ حقدِهــم فَيْرسُ الإرهابِ يبْتدِأُ
مَدُّوا النِّصــــالَ إلى شمسٍ محلِّقَةٍ
غِلَّا ويدْفعُهم جـهْــلٌ ومــا هَـدَأُوا
يا أيُّها الوطنُ المغــــــرورُ ساســـتُهُ
تـاريخُـنـا دولٌ عظْــمى ونهْتــــــــرِىء
المــــاءُ أنتَ وأنت الأرضُ والـــــكـلأ
والكـلُّ فى واحـــدٍ بل وحدكَ المَـلَأُ

ثالثاً : القراءة العروضية فى ديوان سفر التوسل

شاعرنا المبدع الاستاذ / محمود حسن (سيد القوافى ) يمتاز بلغته الجميلة الطيِّعة التى تنساب فى قوالب عروضية سليمة ومنتظمة فى سهولة ويسر، فعندما تستمع إليه تجده وكأنه يفرغ معدن منصهر ليتجمد ويعطيك الأشكال التى تضيف للنص رونقاً وجمالاً ، من خلال قوالب وأشكال عروضية سليمة دون الخروج عن الشكل الواحد للبحر ، وكأنه العازف الماهر الذى يعزف لحنه على الأوتار دون نشاذ.
الديوان يشتمل على أربعة عشر قصيدة ، أوضحناها من حيث الشكل ، مع ملاحظة أن الشاعر داعب القارىء أحياناً كما فى نص ” سفر قابيل ” الذى وضعه شكلاً وكأنه من الشعر الحر ، ولكن من يعرف فنيات الكتابة وأصولها وقواعد كتابتها ، يعرف أنه ، شعر عمودى ، نظمه فى قالب حر وفقاً للدفقات الشعرية والشعورية التى سيطرت عليه اثناء التجربة الشعرية والتفاعل وقت الكتابة ، وكما قلنا أن اللغة طيِّعة معه ، يتحرك فى دروبها وأزقتها كيفما شاء دون عثرات ، تشكِّل له مشكلة سواء فى العروض أو اللغة .
شاعرنا محمود حسن استخدم أربعة أبحر خليلية نسج منها قصائد الديوان ، وقد جاءت على النحو الموضح :-
(1)من بحــر البســيط :- ” عدد أربعة قصائد” سفر التوسل / عشتار / يا أنتَ / محمد
(2)من بحــر الوافـــر :- ” قصيدة واحدة ” إشتهاء ”
(3)من بحر الكامـــل :- ” عدد سبعة قصائد “القصيدة السيدة / ليست بحاراً تنفلق / إبن الخليفة / ريتاج / حروب الردة فى كربلاء الثانية / القصيدة المريمية / سفر قابيل .
(4)من بحر المتــدارك :- ” قصيدتان ” هو عبد الناصر / أحتاج إلى لغة أخرى
ونلاحظ أن شاعرنا إنطلق بلجام بحر الكامل كما تبين أنه كتب سبعة قصائد من محموع قصائد الديوان (الأربعة عشر) أى بما يعادل النصف ، فبحر الكامل سمى بالكامل لكماله فى حركاته ، ولأنه أكثر أبحر الشعر حركات ، والبيت التام منه ، ثلاثين حركة ، وليس فى الأبحر ماهو كذلك ، وقيل لأنه كمل عن الوافر فلا يستعمل إلا مجزؤاً أو مقطوفاً ، وقيل لأن أضربه زادت عن أضرب غيره من البحور لأنه لم يكن لبحر آخر تسعة أضرب مثله .

و بحر الكامل التام الذى أساس تفعيلته (متفاعلن )ثلاث مرات فى كل شطره ، ذلك البحر الذى يدخل عليه فى الوضع الطبيعى الإضمار وهو تسكين الثانى لتصبح (متفاعلن ) ( مستفعلن).
ومن المعروف أن بحر الكامل من أكثر البحور إتساعاً ، حبث يشتمل على ثلاث أعاريض وتسعة أضرب ، ويدخل الكامل من الزحاف الإضمار كما اشرنا ويجوز فيه قليلاً الوقص (مفاعلن) والخزل ( مفتعلن )، أما ألإضمار فيدخل على الأعاريض والأضرب ومع الترفيل والتذييل .
(1)العروضة الأولى :- صحيحة (متفاعلن )ولها ثلاثة أضرب ( متفاعلن متفاعل متفا )
(2)العروضة الثانية :- حذَّاء (فعلن ) منقول (متفا) ولها ضربان أحدَّ(فَعِلُنْ ) مضمر (فِعْلُنْ)
(3)العروضة الثالثة :- مجزؤ صحيحة (متفاعلن) ولها أربعة أضرب مرفل (متفاعلاتن)ومزيل(متفاعلان) وتام (متفاعلن)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى