سناء هيشري: المرأة في لوحاتها وثيقة بصريّة وذاكرة نضال وملهمة أجيال

تونس – عالم الثقافة
في عوالم الفن التشكيلي، ثمّة أسماء تترك بصمتها لا بالريشة وحدها، بل بما تحمله من رسالة إنسانية عميقة. من بين هذه الأسماء، تبرز الفنانة التشكيلية سناء هيشري التي جعلت من المرأة مركزًا لإبداعها وملهمتها الأبدية. في لوحاتها، لا نرى المرأة كصورة جمالية فحسب، بل كقوة حقيقية تختزن ذاكرة المجتمع، وتكتب فصول نضاله عبر الأجيال.

تغوص أعمال سناء هيشري في رحلة المرأة بين الماضي والحاضر والمستقبل: الجدّة التي تحمل حكمة السنين وتجاعيد الكفاح، الأم التي تنسج التضحيات بخيوط الأمل، والابنة التي تتطلّع نحو أفق الحرية بألوان الحلم. هكذا تتحوّل اللوحة إلى وثيقة بصرية للنضال النسوي، وإلى مساحةٍ يتجاور فيها الصبر مع الجرأة، والمعاناة مع الإبداع. ومن خلال تقنياتها الخاصة – رمي الطلاء المباشر وتكديس الألوان بتوتّر مدروس – تترجم الفنانة ذلك الصراع الأبدي بين الانكسار والنهضة، بين القيود والانعتاق.
في لوحات سناء هيشري، تتحوّل المرأة من مجرّد موضوع فنّي إلى كيان نابض بالحياة، وإلى رمزٍ جامع لذاكرة الأجيال وصوتٍ للنضال الصامت. فمنذ بداياتها، اختارت أن ترسم المرأة لا كجسدٍ أو صورةٍ عابرة، بل كحكاية متجذّرة في الزمن، تروي صراعها من أجل أن يكون لصوتها أثر، ولحضورها معنى في قلب المجتمع.

هيشري جسّدت بثلاثة أجيال متعاقبة مسيرة المرأة: الجدّة التي تحمل في عينيها ثِقَل الصبر وحكمة الأرض، الأم التي توازن بين التضحية وبناء الغد، والابنة التي تتطلّع بشغف نحو أفق مفتوح على الحرية والخلق. كل جيل في لوحاتها ليس مجرد وجه، بل مرآة لمرحلة تاريخية، ومفتاح لفهم عمق نضال المرأة .
تقنياتها لا تخضع للانضباط الأكاديمي وحده، بل تتجاوز إلى التجريب والانفعال. فهي تلجأ إلى رمي الطلاء المباشر على القماش كفعل تحرّر من القواعد الصارمة، وكأنها تقول إن التعبير الصادق لا يحتاج إلى قيود. تكدّس الطبقات اللونية بشفافية أو باندفاع، فتخلق من التناقض بين الأزرق الهادئ والأحمر الصارخ، بين الأسود الغامض والأصفر الفاتح، لغة تشكيلية تشبه نبض الحياة ذاتها: توتّر وانفجار ثم سكون عابر.
ألوانها ليست مجرد اختيار جمالي، بل موقف وجودي. الأزرق عندها فضاء الروح، الأحمر نزيف الحلم، والأبيض فسحة النقاء التي تتسلل بين كل هذا الصخب. لذلك تبدو لوحاتها وكأنها وثيقة بصرية عن صراع المرأة، عن نَفَسها الطويل في معركة الوجود، وعن يقينها بأن الحرية لا تُعطى بل تُنتزع.
إن أعمال سناء هيشري لا تكتفي بتصوير المرأة، بل تكتب سيرة نضالها بلغة بصرية عميقة. فهي تُعيد الاعتبار لكل صوت نسائي كُتم، ولكل تضحية صارت منسية، مؤكّدة أن الفن ليس ترفًا، بل شهادة وذاكرة ومقاومة.وكما تقول في أحد أمثالها المبتكرة:“المرأة لا تُقاس بظلّها على الأرض، بل بامتدادها في قلوب الأجيال.”
سناء هيشري اديبة، باحثة وفنانة تشكيلية بلجيكيّة من أصول تونسيّة درست في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة ببروكسل وعضوة في اتحاد الفنانين التشكيلين التونسيين
مسيرة عقدين في مجال الفن التشكيلي والتدريس لقواعد وتقنيات الفنون الجميلة أقامت معارض فنية وفعاليات ودورات تدريبية وورشات بين بروكسال ودبي وتونس، كما تحصّلت علي العديد من الجوائز تقدير وتكريم لمساهمتها في تطوّر الفن التشكيلي في البلدان العربية إضافة إلي مشاركتها في لجان التقييم للمسابقات التشكيليّة… وقد صدر لها كتاب جديد عن دار نقوش عربية للنشر تحت عنوان: نضال من ألوان” وكان توقيع كتابها بمدينة الثقافة تونس، وقد وضعت فنّها التشكيلي لخدمة قضيّة اجتماعية و ذلك من خلال تبرّعها بجميع مبيعات كتابها لديار الأيتام.




