داتورة
رزق البرمبالي | مصر
في الآونه الآخيرة، ازداد التذمر بين النعاج من كثرة ما يطالبهم به الراعي من صوف وألبان، فاجتمع الخرفان الست وقرروا الذهاب إلى الراعي لتنبيه بخطورة الأمر وأيدهم على ذلك كلاب الحراسة الثلاثة،
كان الراعي متكئاً على أريكته، أسفل شجرة السدر الوارفة الظلال، يطالع في نوتة جيب صغيرة كمية ألبان الصباح التي ذهبت إلى مصنع حيدر السوري للأجبان، بينما الكلبان الأسودان المخصصان لحراسته، يتوسدان الأرض حوله، وأعينهم تدور في كل إتجاه،
ما إن سمع بالخبر، حتى انتفض واقفاً، فأصدرت الأريكة أزيزا وكأنها تحت تأثير زلزال قوته 6.5 بمقياس ريختر،
ثم دار حول الشجرة، ويده اليسرى تعبث في ذقنه البيضاء الطويلة، بينما اليمنى يتكئ بها عصاه الخيرزان السميكة، وكانت هذه هيّ عادته دائما حينما يفكر بعمق،
ألقى ببصره إلى البعد حيث النعاج في مرعاها، التي كانت تبادله نفس نظرته ولكنها أكثر حِده منه،
فجأة التمعت عيناه بالفرح، وأشرق وجهه بالنور، فقد تفتق ذهنه عن فكرة شيطانية، ستجعله يحكم قبضته على تمرد النعاج وإلى الأبد،
تمسح الكلبان بنعله ودارا حوله، وكأنما عمهم الفرح مثله، فربت على رأسيهما في رفق،
وأشار بعصاته إلى كبير الخراف “شملول”
وقال مبتسماً :
أوقفوا عنهم البرسيم في الحال، وأردف: ليكن طعامهم من الآن فصاعدا “الداتورة”
ردد الخراف في اندهاش شديد الداتورة!
وتقدم الخروف “علول” قائلاً :
لكن ياراعينا.. أنت تعلم أن الداتورة مخدر، كما أن طعمها مر جدا ولا يطاق!
ضحك الراعي بصوت عالٍ، فطارت العصافير فزعه،
تمدد على أريكته واضعاً ساقاً فوق الأخرى، وضرب بعصاته فرع الشجرة، فسقطت الورقات الصفراء، وتناثرت على جلبابه الرمادي، لكنها لم تستقر في مكانها طويلاً حيث طارت بفعل أنفاسه المتلاحقة وكرشه الضخم،
حدج علول بنظرة شيطانية ثم قال:
لم يتبق عن العيد غير أيام.