لا للتعايش
د. خضر محجز | فلسطين
يجب الاعتراف بأنني لا أفلح كثيراً في التواؤم مع كثير مما يسمونها المواقف المجتمعية:
ففي السياسة أفضل الانحياز إلى ما أراه الوطن، فيتسبب لي هذا باحتقار الكثيرين ممن يختلفون معي في معنى الوطن، خصوصاً ممن أصبح يقال لهم عِلْيَةُ القوم، مع أنهم لم يكونوا عِلْيَةِ قوم قبل قليل.
لكن ما يستحق لي المزيد من المقت، أن البسطاء يرونني ديموقراطياً كاذباً، يرفض الانصياع لرأي الأغلبية، التي ترى أن عِلْيَةِ القوم مصيبون دائماً. وبذا أجد نفسي في حالة عداء مع الأغلبية في مجتمع ديموقراطي، يوصف أعضاؤه بشعب الجبارين.
أما في الأخلاق فتراني أكتب الشعر الرديء، وأتغزل بالجميلات، ثم لا أتقدم أبعد من ذلك خطوة واحدة؛ بل أذهب في ذك إلى كثير من تشدد المتدينين ــ الذين لا ينبغي لهم الشعر ــ فأرفض الزنا، الذي يسمونه حرية الجسد. وبذا أجد نفسي محل سخرية الشعراء الشباب والشواعر الجميلات، باعتباري كاذباً في عواطفي الشعرية.
أضف إلى ذلك سوء ظن مستوطن بالناس:
فأنا لا أرى متديناً، إلا تأملت رقبته وبيته وسيارته، وأجريت عملية حساب في غير صالحه.
ولا أرى سيدة يطل سروالها، من تحت تنورتها، إلا ظننتها مومساً شريفة، تقتني زوجاً ديوثاً.
ولا أرى شاباً تبدو صفحة إليتيه، من فوق الحزام إلا ظننته مخنثاً.
ولا أرى عجوزاً ثريّة تقود زوجاً يصغرها، إلا ظننته جرواً يبحث عن عظمة فيها بقايا شحم.
ولا أرى ماركسياً سابقاً يشتغل في الـ(N.G.O,s) إلا ظننته يبيع شعارات جيفارا بأموال أمريكا.
ولا أرى زعيماً حزبياً سابقاً يُصْهِر إلى جاسوس، إلا ظننته يتعلم الخبرة السياسية متأخراً.
ولا أرى أكاديمياً يفتتح مركز دراسات، إلا ظننته استدان مالاً ممن يتقاضونه شرفاً لم يعد يملكه.
ولا أرى جمعية خيرية، إلا ظننتها مؤسسة لسرقة المساعدات الخارجية.
ولا أرى لحية شعثاء تحت عينين واسعتين وجبين ضيق، إلا ظننتني في مواجهة أحمق.
ولا أرى منقبة تقود سيارة فاخرة، إلا ظننتها زوجة لص أو ابنته.
ولا أرى تجارة تتمدد في ظروف الكساد، إلا ظننتها مؤسسة لتبييض الأموال.
ولا أرى كلباً بشرياً يأكل في قصعة، إلا ظنته سيبول فيها.
ولا أرى بائع إسمنت لجدار الفصل، إلا ظننته سيصبح رئيس لجنة القدس.
ولا أرى حاملاً بطاقة (V.I.P) يشتم الاحتلال، إلا ظننته فقدها.
ولا أرى دراسة في فوائد تناول القهوة بالهيل، إلا ظننت أن وراءها شركة دعاية.
ولا أرى مقاوماُ مغتنياً، إلا ظننته يستغل المقاومة لسرقة الشعب.
ولا أرى أسيراً محرراً يعلن عن صفته، إلا ظننته يطالبنا بثمن نضاله.
ولا أرى رئيس نقابة، إلا ظننته أقل أعضائها موهبة.