أدب

دمشق جدتنا

فايز حميدي | السويد
-١-
يا سيدتي الآرامية
يا سيدة الأسفار العتيقة
وعشقي الأبدي
يا غُربةَ الرُّوح وَغُرة الحُزن
دُونكِ يا سيدتي زهرة فؤادي
شهيةَ اليخضور ، امتشقيها
ودعي كَفاكِ تقولان
متى أراكِ هُنا ؟
الجوعُ يَلفُّ بسرهِ المدائن
والوهاد والقرى
أجيالٌ فقدتْ حُلمها وأبجَديتُها
وثانية تتوهم النصر
ومعتلةٌ بنار الهزيمة !!!
-٢-
منذ خَمسينَ خريفاً وَيزيد
لم يشق الفجرُ براعِمهُ
ولم نَتنفَس نَفحةَ عُطر الصَّباحات النَّدية
لكَ حِبّرُ الحُروف وبساتين القصائد
ولنا حَطبُ الأمَاني وقبوٌ مُظلمٌ
نَحرْتَ النُّورَ
وَأسلّتَ دمَ المكانَ
وفي الدُّجى قلقُ
ومع تباشير الصباح انهارتْ الأوثان
وتشققتْ أقنعةَ الوَرق !!
أغمضُ عينيَّ ، الشمس لا تشرق هنا
سَحابةٌ بَاهتةٌ
وسَماءٌ كابية
نذير شُؤمٍ كسحابة الصَّيف الثَّقيلة
وأنا أعتصمُ بِصمتي ، بِجوعي
وأقتات احتضاري …
-٣-
هي صروف الليالي يا شَّامة الدُّنيا
تُبدِّلُ جِلدها من حَالٍ إلى حَالِ
من غَيثٍ إلى جدبٍ
ومن جَدبٍ إلى غيثِ
وها هي تمدُّ أذرعة الخَريف
وتميط اللثامَ عن سُخطها الدَّامي
والأتون يتقدُّ …
-٤-
صباحُ الخيِّر يا دمشّق
لك يسجدُ لؤلؤ القَول
يا امرأةً تُغذي صَبرها بالصمتِ والعُزلة
وَتنضحهُ بعبراتِ الليالي
وتواريهِ بالبسمةِ !!
– ٥ –
صباحُ الخيِّر يا مُخيماً لا ينامُ
يَحتفي بالشَّمس والزَّهرة
وبسخاءِ العاشق وتحرر الفكرة
وبطقوسِ انعتاق الرُّوح
ولياليَّ الدَّهشة
ومن جُرحهِ النَّازف وَدمهِ المُستباح
وَكدر السِّنين
ما زالَ يرفعُ رايةَ العودة
– ٦-
صباحُ الخيِّر يا أزقةَ الميدان
يا أصيصَ الوردِ
وأشجارَ الميسِ
وزهرَ الرُّمان
يا جذوةً في الرُّوح تأبى الخُمود
وأخاديدَ النبالة في الوجناتِ
ترفضُ الإذعان
هل ضاعتْ عناقيدُ البهجةِ وَطغى صَهيلُ الأحزان ؟!
-٧-
صباحُ الخيِّر يا معهدَ العلم
ليس على المُحبِّ ملامةً
لمقلتينِ أضْرَمَتا في وتينِ القلبِ الحرَائق
صَباحُ الشَّهد والوَجدِ المُعطر
يا طائراً عذبَ الغناءِ
صباحُ الطيبِ والعَنبر
يا معهدَ الغيث والقرنفل والضياء
أنتَ ورداتُ الأماني من شَفقٍ وَماء
لِمنْ خَطَ طَريقهُ
وَلملمَ حُلمهُ الغَافيَّ
على جسرِ الحَياة
وَيهفو لنجماتِ السَّماء
صَباحُ الخير أبَا أويس
صَباحُ الخير أبَا يحيى
– ٨ –
صباحُ الخيِّر يا بردى
يَا غامضاً أثيل الأصيل كللهُ النَّدى
يَا روحاً تتسامى كفكرةٍ
بَردى وَجهٌ ذابلٌ
وكتفان مُتدليتان
وخطوات واهنة
كئيبةٌ
مشوشةٌ
مزدحمةٌ
لا شيء يَحدثُ صُدفةً
والحقيقة لا تُعمِّرُ على الرَّبابِ
-٩-
دِمشقُ جِدَّتُنا حَزينة العَينينِ
جُرحٌ غائرٌ
غُبارها يَبكي
تهيمُ على وَجهِها والقيودُ تشدُها
وعلى جبينها شُحوب الرَّدى
وفي الأحشاءِ شوكٌ وأزهارٌ وصبَّارُ
تحدقُ بنهرِها من قاعِ ظُلمتها
وفي القَلبِ صَحارى وَجوعٌ وآبار أوجَاعُ .
* *
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى