أدب

وداعا: لنجاح المسرحي البسيط

نجيب طلال| ناقد مسرحي المغرب

بأي لغة يمكن أن نرثي بها الفنان قيد حياته “حميد نجاح” هل بدموع التماسيح؟ أم بدموع الشاعر ابن الرومي، يوم فقد ابنه الأوسط: “بكاؤكما يشْفي وإن كان لا يُجدي”. أم بحروف جافة وخالية من معنى المعاني؟ أم بكلمات طنانة تخفي ما تخفيه مثل ماكان يخفيه الفرزدق لجرير؟ أم بلغة هَـسيسة، عابقة بصوت البساطة، كبساطة ” حميد نجاح المسرحي البسيط شكلا ومضمونا. وبين المحتوى والمبنى كان حقيقة جوهرة في النسيج الثقافي والفني بدون منازع، وإن كان للفن زمرة من “البرامكة” وثلة من المماليك ! دائما نحاول أن نخفي هاته الحقيقة لحظة وبُعيد الرثاء تجاه أي مبدع وفنان توارى التراب! إنه النفاق الجنائزي؟ مصطلح لا أدري من أين انقذف علي لحظة ترقيع هاته السطور، التي تتناسل منها شعيرة “ندم ” و”حسرة” بعَـدم الإيفاء باللقاء به أيام مرضه، وذلك عن طريق أحد المسرحيين الذين كانوا لا يفارقون بيته “الناجي، غ” وإن كنت لا أنسى أيام ضيافتنا من لدن الراحل “أحمد جندل” وهناك صادفت “الراحل”حميد نجاح” الذي عادت به الذكرة لمسرح الهواة وبالضبط لمسرحية “حلاق درب الفقراء” التي قدمت في ( الدورة 19/ سنة 1978) بفاس، وهناك تعرفت عليه، لكن وداعا وفي غضة الوداع ، كنتَ كما كنْـت مسامحا، طيب السريرة، معانقا أفق الإنسانية الحقيقة.
يوم وطأت أرجلك الصغيرتين “دار الشباب (بوشنتوف) ولم تختر إلا جمعية[الباسم للمسرح] رغم انوجاد جمعية الشهاب المسرحية، وجمعية العلا للمسرح وجمعية الفتح المسرحية وبعدهم جمعية الانطلاق المسرحي… فبمشاركتك المتميزة رفقة كوكبة من الشباب الذين وقعوا بصماتهم في الساحة الفنية، “أحمد شكري” و”محمد الروداني” و”محمد بن ابراهيم” و”محمد السحماوي” و”رضوان المهـرنتي” و”محمد التزرني” و”يوسف فاضل”…جعلتك من أحد الرواد في مسرح الهواة، حينما ساهمت في الأداء والعطاء في مسرحية الكيرة/ الصفر/القاعدة والاستثناء وصعود وانهيار مراكش؛ هذا العمل الذي دافعت أن تشارك فيه جمعية “الانطلاق المسرحي”، التي كانت تضم الشاعر أحمد بركات وجمال الطاوسي وعبدالغني الناجي ونادر حسن ولكن لم تتحقق المشاركة، ولكن حاولت أن تساعدهم في مسرحية العجاج لرفيق عمرك”المرحوم” حوري الحسين” والذي لم يحاول أي مسرحي إثارة تلك العلاقة المتفردة بينكما، وبينك وبين أحمد جندل الذي لا يذكر في سجل المسرح البيضاوي، هل لأن السلطة سرقته من الميدان؟ بالعكس كان شغوفا وعاشقا لكل مسرحي بالمغرب، وهاته حقيقة، سينكرها إلا زبانية ملوك الطوائف! ومن سينكر أن الجداريات المعلقة في (سيني مقهى/ ciné café) والتي كان يديرها ابن الراحل “محمد الركاب”، من توقيع “حميد نجاح” هذا الذي ساهم تقنيا وسينوغرافيا في مسرحية “الطوفان” وكذا في مسرحية ” أين الرؤوس” لحوري الحسين. وحينما تخليت بمحض إرادتك عن وظيفة محاسب في المكتب الوطني للكهرباء من أجل الفن، فكانت الجماهيرية الليبية وجهتك، ولا أحد سأل عنك، هي الحقيقة! كما لم يسأل عنك أحد أيام إصابتك بداء ((كوفيد)) أنت وزوجتك الفاضلة؟ في ليبيا هناك التقيت بالفنان الوجدي المخرج بنيحي العزاوي رحمه الله؛ وحينما اتجه للجزائر اتجهت إلى فرنسا، لتعيش عوالم الفن والإبداع! وفيها تعرفت على المخرج “أوغستو بوال” لتشرب من رحيق مسرح المقهورين والمضطهدين، ربما قليل ممن يتحركون في المشهد المسرحي، وحتى السينمائي، لا يعرفون هذا أو يعرفون ولن يستطيعوا البوح به، لأن هنالك سمات فنية خاصة ترافقك، نتيجة الاحتكاك والتجارب الإبداعية المتعددة،
والملاحظ إجمالا، تكريمك سينمائيا ولم يتم تكريمك مسرحيا إلا في مهرجان الفداء الوطني للمسرح(دورة الحسين حوري/ الدورة الأولى/2022) وليعد المهتمون وأحباب الخير لتصفح صفحتك في الفايس بوك ليطلعوا على مؤشر عدد رفاقك ومتتبعيك والمتعاطفين معك؟ ربما ليس مقياسا، وبنوع من المقاربة الجاسوسية هاهم الأكثرية نشرت صورة نعيك في الفايس بوك، إنها لغة النفاق الجنائزي؛ لأنه في ذكراك الثانية، لن يتذكرك أحد إنها ثقافة النسيان بل ثقافة التناسي؟
ولكن من الصعب أن يختلف ممن يعرفونك قيد حياتك يا “حميد نجاح” بأنك حقيقة كنت صادق المعاشرة والإخاء،ولم تتخل عن أية مساعدة، ودعم للشباب وغيرهم نحو الممارسة المسرحية: بشهادة شهود من أرشدتهم ومن عاشروك بصدق المحبة، كنتَ تتنازل عن حقوقك من أجل استمرارية الفن، سرقوا بعض الفنانين لوحاتك، والتزمت الصمت، وعدم البوح، لأن من كان يرافقك شاهد على ذلك! لأنك كنت في العمق بسيطا، زاهدا في ملكوت وجودك ، ومتعدد المشارب والمواهب…ممثلا مبدعا ومائزا في التشخيص، شاعرا باللغة الفرنسية، وفنانا تشكيليا ورساما حرفيا وسينوغراف متمكن… لكن كنت كما كنتَ لا تسعى نحو الجاه أو الشهرة، ولم يكن همك ركوب صهوة المجد في ميدان الفن، بل وهبت نفسك للفن، بناء على قاموس مبادئك الانسانية “ترك بصمة” في التاريخ لأن الموت دائما سيلاحقنا، وهاهو اختطفك منا، كما سنختطف جميعنا، والدوام والبقاء للواحد الديان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى