الثيران الثلاثة.. قصة شعريّة للفتيان
مازن دويكات| نابلس- فلسط
في مزرعةِ البلدة
عاش ثلاثة ثيرانْ
في حبٍّ ومودّة
مع صاحبها نعمانْ
متساوية دون فروقْ
واختلفت فيها الألوانْ
الأوّل يُدّعى سمّورْ
ويُسمّى الثاتي برّوقْ
ويُنادى الثالثُ حمٌورْ
وبيومٍ قال لها نعمانْ :
في الصبحِ سأمضي للسوقْ
كي أبتاع طعاماً وبذورْ
لكنْ إيٌاكم إيٌاكم
أن يُفتحَ هذا البابْ
كي لا يدخل منه الأغرابْ
فيعيثون فساداً فيكم
إنٌي أوصيكم أوصيكم
وعليكم بالوحدة
فالوحدة تحميكم
في أيّام الشِدّة
……
وبيومٍ فرَّ من الغابة
أسدٌ لم يأكل من مدّة
غضٌبانٌ قد أبرز نابه
يزّأرُ من ألمٍ في المعدة
سار إلى أن وصلَ البلدة
فرأى كوخَ الثيران هناكْ
ثمَّ توقّفَ دون حِراكْ
وأطلَّ من الشُبّاكْ
فرأى الثيرانَ على المذودْ
تأكل في حبٍّ وسعادة
والأسدُ الجائعُ والمُجهدْ
فكّر كيف ينالَ مُراده
…..
كيف سأخلص من هذا الجوعْ
والبابُ أمامي لا يفتحْ
لا شيء هنا ممنوعْ
كيف سأدخل كيف سأنجحْ
الفرصة لا بدّ ستسنحْ
الآن ستأتي وبكلّ وسيلة !
…..
هزّ الأسدُ الرأسَ وصرّحْ:
لا شيء إذن غير الحيلة
…..
طرق الأسدُ البابَ وقالْ :
يا أهل الكوخِ صباح الخيرِ
قد جئت إليكم في الحالْ
لأحذركم مما يجري
بالأمس اجتمعت في الغابة
من ذُؤبان الشرِّ عصابة
واتفقوا في السرِّ عليكم
ولأحميكم جئتُ إليكم
فأنا والثيران قرابة
……
فَزِ ع الثيرانُ من الخوفِ
لمٰا سمعوا صرخات الضيف ِ
قال الثورٌ الأبرقْ
في لغة اليأسْ:
كيف سأنجو من هذا المأزقْ
وأخلّص هذا الرأسْ
كيف سأنفذ في جلدي كيفْ ؟
فهو الأجمل ْ
من جلدكَ يا حمّورْ
وهو الأفضلْ
من جلدكَ يا سمّورْ
بٌهت الثورانُ من الأحمقْ
لمّا رأيا منه الزيفْ
…..
سُرّ الجائعُ مما قيلا
وانزاحَ عن البابِ قليلا
فرٍحاً هزّ الرأسَ وعلّقْ :
بشراي أرى الشملَ تفرّقْ
والأبرقُ مائدتي الأولى
….
وعلى الغفلةٍ من أخويه تقدّمْ
فتح الأبرقْ
بابَ الكوخِ المغلقْ
….
دخلَ الضيفُ فمدّ يديهِ وسَلّمْ
بعد أن ارتاحوا من ودِّ الأسدِ
قالوا : أهلاٍ يا ضيف تفضٌلْ
الوضعُ خطيرٌ نرجوكَ تَدخلْ
فالذؤبان بلا عددِ
ماذا الآن ستفعلْ
قال لهم في لغةِ الحكمة:
إنّ الخوفَ علينا نقمة
لا أنكرُ أنّا في ورطة
فتعالوا كي نضع الخُطّة
خٌطّ لنا يا أسد الخططا
نحن عُجولٌ نخشى الغلطا
حكّ الأسدُ الجائع رأسه
ثمّ بهمسٍ حدّث نفسه:
في رأسي الخطّة محفورة
وبصوتٍ عالٍ قد أعلنْ :
الخطّة في هذي الصورة
أن لا يبقى فينا خائنْ
والأبرقُ قبل قليلٍ خانْ
فتح البابَ عليكم دون مشورة
لِمَ لا يفتح للذؤبانْ
الغدر بفعلته بائن!
وافقه الثورانُ وقالا
نقسم بالله تعالى
هذا ما قال به نعمانْ
فهو جبانُ ألف جبانْ
ماذا يا صاحب تقضي الآنْ ؟
الراي لكم أنتم أخويه
والحق لكم بالحكمِ عليه
….
صاح به الثوانٌ بحدّة:
فالتخرج من هذي البلدة
ثار الأسدُ الجائع واحتجْ
لمّا سمع الحكم الأهوجْ
فلذا صاح بهم : ياسادة
أين الحكمة أين العقلْ
فالأبرق مجنون قيادة
لو خرج الآن بهذا الشكلْ
لا بدّ سيمضي للغابة
ويعود ألينا بالذؤبانْ
فلذا أقترحٌ الآنْ
أن ينفذ فيه القتلْ
حتّى نتدبر أمر العدوانْ
…..
وخلال ثوانٍ معدودة
الجثّةُ كانت ممدودة
…..
الثورُ الأحمر قال بخفّة:
لكنْ أين سنخفي الجثة
فكأن على الأكلِ يحثّه
فالجائع ردّ عليه بلهفة:
أخفيها إن شئتم في كرشي
فَلِمَ في الغابِ تركت لهم عرشي
وأتيت لكم في الظلمة أمشي
كي أخدمكم هذي الخدّمة
حمّورُ أفاق من الصدّمة
ورأى أن هناك مكيدة
واضحةٌ كالشمسٍ أكيدة
….
لكنْ ماذا في الإمكانْ
حين يسودَ غباءُ الثيرانْ
أيّنكَ.. أيّنك يا نعمانْ !
….
كم أنتَ لعينٌ يا حمّورْ
كيف عرفت الآن الخطّة
فعليّ إذن أخذ الحيّطة
….
مالَ على السمّور وفي القربٍ جلسْ
داعب قرنيّه وفي أذنيه هْمسْ :
الذٌؤبان ستأتي في الليلْ
الويل لنا يا صاحب ثمّ الويلْ
إن نحن هنا لم نتدبّرْ
إن المشكلَ في اللونْ
الأسودٌ ليس تراه العينْ
لكنّ العلّة في الأحمرْ
في الليلٍ يدلُّ على الإثنينْ
فتقدمْ منه وكنْ لي عونْ
نسلخُ هذا الجلدَ الفاضحْ
فهو لهم واضحْ
ردّ عليه الثور بطيش ِ:
لكنْ أين نُخبّئة أينْ ؟
قال الأسدُ الناصحَ :
كأخيه الأبرق .. في كرشي
ورماهُ على كوم القش ِ
…
أنهى الأسدُ الأمر بسرعة
فزّ وشاربه يقّطرُ دمْ
وعلى لحيتهِ بعضُ اللحمْ
صاح: تقدمْ يا سمور تقدّمْ
هل تدري.. هل تعلمْ
أنّكَ آخر من في القُرعة
والخٌطّةٌ عٌدّتْ في الغابْ
رُسِمتْ بالمخلبٍ والنابْ
كانَ لكم بالإمكانْ
أن تٌدفن خلف البابْ
لو أن الثيرانْ
أصغتْ لوصايا نعمانْ
فتقدمْ لتموت الآنْ
لن آكل من لحمكَ قطّعة
لن أشربْ من دمّكَ جرعة
وسأترك جثّتكَ النتنة
مائدة للغربان العفنة
تلك نهايةُ من خانْ
تلك نهايةّ من خانْ !!!
————
نابلس ١٩٩٨